تقدمت كل من ألبانيا والولايات المتحدة بمشروع قرار لمجلس الأمن يستنكر العدوان الروسي ضد أوكرانيا، وبعد مساجلات حادة بين الأعضاء تراوحت بين اتهام السفير الفرنسي لروسيا بأن “أحلام إعادة الإمبراطورية الروسية هي المحرك هنا” إلى اتهام المندوب الألباني روسيا بأنها “تقتل أناساً وتحاول أن تنهي حكومة منتخبة ديمقراطياً.
من جهته دافع المندوب الروسي عن بلاده قائلاً ” نحن لسنا في حالة حرب مع أوكرانيا ونقوم بعملية عسكرية خاصة ضد القوميين لحماية سكان دونباس ونزع السلاح الأوكراني”.
أدلى المندوبون بتصريحاتهم تلك التي تكون عادةً بعد عملية التصويت التي انتهت بموافقة أحد عشرَ عضواً على القرار وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت إلا أنّ استخدام روسيا الفيتو حال ذلك دون تمرير القرار.
رغم أن المادة 27 من الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة تنص على ” تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت” التي يتضح منها الفرق بين المسائل الإجرائية والمسائل الموضوعية، فهل خالفت روسيا بذلك ميثاق الأمم المتحدة؟
هيكلية مجلس الأمن وآلية التصويت فيه: يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً. الخمسة دائمي العضوية أو الخمسة الكِبار كما اصُطلح على تسميتهم، وعشرة أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة يكونون مساهمين في تحقيق مقاصد الأمم المتحدة المتمثلة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يراعى أيضاً التوزيع الجغرافي العادل.
(إذ اُتفق على منح أفريقيا ثلاثة مقاعد، وآسيا مقعدين، وأوروبا الغربية وغيرها مقعدين، وأمريكا اللاتينية مقعدين، وأوروبا الشرقية مقعد).
تتناوب الدول الأعضاء على رئاسة المجلس شهرياً حسب ترتيب الأحرف الأبجدية باللغة الإنكليزية.
يكون لكلِ دولة عضو فيه صوت واحد، ويحق للخمسة الدائمين دون باقي الأعضاء استخدام الفيتو، وقد استخدمته جميع الدول منذ تأسيس المجلس عام 1945 بمرات متفاوتة بين عضو وآخر.
يتم الاقتراع في مجلس الأمن على أي من الأمور، “فيما عدا مسائل الإجراءات الخاصة بسير العمل”، بموافقة تسعة أعضاء على الأقل منهم الأعضاء الخمسة الدائمون (ولكن يجب على العضو –كان أم غير دائم- دائماً أن يمتنع عن التصويت في النزاع المعروض على المجلس) أما مسائل الإجراءات فيُبت فيها بأغلبية تسعة أصوات لا فرق في ذلك بين أصوات الأعضاء الدائمين وغير الدائمين.
تجدر الإشارة هنا إلى أن امتناع العضو الدائم عن التصويت -كما فعلت الصين في تلك الجلسة- لا يعتبر استعمالاً من قبله لحق النقض، وبالتالي لا يحول دون صدور القرار المطروح على التصويت إذا توافرت له الأغلبية اللازمة.
على ماذا استندت روسيا باستخدامها للفيتو: ينبغي علينا قبل الحديث عن السند الروسي بالتصويت واستخدام الفيتو التفريق بين الإجراءات أو المسائل الإجرائية والموضوعية، وبعد ذلك التفريق بين الموقف و النزاع، خبراء القانون ومنهم المحامية مروة أبو العلا يشيرون إلى أن الميثاق الأممي لم يشير لمعايير واضحة لا لبسَ فيها للتفريق بين ما هو إجرائي وما هو موضوعي، ولا بين ما هو نزاع أو موقف، فإذا أشكلت مسألة ما فالمجلس وحده من يَبتُّ في توصيف وتكيف تلك المسألة، يجدر بنا هنا لفت النظر إلى أن المسألة الإجرائية تحتاج لتسعة أصوات من الكامل، عد أصوات المجلس دائمين كانوا أم مؤقتين، أما المسألة الموضوعية تحتاج حتى تُقر لتسعة أصوات من بينهم الخمسة الكَبار، أما الموقف و النزاع ففي الأول يحق لجميع أعضاء المجلس التصويت، أما في الثاني فلا يحق للعضو التصويت إذا كان طرفاً في النزاع، بالعودة للفيتو الروسي في معرض حديثنا، يمكن لأي كبير من الكِبار الخمسة، التمسك حين التصويت على كون المسألة إجرائية أم موضوعية استخدام الفيتو على كونها موضوعية، فتُقر بذلك على أنها موضوعية، فلو أُقرت على أنها إجرائية لاحتاج إقرارها لتسعة أصوات من المجلس كباراً كانوا أي دائمي العضوية أو حتى مؤقتين كما أشرنا آنفاً، فنجحت روسيا بذلك بإقرار أن المسألة موضوعية وليست إجرائية وبالتالي جاز لها استخدام الفيتو.
