نداء بوست- محمد جميل خضر
عبثية الحروب التي قامت أمريكا ووحّدت الولايات على أساس خوضها والانتصار فيها، واختيار لحظات يمكن أن تنهزم أمريكا خلال خوضها لتلك الحروب، أو ينهزم بالأحرى جنودها الموقنون أنهم يدافعون وهم يَقتلون ويُقتلون عن الأمة، هي الثيمة الأكثر وضوحاً في الفيلم الأمريكي الروائي الطويل Foxhole “الثعلب”.
يقول راوي الفيلم في مستهلّه: “يبدو أن امتياز الخدمة يتلاشى، ما يبقى في الروح ليس مجد القتال، بل الحرائق وموت الحياة بمختلف تجلياتها”.
ويقول: “لكل أهوال عواقبها. لا أرى منتصراً، لماذا علينا السقوط خدمة لقضية نبيلة”.
يريد الفيلم أن يقول لنا، إن أمريكا إمبراطورية قائمة على الحروب، وعليه أريد أن أستهدفها في أكثر ما تتباهى به، وفي كل مرّة، خمسة جنود، ينضاف إليهم في واحدة من حروبهم مجندة، يواجهون لحظات عصيبة تحبس الأنفاس قبل أن يقضوا جميعهم ولا يبقى منهم أحد، ولا تأتيهم نجدة مرتجاة، ولا تسمع أمّتهم أصواتهم وأنّات لحظاتهم الأخيرة قبل مفارقة الحياة وسط برك من الدماء. نهاية جعلها المخرج Jack Fessenden جاك فيسيندن، وهو نفسه مؤلف الفيلم، مشهداً أيقونياً مكرراً، يستهل به الفيلم لعدد من جنود الاتحاد يشكلون بطريقة تمددهم فوق أرض المعركة التي قضوا فيها جميعهم، وحولهم أسلحتهم التي تظهر شكل الأسلحة قبل قرن ونصف القرن من الزمان. مشهداً استهلاليّاً منحه فيسيندن ثواني إضافية كي يتركنا نرى ونتأمّل ونحضّر مجسّات تلقينا لِما يريد أن يقوله لنا في فيلمه القويّ رغم الحزن فيه، البليغ بحواراته، الموجع بمشاهد حروبه الثلاثة: الحرب الأهلية، الحرب العالمية الأولى والحرب على العراق. اللافت أن فيسيندن أبقى في الحروب الثلاثة على الممثلين أنفسهم، دون أن يغيّرهم، وكان قادراً على فعل ذلك، حتى ليكاد يلتبس الأمر، قليلًا، على من يشاهد دقائق الفيلم البالغة (95 دقيقة) والمنتج نهايات عام 2021، كما لو أنه يريد أن يقول لنا إن أجيال الحروب الأمريكية كما لو أنهم جيل واحد يواصل التكرر، تماماً كما شعارات الدولة العظمى تواصل التردد دون أن تترك أثراً يذكر. الجنود على الجبهتين ضحايا أطماع، أو طموحات، أو تطلعات قادة بلادهم، هم حطب هذي الأرض إلى أن تُطفأ النار.