فورين بوليسي: تمرد فاغنر يضعف نفوذ روسيا في سورية

فورين بوليسي: تمرد فاغنر يضعف نفوذ روسيا في سورية

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن التمرد الذي نفذه زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين ضد الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، سيضعف نفوذ روسيا في سورية.

وأكدت المجلة في تقرير ترجمه "نداء بوست" قيام الشرطة العسكرية الروسية باعتقال 4 من كبار قيادات فاغنر في سورية، ونقلتهم إلى مكان مغلق داخل قاعدة حميميم.

وقاعدة حميميم غربي سورية، تعتبر أكبر قواعد روسيا خارج أراضيها، ومنها تنطلق رحلات فاغنر نحو ليبيا والسودان ومالي إفريقيا الوسطى وفنزويلا.

كما أكدت المجلة، أن قيادات فاغنر في سورية، تلقوا إنذاراً إما بالتوقيع مع وزارة الدفاع الروسية، أو المغادرة إلى روسيا.

وعلى الرغم من ذلك، تقول المجلة: "بعد سنوات من الاستنزاف في صفوف وكلاء روسيا في سورية، تشكل فاغنر أحد المكونات الأساسية لما تبقى لحماية مصالح موسكو في البلاد، مما يمنح بريغوجين نفوذاً كبيراً من المرجح أن يؤخر التفكك المفاجئ لنفوذه".

ولدى فاغنر ما بين 1000 و2000 عنصر منتشرين في سورية، يعملون إلى جانب شبكة تضم أكثر من 10 آلاف متعاقد محلي، مهمتهم المساعدة في حراسة حقول النفط والغاز والفوسفات في البادية.

أهمية وجود فاغنر في سورية بالنسبة لروسيا

نظراً لأن روسيا هي واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم، فإن الإيرادات المحققة من الموارد الطبيعية في سورية لا تكاد تذكر بالنسبة للدولة الروسية.

ومع ذلك، بالنسبة للنظام السوري، فإنها مصدر أساسي وضروري للعملة الأجنبية، وسيطرة موسكو عليهم تمنحها نفوذاً يمكنها استخدامه لضمان عدم نكّث النظام السوري بالتزاماته الجيوستراتيجية تجاه الكرملين في أي سيناريو ما بعد الحرب.

وتشمل هذه الالتزامات الحفاظ على حق روسيا في استخدام قاعدة حميميم كمنصة انطلاق لعرض القوة في إفريقيا، والأهم من ذلك، رسو السفن ذات القدرات النووية في ميناء طرطوس السوري.

تعتبر السيطرة على ميناء طرطوس، أحد أعظم الإنجازات الجيوستراتيجية لموسكو منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث مكّن روسيا من نشر الردع النووي على طول الجناح الجنوبي لحلف الناتو.

وبغض النظر عما يقرره قادة فاغنر، فإن ضمان احتفاظ روسيا بنفوذها على سورية يعني تأمين ولاء الآلاف من المتعاقدين العسكريين السوريين الخاصين الذين يقودهم بريغوجين.

ومن المرجح أن تحقق الشركات الروسية مكاسب هائلة إذا تم رفع العقوبات عن النظام السوري، ومارس بوتين ضغوطاً على بشار الأسد لسنوات لضمان ذلك.

إيران والتوتر بين فاغنر وحميميم

إن أي توقف مؤقت أو تخفيض في الحوافز للمتعاقدين مع فاغنر في سورية، بسبب الارتباك في موسكو سيكون في صالح إيران خصم روسيا الرئيسي هناك، حيث يمكن أن تقدم طهران لهؤلاء المقاتلين أسلحة وأجور أفضل.

وعلى الرغم من الشراكة في دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، كانت روسيا وإيران على خلاف شديد في سورية منذ عام 2017.

كما أنه في عام 2018، دخل وكلائهما في اشتباكات عنيفة للسيطرة على احتياطيات الفوسفات السورية واستمروا في القتال على الأصول الاستراتيجية الأخرى.

وبحلول عام 2021، بدأت روسيا في قطع الدعم عن العديد من وكلائها في أجزاء من سورية لم تعد تعتبرها استراتيجية، وقد حول الكثير منهم ولائهم لإيران طمعاً بالرواتب الممنوحة لهم، وتسارعت هذه العملية بعد غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022.

