لا شك أن الثورة السورية التي مر على قيامها أكثر من “12”عاماً، وحوّلها النظام الحاكم بإجرامه ودموية أركان وَعَرَّابِي حكمه الطائفي المجرم وإرهاب جيشه وأمنه وشبيحته، والميليشيات الولائية الإرهابية العابرة للحدود، إلى حرب دامية وقضية عالمية، واحتلالات متعددة وأصحاب نفوذ وسطوة، هذه كلها مجتمعة تسببت بل وتمخضت عن ويلات وكوارث بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ وانعكاسات لم يشهد لها العالم مثيلاً عاشها -ولا يزال يعيشها ويعاني منها- غالبية ملايين الشعب السوري على يد فراعنة العصر الجُدد والقَتَلَة والجلادين.
منذ بداية الثورة السورية ومع استخدام النظام المجرم لكل آلات وأعتدة وأسلحة وأساليب القتل بكافة أنواعها، ضد مكونات وأبناء الشعب السوري، هذا الشعب الذي ما كان ذنبه ليعيش ويعاني من مثل هذا الإرهاب وتلك الجرائم التي ارتكبت بحقه ولا تزال ترتكب حتى الآن، إلا لأنه وبعد خمسين عاماً من الحكم الشمولي الاستبدادي لآل الأسد قد تجرأ وانتفض وتمكن من خلع جلابيب خوفه من المجهول، وثار لإسقاط حكم طاغية الشام “بشار الأسد” وطُغمته الفاسدة.
هذه الثورة التي قُوبلت –ولا تزال تُقابَل حتى وقتنا هذا- بالحديد والنار، وأدت من ضِمن ما أدت إلى اقتلاع ملايين السوريين من أرضهم وجذورهم رغماً عنهم، وإجبارهم طلباً للأمن والأمان على النزوح واللجوء إلى دول جوارٍ وغير جوار.
في هذه الأوقات ومع ما يعيشه المجتمع الدولي ومنظماته من أوضاع كارثية سياسية، واقتصادية ومالية، ومع ما خلّفته الارتدادات العميقة لأزمة “كوفيد 19″ ، التي لا تزال آثارها السلبية لم تنجلِ أو تنتهِ بعد، حتى بدأت روسيا و”بوتينها” المجرم بشنّ عدوانهم الوحشي على أوكرانيا، هذا العدوان الهمجي الذي خلف دماراً واسعاً في البلاد، وأدى فيما أدى إلى موجات نزوح لملايين من الأوكران خارج بلادهم للنجاة بأرواحهم، وفراراً من الموت وجرائم جيش بوتين ولجوئهم رغماً عنهم إلى دول محيطهم الأوروبي الواسع.
عملياً كثير من قيادات العالم وحكوماتهم، وخاصة دول الجوار السوري مثل “لبنان” يعتبرون بشكل أو بآخر “زوراً وبهتاناً” أن الحرب في سورية انتهت، وهذا ما حفّز حكومات ومعارضات الدول المضيفة كالحكومة اللبنانية مثلا إلى اتخاذ إجراءات وإقرار سياسات ما أنزل الله بها من سلطان، لتفرضها على ملايين اللاجئين السوريين، وتضيق عليهم سُبل معيشتهم من أجل العودة -بل ترحيلهم قسرياً- إلى ديارهم. هذه الديار التي لا تزال وللأسف ناهيك عن دمارها وعدم جاهزيتها لوجستياً وخدماتياً واقتصادياً، فهي غير آمِنة بالمعنى المعيشي بالمطلق، ناهيك أيضاً عن أن مخابرات وأمن النظام وشبيحته سيُمارِسون وكما هو معهود، ثأرهم وإجرامهم وأعمالهم العدائية ضد مئات الآلاف من العائدين قسرياً مع عائلاتهم، وسيُغيَّبون قتلاً وسجناً في سراديب وأقبية النظام القاتل بمجرد دخولهم الحدود وحتى قبل الوصول إلى أطلال مناطقهم وبيوتهم التي هجروها.
للأسف فإن بعض الدول، وأخص هنا الدول العربية منها، ولبنان على درجة الخصوص، الذي وكما يقال من المفترض أن يكون أقلها نتيجة الجوار واللغة والعروبة والتاريخ المشترك، أو حتى بطريقةٍ ما لرد جزءٍ من دَيْنِ رقابهم في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم أن يكونوا عوناً وسنداً للاجئين السوريين الذين فتحوا لكافة اللبنانيين اللاجئين سابقاً ودون استثناء صدورهم وقلوبهم البيضاء الدافئة قبل بيوتهم ليحتضنوهم فيها عندما كانت بلادهم تمر في حالات حروب عديدة.
