المصدر: فورين أفيرز
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: كريستوفر الخوري
عندما تولّى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية منفصلة عن الواقع، فقررت إدارة بايدن إعادة ضبط أهداف الولايات المتحدة، من خلال إلغاء الفكرة المحفوفة بالمخاطر من الناحية القانونية لتأمين منشآت النفط السورية وكذلك إلغاء الرغبة غير العملية في طرد جميع الميليشيات الإيرانية من دولة تربطها بإيران علاقات راسخة.
وقد قرر فريق الرئيس الأمريكي أن الوقت قد حان لإعادة تركيز جهود الولايات المتحدة على المهمة الأصلية وهي هزيمة تنظيم “داعش”.
فأشار فريق الرئيس، أولاً بشكل خاص مع وفد رفيع المستوى إلى سورية في أيار/ مايو من عام 2021، ثم علناً مع تصريحات غير رسمية للصحافة في شهر تموز/ يوليو من العام ذاته، إلى أن الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري محدود يبلغ قرابة 900 جندي في سورية واستئناف تقديم المساعدة الهادفة لتحقيق الاستقرار لاستعادة الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء، في المناطق التي تسيطر عليها القوات المدعومة من الولايات المتحدة.
كانت الخطة هي القيام بذلك حتى تصبح الظروف أكثر ملاءمة لتسوية سياسية تفاوضية للحرب السورية.
كان هذا التعديل مدفوعاً بالاعتراف بأنه على الرغم من سيطرة القوات المدعومة من الولايات المتحدة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، إلّا أن النفوذ السياسي والدبلوماسي للولايات المتحدة لا يزال محدوداً بالإضافة إلى أن الخيارات البديلة سيئة بشكل كبير.
حيث إن استثمار المزيد من الموارد المالية والعسكرية بشكل كبير على أمل تأمين نتيجة سياسية غير محددة من غير المرجح أن تتغلب على التحدّي الأساسي في سورية – وهو ادّعاء نظام بشار الأسد أنه قد انتصر في الحرب – وهو الأمر غير المستحسن من الناحية الإستراتيجية وغير القابل للاستثمار من الناحية السياسية.
ولكن مع ذلك، فإن قرار سحب القوات الأمريكية من سورية بعد وقت قصير من الانسحاب من أفغانستان سيكون مكلفاً سياسياً ويزيد من زعزعة الثقة الإقليمية في التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
ولكن الوضع الراهن له مخاطر مرافقة إذ إن ساحة المعركة في سورية معقدة، حيث تنشط القوات الروسية والأمريكية على مسافات قريبة وتزداد قرباً بشكل متزايد.
وفي الوقت نفسه، كان هناك ارتفاع كبير في هجمات الميليشيات المدعومة من إيران والتي تستهدف المواقع الأمريكية وتهديد متجدد بتوغل عسكري تركي موجه ضد قسد المدعومة من الولايات المتحدة.
بالنظر إلى كل هذا، تحتاج إدارة بايدن إلى معالجة هذه الأسئلة: هل استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سورية ضروري، وهل هو مُجدٍ؟
يبدو أن إدارة بايدن لا تزال تأمل في أن الظروف ستتغير أو تتحسن وأن تسوية تفاوضية أفضل أو أن مخرجاً ما سيجعل الأمور أوضح للتمكّن من إيجاد حلّ للمسألة السورية.
إلا أنه مع ذلك، فإن كل يوم يمر يزيد من المخاطر التي تتعرض لها القوات الأمريكية ويُضعِف -لا يقوّي- الموقف التفاوضي للولايات المتحدة فيما يتعلق بما يمكن الحصول عليه من الأسد وروسيا مقابل رحيل الولايات المتحدة.
وبدلاً من الانزلاق في الفوضى، يجب على الولايات المتحدة التركيز على التفاوض على خروج يؤمّن، في أسرع وقت ممكن، مصلحتها الأساسية في سورية وهي تأمين وصول الولايات المتحدة إلى المجال الجوي السوري وسلامة السوريين الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية لهزيمة داعش.
