لا ينبغي أن يكون قراراً صعباً لإدارة بايدن: تكبيدُ اقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خسائر فادحة تؤدي به إلى الاندثار أو المراهنة بآلاف الأرواح الأوكرانية ممن هم على المحك على أمل أن تتمكن المنتجات النفطية والغاز الروسي من إصلاح أسعار الوقود المرتفعة.
لسوء الحظ بالنسبة لأولئك الذين يتحملون عبء نزوة بوتين الإجرامية، فقد فشل فريق بايدن في العمل على القوّة المحرّكة الاقتصادية وهي التي تُعزز طموحات بوتين قبل أن يُصعّد إلى حرب مدمّرة.
لقد تأخَّر الوقت على قطع شريان الحياة عن الأحفوريات في روسيا.
فبعد سنوات من الاستئثار بأقل من 0.5٪ من واردات الولايات المتحدة السنوية من النفط والمنتجات المُكررة، زادت روسيا حصّتها بثبات على مدى العقد الماضي، لتصل إلى أكثر من 7٪، متجاوزة المملكة العربية السعودية كثالث أكبر مُصدّر لأمريكا.
كانت الولايات المتحدة تستورد حوالَيْ 18 مليون برميل من النفط الروسي شهرياً، لملء الفراغ الناجم عن عقوبات فنزويلا لعام 2019. ,ويُعتبر البترول الروسي بديلاً جيداً للخام الفنزويلي، ومن المحتمل أن تقوّض روسيا الموردين المحتملين الآخرين.
قد يبدو هذا غير مهم في ظاهره، ولكن صادرات النفط والغاز الأحفوري والمرتبط بها تمثل حوالَيْ 45٪ إلى 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي الروسي. وعلى المرء أن يتساءل: إذا كان الأوروبيون الذين يستوردون نسباً أعلى بكثير من منتجات النفط الروسية يمكنهم الموافقة على تخفيضات جادّة، فلماذا لا تزال أمريكا تساعد في ضمان الحروب العسكرية الروسية والمغامرات العالمية؟
كان من السهل نسبياً استبدال النفط الروسي بمصادر أخرى حتى قبل بضعة أشهر. الآن تُركت الولايات المتحدة تلعب لعبة البوكر الديكتاتورية مع البلدان التي لم يكن يجب أن تكون جزءاً من هذه المعادلة.
كيف وصلنا إلى هنا؟ استخدمت إدارات أمريكية متعددة مستويات متفاوتة من العقاب ضد دول أخرى. يتم تمييز بعضهم بسبب الازدراء الدائم، والبعض الآخر، رغم أنه مذنب بارتكاب جرائم أكثر فظاعة ضد الإنسانية، لكنه بالكاد يتلقى صفعة بسيطة على يده. كانت روسيا، التي دأبت منذ فترة طويلة على ارتكاب الجرائم والقتل والدمار باستخدام أسلحة محظورة لتعظيم الألم والمعاناة، من بين الدول التي تتلقى صفعة على يدها.
فنزويلا، التي يديرها رجل يستخدم موارد النفط لتجويع وتعذيب مواطنيه، تلقت ألماً شديداً من خلال العقوبات في عام 2019. ثم تحوّل نيكولاس مادورو إلى الانضمام لهذا الثلاثي الآثِم المكوّن من روسيا والصين وإيران، وهي البلدان التي غالباً ما تكون جرائم مادورو باهتة مقارنة بجرائمهم، لإنقاذ إمبراطوريته النفطية.
ثم هناك إيران. بغض النظر عن خطاياها -القتل الجماعي للمدنيين السوريين، وتدمير لبنان من خلال ذراعها حزب الله، وتحويل اليمن إلى حمام دم لتثبيت نقطة، مع سجل حقوق الإنسان الذي يفوق الوصف- تمكنت إيران دائماً من تأمين طريق العودة إلى التمتّع بنعمة هؤلاء الحمقى.
يعمل فريق بايدن بشكل محموم في فيينا للتوصّل إلى اتفاق مع إيران وروسيا الداعمة لها. كما أنه يسعى جاهداً لإرسال مسؤولين إلى كاراكاس ليقولوا لمادورو: إن كل شيء يُغفر له إذا تخلى عن روسيا واستأنف بيع نفطه لأمريكا، والتي ستستأنف شراء نفطه بكل سرور.
قد يلاحظ الساخر موضوعاً: الشراكة مع الديكتاتوريين لسحق ديكتاتور أسوأ – والذين بدونهم، من قَبيل الصدفة، كانت إيران وفنزويلا أقلّ قوة في المقام الأول.
في غضون أيام قليلة، يود المشاركون في هذه المهزلة من المفاوضات في فيينا أن يعلنوا عن صفقة مع إيران. من المرجح أن تكون روسيا هي الضامن لأن إيران لديها بالفعل يورانيوم عالي التخصيب.
ليس من المبالغة التكهن بأن أحد المكونات الرئيسية للاتفاق سيكون التزام روسيا بضمان حيازتها أو مراقبتها لليورانيوم عالي التخصيب في إيران. قد يعلن المفاوضون حتى عن اتفاقية لحفظ ماء الوجه تحوّل فيها روسيا اليورانيوم عالي التخصيب إلى يورانيوم منخفض التخصيب لاستخدامه في المفاعلات التجارية.
دور أمريكي أو غربي ضئيل أو معدوم في مراقبة احتمال وجود اليورانيوم عالي التخصيب، مجرد كلمة طيبة ووعود جوفاء لروسيا وإيران. ليس من المستغرب، في مناورة أخرى في اللحظة الأخيرة، أن تبحث روسيا عن تخفيف العقوبات والضمانات كجزء من الصفقة.
الجزء الثاني من هذه الصفقة هو إزالة العقوبات عن إيران، يليها بعد فترة وجيزة تدفُّق النفط والغاز الإيراني في السوق العالمية، وهو أمر ضروري لبلد يتوق إلى العملة الصعبة.
وينص قانون أساسي للاقتصاد على أنه كلما زاد النفط في السوق، انخفضت الأسعار؛ حيث تراهن إدارة بايدن على أن النفط الإيراني والفنزويلي سيؤدي إلى تخفيف أزمة الوقود.
هذا هو السبب في أن فريق بايدن لم يتحرك على الفور لوقف استيراد الخام الروسي: صفقة إيران وفرضية مشكوك فيها اقتصادياً حول تأثير قطع الولايات المتحدة على أسواق النفط. وهذا هو السبب في أنها استجابت بالعناق اليدوي على كل طلب أوكراني حتى أُسقطت القنابل.
خشية أن يثير أي شخص شبح تغيير المناخ والحاجة إلى تسريع الانتقال من الأحفوريات، تشير الصفقات الجارية إلى أنه، بأعجوبة، يحدث تغير المناخ فقط في السماء فوق الولايات المتحدة وليس في أي مكان آخر.