مترجم – بلومبرغ
الطائرات بدون طيار والمرتزقة والهجمات الإلكترونية تمنح المنافسين إمكانية الإنكار المُقنِع لإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية.
ما هو القاسم المشترك بين الضربات الصاروخية التي تشنها الميليشيات الشيعية في العراق، وهجمات برامج الفدية على أهداف في الولايات المتحدة، واستخدام روسيا للمرتزقة في ساحات القتال في الشرق الأوسط؟
إنها جزء من اتجاه يستخدم فيه خصوم أمريكا جهات فاعلة غير حكومية ووسائل شبه يمكن إنكارها للضغط على مصالحها.
كثيراً ما تجد واشنطن نفسها على الجانب السيئ من إستراتيجية كلاسيكية -الحرب بالوكالة- والتي لم تستنبط بعد حلاً فعالاً لها.
إن الحرب بالوكالة موجودة منذ الأزل، فخلال عصر الشراع (منذ بدايات القرن السادس عشر حيث هيمنت سفن الشراع على التجارة الدولية والحرب البحرية)، كلفت القوى المتنافسة القراصنة باستنفاد خزائن أعدائهم، في حين أن شركة الهند الشرقية البريطانية، على الرغم من كونها شركة خاصة من الناحية الفنية، فقد جلبت مساحات شاسعة من الأراضي والتجارة العالمية إلى قبضة الإمبراطورية البريطانية، وخلال الحرب الباردة، جندت واشنطن وموسكو المرتزقة والمتمردين والناشطين وغيرهم من الجماعات غير الحكومية في تنافس شرس كان كلاهما يأمل في الإبقاء عليه ضمن الحدود لتجنب صراع كبير بين القوى العظمى.
في الوقت الحاضر، عملت الولايات المتحدة مع جهات فاعلة غير حكومية لدحر تنظيم داعش والحفاظ على موطئ قدم جيوسياسي في سوريا، ومع ذلك، في كثير من الأحيان، تكون أمريكا هي المستهدفة بمثل هذا النهج.
فلقد سلحت إيران الميليشيات الشيعية وحرضتها على شن هجمات صاروخية وطائرات بدون طيار ضد القواعد والجنود الأمريكيين في العراق، كجزء من استراتيجية أكبر للحرب بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
كما توظف حكومة فلاديمير بوتين الروسية مرتزقة فاغنر ومنظمات أخرى لحماية مصالح موسكو وتوسيع نفوذها في سوريا وليبيا.
يُزعم أن المنظمات الإجرامية الروسية نفذت هجمات إلكترونية على البنية التحتية الحيوية في أمريكا، وعلى الأخص من خلال هجوم الفدية الذي أغلق خط أنابيب كولونيال في وقت سابق من هذا العام.
وتبقى علاقة الكرملين بهذه العناصر غامضة، لكن يبدو من غير المرجح أن يسمح بوتين بهكذا هجمات إذا لم يعتقد أنها كانت مفيدة للدولة الروسية.
تكمن جاذبية الهجمات بالوكالة في أنها توفر تأثيراً مع إفلات "نسبي" من العقاب، ويمكن لإيران استخدام الميليشيات العراقية لإضعاف موقف الولايات المتحدة في العراق، أو كسب النفوذ في المفاوضات النووية، دون الاضطرار إلى مهاجمة قوة عظمى بشكل علني.
ويمكن للجماعات الإجرامية الروسية إثارة الفوضى داخل الولايات المتحدة دون الكشف الكامل عن يد الكرملين، وكلما كان الإسناد أكثر صعوبة، كان من الصعب تقليدياً على واشنطن تبرير الرد الحاد والعقابي.
وبالتالي، فإن الهجمات بالوكالة توفر لمنافسي أمريكا القدرة على إجبار الولايات المتحدة الالتزام بحدود: إنها تكتيك "المنطقة الرمادية" الكلاسيكي الذي يستخدم لممارسة الضغط دون الحرب.
وفي الوقت نفسه، فإن هذه الهجمات تقدم لدول مثل روسيا وإيران فرصة لاختبار الأساليب هجمات إلكترونية واسعة النطاق، وعنف واسع النطاق ضد أهداف أمريكية في الشرق الأوسط قد يستخدمونها إذا اندلعت معركة أكبر.
حتى الآن، وجدت واشنطن صعوبة في صياغة إجراءات مضادة ناجحة، حيث أن انتقام نسبي من الوكلاء أنفسهم مثل ضربات جوية حادة ضد الميليشيات المدعومة من إيران أو الاعتقالات أو الأعمال الانتقامية المالية ضد الجماعات الإجرامية الروسية، لا يبدو أنها تزعج رعاتها الحكوميين بشكل حاد، لأنه يسمح لطهران وموسكو بالحفاظ على أسطورة الإنكار وتحويل التكاليف إلى جهات فاعلة أكثر قابلية للاستهلاك.
إالبديل الواضح لواشنطن هو الرد بقوة أكبر والاستعداد لملاحقة الراعي وكذلك الوكيل.
في عام 2018، دمرت وزارة الدفاع كتيبة من 200 مرتزق روسي اقتربوا كثيراً من حدود المنطقة الحساسة للولايات المتحدة في سوريا، وفي أوائل عام 2020، أمر الرئيس دونالد ترامب بقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، بعد أن تجاوزت هجمات وكلاءه العراقيين على الأمريكيين الحدود.
وبالمثل، ورد أن الرئيس جو بايدن حذر بوتين من أنه سينتقم من مصالح الدولة الروسية، ربما من خلال الهجمات الإلكترونية، وربما من خلال العقوبات الاقتصادية أو وسائل أخرى، إذا استمرت الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق.
المنطق السليم يقول أنه لن تتوقف الهجمات بالوكالة حتى يبدأ خصوم الولايات المتحدة في الخوف من أنهم سيعانون أكثر من الرد الأمريكي مما يكسبونه ويحققونه.
إن إظهار أن الولايات المتحدة ستستجيب بشكل غير متكافئ، أو تحتفظ بالحق في الرد عبر مجالات متعددة، يمكن أن يضخ قدراً أكبر من عدم اليقين في حسابات هذه البلدان.
وكما يفترض المحلل مايكل نايتس، أنه إذا تمكنت واشنطن من مقاومة الاحتجاج العلني على عملياتها الانتقامية، فيمكنها تجنب هجمات أعدائها بالطرق التي تجعلهم يشعرون أنهم في مأمن من العقاب.
ومع ذلك، فإن الانتقام من الراعي لا يفي بالغرض دائماً فربما يكون ترامب قد صدم الحكومة الإيرانية بقتل سليماني، لكن هجمات الميليشيات استؤنفت بعد ذلك بوقت قصير، حيث أن جذر المشكلة هو أنه من الصعب على قوة عظمى مشتتة أن تربح منافسات الإكراه والعزم ضد خصوم ملتزمين، والولايات المتحدة هي القوة العظمى المشتتة في مواجهة روسيا وإيران الآن، لأنها تحاول بشكل واضح التركيز على الصين.
تحاول إدارة بايدن، مثل إدارة ترامب، الإشارة إلى أنها تفقد صبرها مع الهجمات بالوكالة، وقد يتطلب إثبات هذه النقطة درجة من الانتقام المستمر والمواجهة المستمرة، والتي من شأنها أن تأخذ بايدن إلى أبعد مما يريد أن يذهب إليه.