لقد تغير أيضاً مكان حدوث النشاط العسكري الأمريكي، حيث تحوّل إلى الأماكن التي تقل فيها عيون وآذان الولايات المتحدة على الأرض. فبدلاً من التمركز في شمال شرق سورية، حيث تتمركز القوات الأمريكية، تجري عمليات ضد أهداف عالية القيمة لداعش في إدلب ومناطق أخرى تخضع لسيطرة عناصر مختلفة من الفصائل السورية.
فقد قُتل اثنان من قادة تنظيم داعش في محافظة إدلب: أبو بكر البغدادي في عام 2019 وخلفه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في عام 2022.
وفي حزيران/ يونيو، ألقت القوات الأمريكية القبض على صانع قنابل للتنظيم في قرية في حلب يسيطر عليها الجيش الوطني.
وفي الشهر التالي، قتلت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار هدفاً آخر وهو قائد رفيع المستوى لداعش في مكان قريب. كما استهدفت غارة أمريكية الأسبوع الماضي عناصر داعش في قرية يسيطر عليها النظام السوري.
ويشير التحوّل في بؤرة القتال ضد تنظيم داعش إلى أن القوات الأمريكية لا تزال قادرة على أسر أو قتل عناصر التنظيم رفيعي المستوى في أجزاء من سورية حيث ليس هناك وجود للقوات الأمريكية على الأرض. ويجب أن يأتي ذلك كخبر مرحب به فقد يكون الوجود على الأرض مفيداً، لكنه ليس ضرورياً لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
المهمة القديمة
لقد أصبحت سورية بيئة خطرة بشكل متزايد للعمل فيها، لكن داعش ليس مسؤولاً في المقام الأول عن تصاعُد العنف. فقد ارتفعت الأحداث العنيفة في سورية – مثل القصف وهجمات المدفعية – بأكثر من 20 في المائة هذا العام، وفقاً لمشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح، وهو مشروع غير ربحي لجمع البيانات وتحليلها ورسم خرائط الأزمات حيث يقول إن معظم أعمال العنف ترتكبها جهات حكومية، بما في ذلك نظام الأسد. وعلى النقيض من ذلك، فإن نشاط داعش يسير في مسار تنازلي، وفقاً لآخِر تقرير صادر عن المفتش العامّ بوزارة الدفاع الأمريكية. فقد تبنّى تنظيم داعش 201 هجوم في الفترة ما بين 1 نيسان/ إبريل و 30 حزيران/ يونيو، بانخفاض أكثر من 60 في المائة على أساس سنوي. وعلى الرغم من أن داعش لا يزال يمثل تهديداً مستمراً في العراق وسورية، إلا أنه غير قادر إلى حدّ كبير على إجراء عمليات هجومية مُنسّقة في هذين البلدين أو التخطيط لهجمات وتوجيهها في الخارج.
وهذا يعني أن نشاط ما يقرب من 900 جندي أمريكي يتمركزون في سورية قد انخفض أيضاً بشكل كبير. ولا تزال القوات الأمريكية تقدم الدعم التمكيني، وعلى الأخص قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والخدمات اللوجستية، للميليشيات المتحالفة معها، بما في ذلك قسد التي يقودها الأكراد. وفي شهر كانون الثاني/يناير، كان الدعم العسكري الأمريكي محورياً في مساعدة قسد على تأمين سجن في الحسكة، بعد أن شنّ تنظيم داعش هجوماً لتحرير عناصره المحتجزين هناك.
وقتل في المعركة أكثر من 500 شخص بينهم 121 مقاتلاً من قسد.
ولكن بشكل عامّ، لا تقوم القوات الأمريكية بتنفيذ العديد من المهام المشتركة مع قسد، فقد كانت هناك عمليتان فقط تقاتل فيهما قسد والقوات الأمريكية جنباً إلى جنب حتى الآن هذا العام، وفقاً لتقارير عامة صادرة عن وزارة الدفاع وقوات سورية الديمقراطية.
