نداء بوست -أخبار سورية- معاذ الناصر
لا تنمّ مشاهد الحزن "النفاقي" الظاهرة في تشييع جثمان "نقيب الفنانين السوريين " زهير رمضان، إلا عن مستوى الهبوط والانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه "فنانو" سورية، أو بالأحرى "فنانو النظام السوري"، مع الإدراك العميق بأنه ليس هناك بعد تأييد الظالم ما يعبر عن حقارة المستوى، ولكننا قد نأخذ بالاعتبار بعض التبريرات في حال صمت المبرر عنه.
لم يكن رمضان نقيبَ فنانين عادياً، إنما نقيب من نوع "غندايزر"، أضاف قيمة للنقابة بجعلها فرع أمن آخر، وسط زحمة الفروع والمخبرين، وبذات الوقت هو عسكري في خدمة النظام إن دعت الحاجة، ولا تفارقه البدلة العسكرية.
قد لا ننصف النقيب في حال اعتبرناه "شبيحاً"، فزهير "شبيحي" أكثر من "الشبيحة" وبشاري أكثر من بشار، ومخابراتي أكثر من المخابرات ذاتهم، وهو الدرع الواقي وحامي الفن من الأفكار الثورية التي تلوث العمق الفني، وتصنع انقلاباً مؤامراتياً على القيم المجتمعية الفاسدة.
وهذا ما يجعل المقاوم الفذ، لا يصلح للعب دور درامي يعبر عن هشاشة خُلقية، ويحطم نموذج الرجل "الصنديد" صاحب العصا والنظارة السوداء، إلا في حال كان العمل من النوع الهابط، كالذي ظهر فيه بمسلسل "يوماً ما"، عندما حاول أن يكون الوالد الودود للدور الذي لعبته جيني إسبر، على الرغم من أن هذه الطيبة لم تجرده من صفة ضابط شرطة، ولكنه ضابط شرطة شريف على خلاف ما يليق بزهير رمضان.
لم يجد النظام السوري نقيباً أفضل من زهير، ولا مدافعاً عن الثوابت الوطنية أشرس منه، فسلمه النقابة من بابها لمحرابها منذ العام 2014 دون منازع، لـ "يقص لسان" كل مَن عارض الأسد من الفنانين، فهؤلاء كما وصفهم "أبو جودت" مفترون على الوطن ومسيئون لثوابته الوطنية ورموز سيادته، وشبههم بمعادي الوطن. فمن أين يجد النظام أحرص على الأمن والأمان من أبو "عيون مبقبقة" كما يصفه بعض الجمهور.
ومن أجل ألا يبقى هذا الذكاء والإخلاص حبيسَيْ جدران النقابة، والتي تشققت من سعة تأثيرهما، تكرم "قائد الوطن" على المختار ومنحه في العام 2016 كرسياً في مجلس الشعب، وهو يعلم أن إخلاصه لا تتسع له جدران البرلمان والقصر الجمهوري ولا ساحات الوطن بأسرها.
فصل النقيبُ من الفنانين، ما من شأنه أن يؤسس لنقابة أخرى، ما يزيد عن 180 عميلاً للدول الخارجية، ومساهمين في سفك الدم السوري، وطالب بمحاسبة كل قادة الرأي والفكر؛ لأنهم تلوثوا بالدم أكثر من الناس العاديين، ليس خوفاً على كرسي النقابة.
ولم يقصر رمضان حتى مع الفنانين المؤيدين وأصحاب المواقف الحيادية، من باب المساواة والعدل وعدم التمييز، فالنقابة ليست للفنانين الموهوبين، الذين تتسابق على التعاقد معهم شركات الإنتاج، النقابة فقط لـ "الصامدين" الرافضين للإقامات الذهبية والعيش الرغيد مقابل أدوار في مسلسلات "قبنض" صاحب الطبل والزمر.
مات الرمضان بعد 62 عاماً أمضاها بالصلاح والتقوى وكتابة التقارير و"التشبيح" و"التنبيح" و "قص الألسن" وفصل الفنانين الموهوبين، والكثير الكثير من محاسن الموتى.