في الواقع لا يخفى على أحد أن “حزب اللاة” كما هو واضح للجميع بات منذ سنوات ليست بالقصيرة يسيطر على مفاصل حكم “لبنان”، وعلى تشكيلات حكوماته، وعلى غالبية قراراته السياسية والعسكرية المصيرية المهمة، فنعم لبنان مشكوراً استقبل أعداداً من اللاجئين السوريين، الذين وكما يعرف القريب والبعيد من إنسانيِّي العالم وأحراره، أنهم لم يتركوا ديارهم وبيوتهم وأملاكهم من أجل السياحة والاصطياف الطويل في لبنان، أو الاستجمام في منتجعاته وعلى شواطئه الجميلة، بل لجؤوا فراراً مع كل ما يحملونه من جراح أثقلتهم مضطرين ملهوفين هاربين مع عوائلهم من الموت والجحيم، الذي بات يلاحقهم فيه جيش وأمن وشبيحة وميليشيات وإرهابيو نظام الأسد ودون استثناء على كامل الجغرافيا السورية.
حقيقة وقبل عدة أيام لم يفاجئني وزير المهجرين في لبنان الوزير “عصام شرف الدين” عندما قال: إن الحكومة اللبنانية ترفض رفضاً تاماً بقاء اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، وتطالب بعودتهم السريعة إلى بلادهم “بعدما انتهت الحرب فيها وباتت “آمنة”!، لا بل وأنه سيعيد دورياً “15” ألفاً من اللاجئين شهرياً، طالباً من الأمم المتحدة إيقاف مَنْحِهِمْ المعونات الأممية على الأراضي اللبنانية؛ لأن ذلك حسب قوله -أي الوزير شرف الدين- سيشجعهم على البقاء لفترات أطول في لبنان، وعدم العودة لديارهم، وكأن هذا الأمر -أي بطاقة المعونات- حسب تصور سعادة الوزير شرف الدين (والمصيبة في الاسم) فقط هو الذي يبحث عنه اللاجئون السوريين والذي دفعهم لترك بلادهم وديارهم!.
في المقابل فإن رئيس وزراء وحكومة “شرف الدين” هذا سعادة “نجيب ميقاتي”، سبق وزيره قبل أيام حين قال إنه “بعد 11 عاماً على بدء الأزمة السورية، لم يعد لدى لبنان القدرة والمقدرة على تحمُّل أعباء اللاجئين” لا سيما في ظل الظروف الحالية التي يمر بها لبنان، وكأن السيد “نجيب ميقاتي” يصرف عليهم هو ودولته من كيس خرجيتهم وجيوبهم الخاصة“! .
بل ودعوته أيضاً المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على الغرب، وأنه سيعمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية” أي ما معناه قسراً” ، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.
ختاماً… لله دَرّ الشعب السوري اللاجئ الصابر في ديار الغربة واللجوء وآلامها، فعلى ما يبدو وعلى عكس ما كنتم تشتهون وتظنون من أهل جلدتكم العرب، فقد ضاقت عليكم الأرض بما رحُبت وضاقت عليكم أنفسكم، وأصبحت قضيتكم وآلام تهجيركم مجرَّدَ قضيةِ متاجرةٍ وابتزازٍ لكل شارد ووارد، وأوراق وسجالاتٍ انتخابية لكل مَن يريد أن يرفع أسهمه أو يزاود في كيل اتهاماته ويحمل اللاجئين السوريين -والسوريين وحدهم- ظلماً وجوراً أعباء كل السياسات الخاطئة التي تنتهجها حكومات بعض بلدان اللجوء، وخاصة حكومات لبنان المتعاقبة والفاشلة التي أظهرت عدم قدرتها على إدارة شؤون البلاد وتخطي أزماته في كافة المجالات، وخاصة منها الاقتصادية والمالية والمعيشية، والتي بات نتيجتها مواطنو بلادهم -بسبب هذه الحكومات لا بسبب السوريين- يرزحون تحت ثقل انعكاساتها عليهم، وفي النهاية صدق مَن قال: إنه لا يُجنى من الشوك العنب!!.