المصدر: سيتا (مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية)
ترجمة: عبدالحميد فحام
إحدى القضايا الرئيسية التي سيتم مناقشتها في اجتماع بايدن وأردوغان ستكون علاقات تركيا مع روسيا.
غالباً ما تشير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى روسيا للتأكيد على أن محور تركيا قد تحوّل ولكن من ناحية أخرى، هذا التصوّر له تناقضاته الخاصة.
فهذا الادعاء لا يتوافق مع النمط الجديد للهيكل السياسي الدولي، الذي تغيّر ويركّز الآن على تعدُّد الأقطاب. فكل من تركيا وروسيا هما لاعبان في التوجه السياسي الدولي الجديد يشتركان في "المواجهة" العسكرية على الأرض والاجتماعات الدبلوماسية على الطاولة.
بعبارة أخرى، روسيا منافس دائم لكنها شريك مؤقت لتركيا. ومع ذلك، من أجل فهم العلاقات التركية الروسية، من الضروري شرح الوضع الحالي لروسيا وفهمه في سياق علاقات تركيا والولايات المتحدة.
تريد روسيا، التي تعرضت لعقوبات أمريكية وأوروبية بعد ضم شِبه جزيرة القرم ودعمها لنظام الأسد في سورية، أن تصل مرة أخرى إلى الأيام المجيدة لروسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي بقيادة بوتين.
ويجب فهم الإستراتيجية الكبرى التي تتبعها في هذا الاتجاه، أي الإستراتيجية "التوسعية" التي استخدمتها موسكو بأسلوب "براغماتي" منذ عام 2014. وفي هذا السياق، عززت روسيا وجودها في البحر الأسود والقوقاز من خلال ضم القرم وإعلان الولاء من جانب واحد من قِبل مناطق الحكم الذاتي في جورجيا.
وفي ناغورنو كاراباخ وسورية، حوّلت وجودها العسكري إلى مبادرة سياسية من خلال "الوساطة" و"العسكرة السلبية".
وقد وسّعت وجودها إلى إفريقيا مع شركة عسكرية خاصة في ليبيا، تموّلها الإمارات بالرغم من إنكار روسيا لوجودها، ومن خلال الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع دول جنوب الصحراء الكبرى. فمن خلال هذه التحركات، فإنها تنفذ سياسة "احتواء" الناتو والاتحاد الأوروبي في المنطقة.
وهكذا، في حين أنها تحقق التوسع الجغرافي بشكل فعّال من حيث التكلفة، فإنها تتجه أيضاً نحو نوع جديد من الاستعمار "الحمائي" في السياق الاقتصادي. لذلك نجحت روسيا في تحويل أزمة الطاقة والصراعات الإقليمية إلى فرص تخدم هدفها في الهيمنة السياسية.
على الجانب الأوروبي، مع اندلاع أزمة الطاقة والتقلبات في سلاسل التوريد، برزت روسيا على أنها "منافس" يجب أن "تتعاون" معه أوروبا.
فروسيا، التي اعتبرت نفسها جديرة بأن تعتبرها الولايات المتحدة وأوروبا دولة "منافسة" بدلاً من اعتبارها "تهديداً" أو "بلداً عدواً"، أصبحت في الوقت نفسه جهة فاعلة في "التعاون" وواحدة من الدول التي يمكن التوصل إلى "سلام بارد" معها.
ومن ناحية أخرى، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على الاستمرار في نفس الإستراتيجية المرنة في حِقبة ما بعد بوتين. فعلى الرغم من أن المهارات القيادية لبوتين ساعدت روسيا على تجاوُز فترة من الركود، يبدو من المحتمل أن القيادة القادمة ستأخذ البلاد إلى فترة من التدهور. وفي واقع الأمر، فإن احتمال تخمر "الإستراتيجية الكبرى" الحالية يعتمد بشكل أكبر على مهارة القادة من نظام الدولة الروسية. وبالنظر إلى حساسيات جغرافيتها الشاسعة، تتمتع روسيا بوضع "دولة ريعية" ودولة "نامية".
ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن هناك مخاطر في جهود روسيا العدوانية التي لا يمكن إنكارها لتجنب فترة من التراجع.
في هذه المرحلة، إذا كان تصوّر الولايات المتحدة لروسيا مبنياً على منافسة يمكن التحكم فيها، يجب تفسير نية تركيا وهدفها بما يتماشى مع الهيكل السياسي الدولي المتغير.
لذا يتطلب الأمر مهارة لإدارة إستراتيجية روسيا التوسعية، والتي أصبحت حقيقة واقعة في المنطقة، من ناحية، وإبقائها في مستوى يمكن التحكم فيه من ناحية أخرى. وفي مثل هذه الحالة، قد يكون لتركيا فوائد قيّمة لسياسة الولايات المتحدة التي تركز على روسيا.
ومن ناحية أخرى، فإن الحصول على دعم الولايات المتحدة كرافعة ضد روسيا يمكن أن يوفر ميزة كبيرة لتركيا. ومع ذلك، فإن سعي الولايات المتحدة لسياسة سورية من خلال حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب، والسياسات التي تعتبر تركيا ليست صديقة، والمحاولات البسيطة مع وجود التحيزات تؤدي إلى وضع في العلاقات التركية الروسية يعمل ضد الولايات المتحدة.
إن تهميش روسيا، الذي يُحوِّم بين الركود والانحدار يعتمد على فَهْم الولايات المتحدة "للصورة" الروسية واستعدادها للتغلب على مشاكلها مع تركيا في المستقبل.
ففي واقع الأمر، إن انسحاب روسيا من جغرافيتها الحالية يتناسب عكسياً مع العلاقات الأمريكية التركية، وهو ما تدركه روسيا. لهذا السبب، تريد روسيا إحداث شرخ في الناتو عَبْر تركيا. لذلك، قد يجيب اجتماع بايدن وأردوغان على السؤال: "ماذا سيحدث لروسيا؟"