ورد كذلك في الفصل السادس المادة 34 ما نصه ” لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي “. ترى نسبة جيدة من خبراء القانون الدولي أن توصيف حدث ما على أنه موقف أو صراع من المسائل الموضوعية التي يشترط فيها وجود الخمسة الكِبار وبالتالي يحق لعضو ” كبير” استخدام الفيتو على العكس تماماً في حال أُقر أنها إجرائية.
هل ينهي الأمر عند مجلس الأمن: عند فشل مجلس الأمن في حل مسألة معروضة عليه يتوفر بديل يسمى ” الاتحاد من أجل السلام ” و هو قانون أقرته الجمعية العامة عام 1950 و ينص على “يجوز للجمعية العامة أن تعقد دورة استثنائية طارئة في خلال 24 ساعة، إذا بَدا أن هناك تهديداً للسلام أو خرقاً للسلام أو أن هناك عملاً من أعمال العدوان- ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب استخدام حق النقض من جانب عضو دائم – روسيا- حيث يمكنها أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين “.
استندت الدعوة للدورة الطارئة على القانون آنف الذكر، وبالفعل عُقدت دورة استثنائية للجمعية العامة حول الوضع في أوكرانيا، نتج عن الجلسة الطارئة تصويت حول قرار” يدين بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا ” يشار إلى أن اعتماد أي قرار خلال جلسة للجمعية العامة بحاجة لموافقة ثلي الأعضاء وفي تلك الجلسة صوت لصالحه 141 عضو.
يُشار كذلك إلى أنه منذ إقرار قانون “متحدون من أجل السلام” عُقدت تحت مظلته عشرُ جلسات والجلسة الخاصة بأوكرانيا كانت الحادية عشرة.
يختلف خبراء القانون الدولي حول إلزامية قرارات الجمعية العامة من عدمه، لكنهم يتفقون حول أن للقرارات قيمة معنوية كبيرة، ومستند قانوني وازن للدفاع عن قضية أقرت الجمعية العامة تصويتاً لصالحها.
بين سورية وأوكرانيا ومجلس الأمن والجمعية العامة: عند الحديث عن مجلس الأمن أمام أيّ سوري، يتبادر لذهنه سريعاً القرار 2254 القاضي بوقف إطلاق النار والبدء بعملية الانتقال السياسي، القرار الذي مر سبع سنوات على صدوره إذ صدر القرار عام2015.
يتبادر كذلك لذهنه بعد القرار ” الفيتوهات” الروسية التي حالت دون إلزام النظام السوري بتنفيذ أي قرارات، وإغراق القضية السورية بتفاصيل تُحيّد عن تنفيذ القرار آنف الذكر.
نجحت القوة الغربية بالدعوة لعقد قمة طارئة للجمعية العامة حول أوكرانية، نتج عنها إدانة للعدوان الروسي، في حين لم ينجح أصدقاء الشعب السوري اللذين زاد عددهم عن المئة يوماً ما في عقد جلسة للجمعية حول سورية، سورية التي يحكمها نظام محمي من قبل روسيا كانت من بين خمس دول فقط صوتت ضد قرار إدانة روسيا في جلسة الطارئة الأخيرة للجمعية العامة.
نجاح مجلس الأمن في حل العديد من المسائل المعروضة لا يقاس بعدد المرات التي لم ينجح بها حتى وإن صدرت عنه قرارات، والحالة السورية والقرار 2245 ليسا منا ببعيد.