نداء بوست- ريحانة نجم- بيروت
مصطلح “الرشوة الانتخابية” ليس جديداً على اللبنانيين، بل إنّه قديم ويشغل حيِّزاً كبيراً في الساحة اللبنانية مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، وتختلف أشكال الرشاوى بين منطقة وأخرى، وحزب وآخر، لكنّ هذه المرة ستكون الرشوة أساساً في الانتخابات المقبلة المقررة في الخامس عشر من أيار/ مايو، في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية، وتدني قيمة العملة الوطنية، والانهيار الحاصل على كافة المستويات.
وفيما يعتبر مراقبون أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها البلد، ستكون فرصة لمحاسبة المسؤولين، والانطلاق بعجلة التغيير، ومراجعة الخيارات السياسية والتمثيلية، خصوصاً أنّ هذه الانتخابات تُعتبر مفصلية في تاريخ البلد، وستحدد نتيجة ومسار الاستحقاقات التي تليها، يعتبر آخرون أن الواقع المعيشي المتردي سينعكس سلباً على نتائج الانتخابات، في ظل سعي معظم المرشحين والأحزاب لشراء أصوات الناخبين وتعزيز حضور الرشوة الانتخابية ومفعولها في التأثير على خيارات الناخب اللبناني وسلوكه.
وفي هذا السياق، رصدت “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات” (لادي)، ازدياداً كبيراً في وتيرة التقديمات والرشاوى الانتخابية، مقارنة بالدورات الانتخابية الماضية، أطلقت الجمعية تقريرها الثاني لمراقبة الحملات الانتخابية للفترة الممتدة بين 15 و31 آذار/ مارس 2022، وذلك بالتعاون مع مؤسسة “مهارات”.
ويقول التقرير: إنّه رصد حالات عنف وضغط أو تخويف ناخبين ومرشحين، ومساعدات ووعود ورِشًا انتخابية، واستغلال النفوذ لغايات انتخابية، واستخدام موارد عامة لغايات انتخابية، إلى جانب الخطاب المذهبي التحريضي الطائفي، والعنصري، والقَدْح والذم والتجريح، ومن أبرز المخالفات التي كشفها التقرير، تخصيص “حزب الله” أكثر من 18 مليار ليرة و18 مليون دولار للمساعدات المعيشية، توزّعت على 4 عناوين رئيسية: بطاقة السجاد التي استفاد منها أكثر من 27 ألف عائلة، ومائدة الإمام زين العابدين التي استفاد منها عشرات آلاف الأشخاص، ومقطوعات مالية للفقراء والأيتام لأكثر من 13 ألف مستفيد، ومساعدات تموينية لـ215 ألف عائلة.
كما قدّم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط مولد كهرباء لمؤسسة بيت اليتيم الدرزي في عبية، وذلك في دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف – عالية).
كذلك وثقت “لادي” توزيع حليب أطفال من قبل بعض المرشحين في شمال لبنان، ووصل الأمر ببعض المرشحين إلى حد التبرع بفتح الطرقات التي قطعتها الثلوج خلال العواصف الماضية، على نفقتهم الخاصة.
وسجلت الجمعية توزيع حصص غذائية أو ما يعرف بـ “الإعاشات”، وإقامة ولائم غداء وعشاء على شرف الناخبين في المناطق.
كذلك وصل الأمر ببعض الأحزاب إلى حد إعلانها عن حملات تنظيف لمناطق بيئية، فيما استثمرت أحزاب أخرى في أزمة تكدس النفايات في الشوارع، وتبرعت بإزالتها من مناطق معينة على نفقتها الخاصة، وغيرها الكثير من التجاوزات والرشاوى.
ويقول الناشط “أ.س”: إن الرشاوى الانتخابية هذا العام تأخذ أشكالاً مختلفة، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، فإضافة إلى توزيع مبالغ مالية، أو قسائم لمواد غذائية أو محروقات، وهي طرق تقليدية تعوّد عليها اللبنانيون، تلجأ الأحزاب في بعض الدوائر إلى ابتكار رشاوى جديدة، كدفع فواتير اشتراكات مولدات الكهرباء الخاصة للناخبين، أو تقديم مولدات كهربائية للبلديات مع تأمين المازوت للمولدات، كذلك تأمين الأدوية المفقودة أو تلك التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، ناهيك عن الدورات التعليمية ودورات التقوية عشية الامتحانات الرسمية للشهادات المتوسطة والثانوية، وغيرها من التقديمات التي أصبح الناس غير قادرين على تأمينها.
ويتحدّث الناشط، عن مبالغ تدفع لشراء صوت الناخبين، تتراوح ما بين 100 و300 دولار أمريكي في بعض الدوائر خاصة دائرتَيْ بيروت الأولى والثانية، ودائرة الشمال الأولى (يُشار إلى أن الدولار يسجّل اليوم في السوق السوداء 25000 ألف ليرة)، ويضيف أنّ بعض المرشحين بدأ يجمع مندوبين لليوم الانتخابي مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 100 و150 دولاراً أمريكياً لكل مندوب خاصة في دائرة الجنوب الثالثة والبقاع الغربي.
ويؤكد الناشط أنّ كل هذه الممارسات تهدّد نزاهة وديمقراطية العملية الانتخابية، ويزيد القلق على شفافيتها وحسن سيرها، ويشدّد على أن المواطن اللبناني يجب أن يكون واعياً، وعلى قدر المسؤولية في هذا الاستحقاق، ولا يسمح لهذه الطبقة الفاسدة أن تستميله عَبْر المساعدات والأموال، مشيراً إلى أنّ هذه الطبقة هي نفسها التي أوصلت البلد إلى كل هذه الأزمات، ولا بد للاستحقاق الانتخابي أن يكون بداية التغيير الذي يطمح له اللبنانيون، والذي خرجوا من أجله في السابع عشر من تشرين الأول من عام 2019.