المصدر: جيروزاليم بوست – مقال رأي
بقلم: مجدي حلبي
ترجمة: عبد الحميد فحام
على الرغم من تداخُل مصالحهما، إلا أنه من أجل إقامة علاقات جديدة، يجب على إسرائيل احترام مصالح المملكة العربية السعودية، بما في ذلك مبادرة السلام العربية.
وبصفته رئيس الوزراء المكلّف لإسرائيل، يسعى بنيامين نتنياهو إلى تعزيز العلاقات مع المملكة. ولكن من أجل القيام بذلك، عليه أن يحترم ما يحتاجه السعوديون لتحقيق السلام مع إسرائيل.
فكما ورد بالتفصيل في مبادرة السلام العربية المُقدمة في قمة جامعة الدول العربية عام 2002 في بيروت، أكدت المملكة العربية السعودية باستمرار أن السلام مع إسرائيل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توصُّل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حلّ الدولتين الذي يتضمن تبادُل الأراضي.
لا وجود لحلول سريعة للسلام
السعوديون لا يؤمنون بتقريب أو تسريع الحلّ (تدوير الزوايا لإيجاد حلّ سريع) فيما يتعلق بهذا الأمر. لا يرجع هذا إلى أي مودة تكنّها الرياض تجاه القيادة الفلسطينية – وهي التي لها تاريخ في البحث عن فرص للإضرار بالمملكة العربية السعودية وتقويض سمعتها دولياً، بل لأن السعوديين كان لهم دور فعّال في اقتراح مبادرة السلام العربية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى الاعتراف بـإسرائيل من قِبل الدول العربية وإقامة دولة فلسطينية.
لقد أوضحت السلطات السعودية لنتنياهو أنها ستكون على استعداد لتطبيع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل إذا ما توصّل الرجل إلى اتفاق مقبول للطرفين مع الجانب الفلسطيني من خلال مفاوضات جدّية وصادقة. لقد بدأ السعوديون، مع مرور الوقت، بدعم حلّ يعتبر مقبولاً للشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أوضحت المصادر أن نتنياهو وافق على إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح داخل أراضي عام 1967، مع تبادل الأراضي الصغيرة والحفاظ على الكتل الاستيطانية الإسرائيلية. ولكن لم يتم إنجاز هذه الاتفاقيات بعد بسبب الاضطرابات السياسية المستمرة في إسرائيل والتحوّل في التوجهات بعد توقيع إسرائيل على اتفاقية التطبيع المسماة “اتفاقيات إبراهام” مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وكذلك توقيع المعاهدات مع السودان والمغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، بقيادة وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، لم تتردد في موقفها من العلاقات مع إسرائيل. يأتي ذلك بعد أن أوقفت الحكومة السعودية اتصالاتها مع إسرائيل في جميع المجالات عندما وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد آنذاك، يوسي كوهين، إلى مدينة نيوم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 دون استشارة مسبقة، برفقة وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك مايك بومبيو.
وقد أكّد السعوديون في نقاشات خاصة على عدم رغبتهم في أن يقوم أي شخص بدور الوسيط بينهم وبين الإسرائيليين. كما أوضحوا أن مصالح البلدين متداخلة وأن إحياء التنسيق الأمني يعتمد فقط على استعداد إسرائيل لإحراز تقدُّم مع الفلسطينيين.
بين عامَيْ 2017 و2020، كان هناك اتفاق ضِمني بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، قدمت تل أبيب بموجبه المشورة للرياض بشأن حرب اليمن وغيرها من القضايا الأمنية ذات الصلة.
المملكة العربية السعودية بصدد القيام بالتحديث
شهدت المملكة العربية السعودية نفسها تغييرات داخلية كبيرة، بما في ذلك الانفتاح المتزايد على الغرب وتشجيع السياحة، فضلاً عن الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى دعم ريادة الأعمال المحلية وتوظيف السعوديين.
كما أن هناك آراء متباينة بشأن وتيرة التغيير السريعة التي ينفذها وليّ العهد الأمير محمد، حيث يزعم البعض أنها تسبب شرخاً داخل المجتمع السعودي التقليدي الذي يتمسك بالمنهج الوهابي. ويجادل آخرون بأن مثل هذه الإجراءات الصارمة ضرورية لتجاوز فترة الركود وبناء مجتمع حديث يقدّر الدين والثقافة، وتحديداً في منطقة الحجاز، التي تضمّ أقدس موقعين للمسلمين المتواجدين في جميع أنحاء العالم.
ولكن بالرغم من هذه الجهود التي يتم بذلها، إلا أن المملكة العربية السعودية لا تزال دولة مثيرة للجدل والانقسام، لا سيما بسبب تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية وانعدام الحريات السياسية. وقد واجهت البلاد انتقادات واسعة النطاق بسبب معاملتها للنساء والأقليات والمعارضين، فضلاً عن دورها في الصراع المستمر في اليمن. ولكن في مواجهة هذه التحدِّيات، تظلّ المملكة العربية السعودية لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط ولها تأثير كبير على السياسة الإقليمية. لذلك ستكون علاقتها بإسرائيل عاملاً مهماً في تشكيل مستقبل المنطقة.
يعمل وليّ العهد السعودي حالياً على تأمين منصبه والاستعداد لتولّيه العرش في نهاية المطاف، بينما يسعى أيضاً لتحسين العلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة. ويأمل أن تعترف الولايات المتحدة بمكانته وأن الجدل الدائر حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 في واشنطن بوست لن يعيق علاقتهما.
الشروط السعودية
يسعى السعوديون إلى توثيق العلاقات مع الصين، لكن لا ينظرون إلى ذلك على أنه يأتي على حساب علاقتهم مع الولايات المتحد، التي تُعتبر أهم حليف لهم. كما أنهم لا يُعلّقون آمالاً كبيرة على الأسلحة الصينية، التي يرون أنها على مستوى مماثل لتلك الموجودة في روسيا، ولا يتوقعون أي فائدة كبيرة تأتي من تعزيز علاقتهم مع الصين.
بالنسبة لنتنياهو ووعوده بالتطبيع مع السعودية، فمن المستحسن أن يركز أولاً على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين قبل محاولة الدخول في محادثات أو زيارات مع السعوديين. لقد توقفت جميع المحادثات والاتصالات السرّية السابقة، لذا فإن البدء من جديد مع الفلسطينيين سيكون مسار العمل المناسب.
وختاماً، في حين أنه قد تكون هناك إمكانية لتحسين العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فمن الأهمية بمكان أن يتفهم نتنياهو ويحترم الشروط التي حددتها القيادة السعودية. إنه من المرجح أن أي تقدُّم نحو التطبيع سيعتمد على حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتنفيذ مبادرة السلام العربية. ومن أجل المضيّ قُدُماً في ذلك، سيكون من الضروري أن ينخرط الطرفان في حوار صادق وبنّاء، مع مراعاة اهتمامات ومصالح جميع الأطراف المعنية.