ويرى مراقبون أن التطبيع السريع بين نظام الأسد والجامعة العربية هو بحد ذاته استراتيجية الملاذ الأخير من قبل السعودية والإمارات والأردن لاحتواء إيران بعد التوصل إلى قناعة بأن روسيا لا تمتلك الوسائل للقيام بذلك.

وفي الوقت الحالي، كان عناصر فاغنر وشبكة المجندين المحليين المنتشرين في مواقع النفط والغاز في سورية، أحد المكونات الأساسية لما تبقى من الوجود الروسي.

وبدعم جزئي من إيرادات تلك الحقول والمواقع، أثبتت فاغنر حتى الآن مقاومة إلى حد كبير لمبادرات إيران.

وإذا فقدت روسيا ولاء فاغنر والمرتزقة السوريين المجندين معها، فلن تكون قادرة على الاستمرار في إجبار الأسد على السماح للكرملين باستخدام الأراضي السورية لتهديد الناتو والتوسع في إفريقيا.

إيران واستمالة مرتزقة روسيا في سورية

قالت المجلة إنه في حال سقوط فاغنر، قد يتبع المتعاقدون السوريون مع بريغوجين نفس المسار الذي اتبعه العديد من وكلاء الروس سابقاً.

وكمثال على ذلك، ما جرى في نيسان/ إبريل عام 2021، حين تجاهلت روسيا طلب الدعم من ميليشيا الدفاع الوطني التي دخلت في اشتباكات مع "قسد" في القامشلي شمال شرقي سورية.

وبعد هزيمة الدفاع الوطني وطردها من مواقعها، فتحت الميليشيا أبوابها أمام إيران، التي نقلت كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الثقيلة وقدمت الرواتب لعناصر الميليشيا.

كما أن اللواء الثامن كان في يوم من الأيام أكثر الوحدات ولاءً لروسيا داخل قوات النظام جنوب سورية.

ومع ذلك، بحلول أواخر عام 2021، فشلت موسكو في إرسال قوات كافية من اللواء لمحاربة تنظيم داعش في البادية، ورداً على ذلك قامت بتخفيض رواتب عناصره إلى النصف.

وبحلول عام 2022، توقف الاتصال بين اللواء الثامن وروسيا تماماً، والآن بات اللواء يعمل تحت رعاية المخابرات العسكرية، أحد أقوى أذرع إيران في سورية، والمسؤول الأول عن تجارة المخدرات إلى جانب "حزب الله".

وبالمثل، في تموز/ يوليو عام 2022، انفصلت ميليشيا الدفاع الوطني شرق دير الزور بقيادة حسن الغضبان عن روسيا بعد أن أخفقت الأخيرة في دفع رواتبها لمدة ستة أشهر.

وبعد فترة وجيزة اندمجت المجموعة مع الفرقة الرابعة المدعومة من إيران، والتي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، الذي يتربع على عرش تجارة المخدرات في سورية.

مرتزقة روسيا في سورية

في عام 2018، شنت روسيا حملة لإصلاح جيش النظام السوري المتهالك، والتي كانت موسكو تأمل في الشراكة معه باعتباره الحليف الرئيسي لها في سيناريو ما بعد الحرب.

تمت ترقية الجنرالات الذين يتحدثون الروسية، وتسريح المئات من كبار الضباط، كما قامت بمصادرة أسلحة وبطاقات عسكرية من الميليشيات المدعومة من إيران.

أثار ذلك موجة من العنف ضد القوات الروسية ووكلائها، من قبل الميليشيات المدعومة من إيران التي رفضت نزع سلاحها، وسرعت بدلاً من ذلك من تسللها إلى مؤسسات النظام السوري.

وبحلول عام 2020، استسلمت روسيا، مقيدة بالانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا، وفشلها في تحقيق أي مظهر من مظاهر النظام في سورية، وقررت تقليص جهودها في الجيش، وبناء شبكة خاصة من المتعاقدين العسكريين، لبناء قوة غير نظامية تدين بالولاء لها.

