نداء بوست- سينما وتلفزيون-محمد جميل خضر
بنفسٍ كلاسيكيٍّ فاخر، يتحرك الفيلم الإنكليزيّ الروائي الطويل Downton Abbey: A New Era “دير داونتون: عصر جديد” تأليف سيمون كيرتس وإخراج جوليان فولويز.
ورغم أن الفيلم هو، بشكلٍ من الأشكال، متابعة لفيلم روائي طويل تلقّت فيه عائلة كراولي وموظفو داونتون زيارة ملكية من ملك وملكة بريطانيا العظمى، إلا أن الفيلم الجديد (2022)، مكتفٍ بدقائقه الـ (124) بذاته، تتصاعد مشاهده لتحكي عبر الصورة والموسيقى والأداء الإنكليزي الرزين الثقيل، حدوتة الفيلم الذي يعاين مآلات طبقة النبلاء، ويجوب الأسرار المتوارية خلف ستارة مخملية.
ما يسمى في الفيلم ديراً، هو في الواقع قصر مهيب، يعرض منتج أفلام استئجاره لتصوير فيلم صامت، وهي الحبكة الرئيسية الثانية داخل أحداث الفيلم، إضافة للحبكة الأكثر إثارة والمتعلقة بماضي سيدة القصر الجدة العجوز Isobel Merton إيزوبيل ميرتون (أدت دورها المخضرمة بينوبيل ويلتون Penelope Wilton)، التي يتبيّن أنها كانت قبل 60 عاماً من تاريخ أحداثه، على علاقة بماركيز فرنسي، أهداها، تعبيراً عن امتنانه لأسبوع قضاه معها، قصراً في الجنوب الفرنسي.
العائلة بأسرها، أبناء إيزوبيل وبناتها وأحفادها وحفيداتها يعيشون جميعهم في داونتون بطوابقه ومفرداته الفيكتورية القوطية العريقة، وغرفه الكثيرة، وقبو الخدم الذين يشكلون، في سردية الفيلم، حبكة موازية لها أحلامها وخصوصياتها وتطلعاتها وهمومها، وحتى اقتراحاتها التي يستمع إليها، أحياناً، سادة القصر.
فيلم مرح، مشبع بالأحداث، مزدحم بالشخصيات، ممتلئ بالزمن الذي اختاره (تدور أحداث الفيلم في عام 1928)، غير بخيل ببهارات الكوميديا الناعمة داخل حواراته ومواقفه. فيلم عن أسرار المرأة التي لا يعلم خزائنها إلا الرب في علاه. عن دهشة الأمكنة، وظلال الطبقية التي سكنت أوروبا زمناً طويلاً.
إلى ذلك، يرصد الفيلم التحوّل من السينما الصامتة إلى الناطقة، ويوجّه كاميرته نحو مفهوم النجومية، ويريدنا أن نصبر على حوارات الإنكليز عندما تخرج الكلمات حرفاً.. حرفاً.. بكامل امتلاء الشفاه بتلك الحروف، وبالقدر المهيب من الجزالة التي يريد الإنكليز أن نؤمن باحتفاظهم بها. عن الحب من غير موعد، والكياسة في غير موضعها. عن كبير الخدم الذي لا يريد ولا مرّة، أن يتريّث، ويعترف أنه لن يكون في يوم من الأيام واحداً من النبلاء.