حقل ألغام جيوسياسي
حتى مع انخفاض عنف داعش، تتزايد المخاطر على القوات الأمريكية. حيث يأتي بعض تلك المخاطر من العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي عرّضت للخطر ما كان في السابق خط اتصال احترافي نسبياً بين القوات الأمريكية والروسية العاملة في سورية.
ومنذ غزو أوكرانيا، انخرطت الطائرات الروسية في سلسلة من الأعمال الخطيرة. ففي شهر حزيران/ يونيو، على سبيل المثال، استهدفت الطائرات الروسية بشكل مباشر جيش مغاوير الثورة، وهي جماعة معارضة مدعومة من الولايات المتحدة.
تتمركز المجموعة بالقرب من ثكنة التنف، وهي قاعدة عسكرية أمريكية، داخل “منطقة فكّ اشتباك” كانت روسيا تحترمها ذات يوم على أنها محظورة.
وقد ورد أن روسيا أعطت القوات الأمريكية إشعاراً لمدة 30 دقيقة فقط قبل انتهاك المنطقة. ويزيد مثل هذا السلوك من خطر نشوب صراع مباشر غير مقصود بين الولايات المتحدة وروسيا.
إن الحرب في أوكرانيا لها تأثير خبيث آخر فبينما تقوم روسيا بتحويل الموارد إلى حربها مع جارتها في أوروبا الشرقية، تملأ إيران الفراغ في سورية، حيث أصبحت أكثر نفوذاً وأقلّ خوفاً من المخاطرة.
وتهدد الميليشيات المدعومة من إيران بشكل متزايد العمليات الأمريكية بنيران مباشرة وغير مباشرة، حيث شنّت ما لا يقلّ عن 19 هجوماً صاروخياً وطائرات مُسيّرة على مواقع أمريكية في العراق وسورية هذا العام حتى الآن. وفي شهر آب/ أغسطس، بعد أن نفّذت الميليشيات المدعومة من إيران هجوماً مُنسقاً بطائرة بدون طيار ونيران غير مباشرة على موقعين عسكريين أمريكيين منفصلين، ردّت الولايات المتحدة بضربات مُركّزة على تسعة مواقع للميليشيات الشيعية غير المأهولة، بما في ذلك مخابئ الأسلحة ونقاط التفتيش – مما أدى إلى المزيد من الهجمات المضادة من قِبل الميليشيات المدعومة من إيران.
ومع استمرار تعثُّر المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، فمن المرجح أن تستخدم إيران ميليشياتها في سورية لممارسة ضغط إضافي على الولايات المتحدة في محاولة لتحقيق أهداف من خلال ساحة المعركة لا يمكن تحقيقها عن طريق الوسائل التفاوضية.
وتزيد تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي وحليف الولايات المتحدة، من الضغط على قسد المدعومة من الولايات المتحدة. فلقد هدّد رئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، بتجديد العمليات العسكرية لتحقيق هدفه الطويل الأمد المتمثل في إنشاء منطقة عازلة بطول 19 ميلاً في سورية لتأمين الحدود التركية وتمكين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا من العودة إلى ديارهم.
وقد خاضت تركيا حرباً استمرت عقوداً ضد حزب العُمّال الكردستاني (PKK) في جنوب شرق تركيا وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) امتداداً مباشراً لحزب العمال الكردستاني.
وفي مقابل ذلك، صنّفت الولايات المتحدة حزب العُمّال الكردستاني على أنه منظمة إرهابية أجنبية لكنها عملت عن قُرب مع وحدات حماية الشعب في سورية في محاربة داعش – في الواقع، كثيراً ما يُشار إلى وحدات حماية الشعب على أنها “العمود الفقري” لقسد من قِبل المسؤولين الأمريكيين.
ومنذ أن أجرت إيران وروسيا وتركيا محادثات ثلاثية في شهر حزيران/ يونيو، قامت تركيا بتوسيع نطاق استخدامها للطائرات بدون طيار والمدفعية والضربات الجوية في المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا، مستهدفة شركاء الولايات المتحدة.
كما نفّذت تركيا ما لا يقل عن 56 غارة بطائرات بدون طيار حتى الآن هذا العام، مما أسفر عن مقتل حوالَيْ 50 من مقاتلي قسد، بما في ذلك عناصر من خارج وحدات حماية الشعب.
وقد دفعت الزيادة في النشاط منذ المحادثات الثلاثية قيادة قسد إلى التأسُّف علناً من أن روسيا أعطت الضوء الأخضر للنشاط الجوي التركي المتزايد وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة وروسيا لعدم إيقافه.
وتزيد تصرفات تركيا من إضعاف الموقف الأمريكي في شمال شرق سورية لأنها تُجبر قسد على طلب الدعم من روسيا ونظام الأسد لمواجهة الهجمات التركية. وفي وقت سابق من هذا العام، سهّلت قسد نشر المزيد من قوات النظام السوري في الأراضي التي تسيطر عليها لإحباط التوغل التركي. ومن المُرجّح أن يزداد الوضع سوءاً قبل الانتخابات التركية عام 2023، مع احتمال استعداد أردوغان لتفادي أي هزيمة انتخابية.
إن ما هو أسوأ من كل ذلك هو أن سيطرة قسد على الأراضي تضعف بشكل متزايد. فقد أدت جائحة “كوفيد -19” والتضخم العالمي إلى تقويض الوضع الاقتصادي والصحي المُتردِّي أصلاً في شمال شرق سورية فقد بدأ مرض الكوليرا بالتفشّي في المنطقة، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 2000 حالة مُشتبَه بها منذ 10 أيلول/ سبتمبر وعشر حالات وفاة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقوم بدورها لدعم السوريين الأكثر احتياجاً، حيث تقدم 1.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية في سورية في عام 2022 وحده، إلا أنها لا تستطيع فعل الكثير.
وقد جمّدت إدارة ترامب المساعدات الإنسانية لسورية في آذار / مارس 2018، حيث كانت تُفكّر في انسحاب محتمل وسعت إلى الحصول على مساهمات إضافية من شركاء أجانب، وقامت إدارة بايدن بإلغاء تجميد المساعدات بحكمة. لكن حجم التمويل يتضاءل مقارنة بالحاجة المطلوبة.
كما لم تعتزم الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف ضد داعش تقديم مساعدات إعادة الإعمار أو إعادة بناء المناطق المتضررة من الحرب في سورية. وبدلاً من ذلك، كان الهدف هو استعادة الأراضي من داعش وتقديم الخدمات الأساسية بسرعة وإصلاح البِنْية التحتية الرئيسية حتى يمكن استئناف الحياة الأساسية. ومنذ عام 2011، قدّمت الولايات المتحدة أكثر من 1.3 مليار دولار كمساعدات لتحقيق الاستقرار لهذه الغاية. ولكن الحقائق تقول إنه بدون مزيد من الأموال من الغرب، فإن قوات سورية الديمقراطية تفتقر إلى الموارد اللازمة للحكم بفعالية. وعلى الرغم من أن “قسد” تستثمر عائدات النفط – بشكل أساسي من النفط الذي تبيعه لنظام الأسد – في رواتب الإدارة المحلية، إلا أنه لا توجد ببساطة عائدات كافية للحفاظ على الخدمات الإدارية والاجتماعية، ناهيك عن إعادة بناء المناطق المتضررة من الحرب بشكل كامل.
ويزعم المسؤولون المحليون أن 30 في المائة على الأقل من الرقة لا تزال مدمرة بعد أكثر من ثلاث سنوات من انتهاء العمليات القتالية الرئيسية هناك. ومعدل البطالة، وخاصة بين الشباب، مرتفع بشكل كبير. ونتيجة لذلك، يشعر السكان المحليون بالإهمال والتهميش، مما يؤدي إلى نزوح أولئك الذين يستطيعون تحمُّل التكاليف التي يدفعونها للمهربين، أما بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الفرار، فإن فرص تجنيدهم تتزايد لقتال داعش.