وتسارعت وتيرة هذا التحول بعد المعارك التي دارت مع الجيش التركي في إدلب وفي ليبيا بين عامي 2019 و2020.

وحينها جندت فاغنر آلاف المرتزقة السوريين من خلال أكثر من 13 شركة أمنية خاصة للقتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر، ضد الحكومة الشرعية المدعومة من تركيا.

وخلال القتال في ليبيا، سيطرت فاغنر على حقلين نفطيين كبيرين ومنشآت تصدير ومجمع بتروكيماويات.

وخلال الفترة نفسها، شاركت الميليشيات المدعومة من فاغنر في الصراع الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا في إدلب، ما أدى إلى مكاسب إقليمية كبيرة لنظام الأسد.

روسيا تعيد حساباتها

بعد تلك الحملات، اضطرت روسيا إلى التعبئة مرة أخرى، هذه المرة ضد "داعش" في وسط سورية.

ومنذ آب/ أغسطس 2020 إلى آذار/ مارس2021، شن التنظيم عشرات الهجمات في البادية تركزت غالبيتها حول حقول الغاز والنفط.

وشكلت هجمات داعش تهديداً مباشراً لمصالح روسيا الأساسية، كما استنفدت موسكو جميع الخيارات رداً على ذلك.

كم تم إحياء عمل المتعاقدين الذين اعتادوا على تجنيد السوريين للقتال في ليبيا في جميع أنحاء البلاد.

وجرى تدريب المجندين في السقيلبية بريف حماة، وهي بلدة مسيحية أرثوذكسية كبيرة، حيث جندت روسيا أكثر المرتزقة ولاءً لها.

كما أصدرت وزارة الدفاع الروسية إنذاراً نهائياً للوحدات الموالية لها داخل قوات النظام السوري، وخيرتها بين إرسال مقاتلين إلى البادية، أو توقف الرواتب.

إيران تتحين الفرصة

يعد الحفاظ على هذه الشبكة من المرتزقة التي يجري العمل على تكوينها منذ عام 2020 أمراً أساسياً لضمان التشغيل السلس لاحتياطيات الطاقة والفوسفات في سورية، والتي أصبحت منذ ذلك الحين الأولوية الرئيسية لروسيا.

في غضون ذلك، انتهزت إيران الفرصة لتقويض الواجهة المتعثرة لموسكو والتقاط الوكلاء السابقين الذين لم يعد بإمكان الكرملين تحمل رعايتهم.

كما أشارت المجلة إلى أن المرتزقة السوريين الذين جندتهم فاغنر، قد يجدون أنفسهم مضطرين لاتخاذ خطوات قد لا ترضى موسكو.

فعلى سبيل المثال، أن أحد قادة فاغنر الأربعة الذين تم اعتقالهم كان يقيم في السقيلبية، وفي حال استمرار اعتقاله، قد يجد مرتزقة البلدة أنفسهم على الطرف المتلقي لعروض إيرانية مغرية.

ويعزز ذلك أن إيران قد تكون قريباً في وضع أفضل لتقديم مثل هذه العروض. فبعد أشهر من المفاوضات الهادئة، استأنفت الولايات المتحدة في أواخر حزيران/ يونيو المحادثات غير المباشرة مع طهران لاستكشاف إعادة إطلاق الاتفاق النووي أو استبداله باتفاق مؤقت.

وكإجراء لحسن النية، وافقت الولايات المتحدة على إلغاء تجميد وإعفاء 2.7 مليار دولار من ديون العراق للبنوك الإيرانية.

كما طلبت طهران الإفراج عن 7 مليارات من ديون كوريا الجنوبية المجمدة بسبب العقوبات، وعرضت إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين لديها مقابل ذلك.

ومع ذلك، فإن الموقف الضعيف الحالي لروسيا قد يؤخر أي خطوات صاخبة لكبح موقف بريغوجين في سورية.

إن السماح لبريغوجين بمواصلة جني ثروة في سورية، هو ثمن ضئيل يجب دفعه لضمان بقاء وجود روسيا على البحر المتوسط سليماً.

وإذا فعل الكرملين العكس، فإنه يخاطر بخلق فجوة سيتدخل وكلاء إيران لاستغلالها.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد