نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
فاز الفيلم الوثائقي الأردني “قمر الحصّادين” للمخرجة الأردنية الشابة راما العياصرة، بالجائزة الأولى في منصة تقديم المشاريع في برنامج “وثائقيات أغورا” الخاص بمهرجان تسالونيكي للأفلام الوثائقية، الذي أُقيم الأيام الماضية في اليونان.
يتناول فيلم “قمر الحصّادين” بمنهجية وثائقية استقصائية قصة ناشطين أردنيين، يتصدون لمشروع كبير يسعون من خلاله إلى إعادة القمح البلدي إلى الواجهة لأهميته السياسية والثقافية والاقتصادية على مستوى المنطقة جميعها.
والفيلم من إنتاج مريم سليم وأسمهان بكيرات، وفكرة وبحث ربيع زريقات ولمى الخطيب.
وأعربت لجنة التحكيم عن أملها في أن الجائزة: “ستساعد بذور الفكرة على النمو لتصبح فيلماً وثائقياً جميلاً ومهماً”.
وكانت المخرجة راما عياصرة قد حصلت عام 2021، على منحة إنتاج من صندوق الأردن لدعم الأفلام التابع للهيئة الملكية للأفلام.
مشروع عياصرة الخاص بفيلم وثائقي حول العودة لزراعة القمح، نال الصيف الماضي، جائزة عينية (جائزة الفيلم الأول) من مهرجان عمان السينمائي الدولي في دورته الثانية.
والمعروف أن الأردن، وكثيراً من البلدان العربية، تراجعت زراعة القمح فيها على مدى العقود الماضية، وتراجع ما ارتبط بموسم حصاده من عادات وأجواء وآمال وافرة، وأحلام زفاف وخصب وحيوات. وهو التراجع الذي كشفت عوراته جميعها الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا، فبعض البلدان العربية لن تصمد إلا أشهراً قليلة، في حال طال أمد الحرب، وتوقفت روسيا ومعها أوكرانيا عن تصدير قمحهما. مصر، على سبيل المثال، تستورد 50% من قمحها من روسيا، و30% من أوكرانيا، أي بمعنى أن (أم الدنيا) تستورد من بلديْن فقط، 80% من حاجتها للقمح! ومَن يدري؟ فلربما الـ 20% الباقية تستوردها مصر من أمريكا.
وفي يوم من الأيام كانت كلمة سهل حوران تعني، أول ما تعني، القمح بسنابله التي على مد البصر، فما الذي جرى؟ ألم نسمع بالحكمة التي تقول: إن “السعادة مثل القمح ينبغي ألا نستهلكه إذا لم نساهم في إنتاجه”؟
يرتبط مفهوم (قمر الحصادين) بموروث شعبي تاريخي، لا ينحصر بمنطقة جغرافية بعينها، بل يمتد ليشمل مختلف بقاع الكوكب، عندما كان حصاد القمح، قبل آلاف السنين، يشكل عنوان خصب، وبذور حياة، ومفردات وجود.
ويرتبط موسم الحصاد، عادة، بعمل جماعي، وأغنيات، وأهازيج، وطقوس وعادات، مُزِجت خلال القرون مع المعتقدات الدينية والوجدانية، وأدبيات الأمم وتراثها غير المادي. و”قمر الحصادين” من هذه المعتقدات والعناوين التي ارتبطت بموسم حصاد القمح، وارتبط الموسم بها، إذ يُسمى البدر الأقرب لموعد الاعتدال الخريفي بـ “قمر الحصّادين”. أما لماذا قمر الحصادين؟ فلأن المُزارعين كانوا يعتمدون (وربما في بعض مناطق العالم حتى يومنا هذا) على إضاءة القمر لتمديد أوقات عملهم بعد ساعات مغيب الشمس.
وعادة ما يظهر “قمر الحصادين” في الخميس الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، من كل عام، مشكلاً فُرصة لمحبي التصوير.
ويتكرر ظهور قمر الحصادين مرة كُل عام بنفس التاريخ، وفي أحيان كثيرة، يقدم عن موعده السنوي المعتاد أسبوعاً أو أسبوعين (كما حدث عام 2021)، بحسب عوامل ومعطيات ومحددات كثيرة. وأتت هذه التسمية بسبب وقوعه في موسم الحصاد، وأن الفلاحين في مثل هذه الليالي يتمكنون من مواصلة حصد القمح؛ لأن ضوء القمر يكون قوياً ومديداً خلال هذه الليلة.
يُمكن رؤيته من أي مكان في العالم، شريطة صفاء الأجواء من السُّحُب والضباب والغُبار.
يُشرق قمر الحصادين أبكر ويغرب مُتأخراً بالمقارنة مع باقي أطوار البدر خلال العام، لذا فإنه يوفّر ساعات إضاءة إضافية. كما يتميز بقوة إضاءته.
يُعد قمر الحصّادين فُرصة لكافة مُحبي الطبيعة والأحداث الفلكيّة والتصوير الليلي، لالتقاط صور جميلة تحت إضاءة القمر ليلاً.
مهرجان ثيسالونيكي للأفلام الوثائقية هو مهرجان دولي للأفلام التسجيلية ومقاطع الفيديو يقام سنوياً في دولة اليونان. الهدف الرئيسي هو تقديم وتعزيز أهم الإنتاجات الوثائقية في جميع أنحاء العالم وإنشاء منتدى دولي للعروض التقديمية ومناقشة وسائل الإعلام الناشئة وتقنيات المعلومات. يتم تنظيم TDF تحت رعاية وزارة الثقافة اليونانية وبدعم من شبكة التلفزيون اليونانية (ERT)، ويديرها مهرجان سالونيك السينمائي الدولي. يشتمل البرنامج على: اختيار يوناني ودولي للإنتاج الحالي، واستعراضات سابقة، وسوق الوثائقيات، ومنتدى الترويج.
وثيسالونيكي (Thessaloniki) هو اسم الأخت غير الشقيقة لـ “الإسكندر المقدوني”. ومعناه: النصر في ثيساليا، أو نصر القوم الذين أتوا من البلاد التي كان أصلها ماء. وأما لماذا سُميت أخت الإسكندر بهذا الاسم، فلأن بشرى ولادة ثيسا لأبيها فيليب المقدوني، وصلت والدها فور انتصاره في معركة مهمة في إقليم ثيساليا وسط اليونان، فأمر بإطلاق هذا الاسم على مولودته الجديدة.
يقول المثل الألماني: “القمح والعمل الصالح لا ينبتان إلا في أرض طيبة”، فطيبي يا أرضنا العربية، وتناسلي يا أعمالنا الصالحة.