توجُّه نحو إيجاد مخارج
لا يزال تنظيم داعش يمثل تهديداً مستمراً، ولكن على عكس الفترة من 2015 إلى 2019، عندما سيطر التنظيم على أجزاء كبيرة من سورية والعراق، لم يَعُدْ لديه ملاذ آمِن حيث يمكنه التخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية تستهدف الغرب. هذا يعني أن القوات الأمريكية قد أنجزت مهمتها الأصلية. وبذلك يمكن احتواء تهديد داعش الذي لا يزال قائماً حتى اليوم دون تعريض القوات الأمريكية للأذى. وينبغي على الجيش الأمريكي أن يواصل استهداف عناصر تنظيم داعش رفيعي المستوى بطائرات بدون طيار وغارات جوية بالإضافة إلى المداهمات لمواصلة الضغط المستمر لمكافحة الإرهاب على ما تبقى من التنظيم. فلقد أثبت هذا النموذج فعاليته بالفعل في مناطق من سورية حيث لم تكن القوات الأمريكية موجودة فعلياً خلال السنوات العديدة الماضية. ومن العوامل الأساسية لهذا النهج أيضاً الانسحاب بشكل ودي بما يكفي للحفاظ على العلاقات مع شركائها السوريين حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في استخدام المعلومات الاستخباراتية بمساعدة مصادر بشرية وتأمين الوصول إلى المجال الجوي السوري.
وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية الحالية، فإن رحيل الولايات المتحدة القليل التنسيق مع روسيا هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف.
إذا غادرت القوات الأمريكية بطريقة غير منسقة، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون عملية عسكرية تركية لتحقيق أهداف أردوغان المعلنة – وهو تدخُّل من المرجح جداً أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بعلاقات الولايات المتحدة مع قسد بشكل لا يمكن إصلاحه. وفي الوقت نفسه، فإن نظام الأسد غير قادر عسكرياً على السيطرة على جميع الأراضي الخاضعة حالياً لسيطرة قسد.
فإذا غادرت القوات الأمريكية غداً من خلال تسوية تفاوضية مع روسيا، فإن وجود النظام الشكلي، وليس سيطرة فعلية واسعة النطاق، هو النتيجة الأكثر ترجيحاً في المناطق التي كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة من قبل. لكن حتى هذا لا يزال يشكل مخاطر جسيمة لشركاء الولايات المتحدة الذين ستتركهم؛ لأن نظام الأسد قد يحتجز أو يقتل أعضاء بارزين في قسد لإضعاف نفوذ الولايات المتحدة في المناطق التي ستكون بعد ذلك تحت سيطرة النظام.
ويجب على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها للحدّ من فظائع النظام السوري من خلال الضغط الدبلوماسي والاقتصادي. كما يجب على الولايات المتحدة أن تدعو الشركاء العرب السُّنة في المنطقة – على سبيل المثال، الإمارات العربية المتحدة – الذين يقومون بتطبيع العلاقات مع الأسد أن يفعلوا الشيء نفسه للضغط على النظام.
ولحسن الحظ، أثبت الإسرائيليون أن تأمين الوصول إلى المجال الجوي السوري ممكن بالفعل من خلال مزيج من الدبلوماسية مع روسيا، التي تسيطر على أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدُّماً في سورية، والقوة الهائلة ضد نظام الأسد إذا تعرضت الطائرات الإسرائيلية للتهديد.
إن الانسحاب الأمريكي المنسق بشكل غير مُحكم من شأنه أن يُحسّن بشكل كبير من احتمالية التوصّل إلى اتفاق دبلوماسي بشأن الوصول إلى المجال الجوي السوري، وستحتفظ الولايات المتحدة بالحق الطبيعي في الدفاع عن النفس إذا تعرضت للتهديد من قِبل قوات النظام أثناء القيام بضربات ضد داعش.
وفي النهاية لا بُدّ من القول: إنه وبعد ما يقرب من سبع سنوات من وصول أول جندي أمريكي إلى سورية، فقد حان الوقت لواشنطن لسحب قواتها فلم يَعُدِ الوجود العسكري الأمريكي في سورية نقطةَ قوّةٍ إستراتيجياً؛ بل هي نقطةُ ضَعْفٍ.