نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
غيّب الموت أمس الجمعة في العاصمة الأردنية عمّان حسن أبو علي صاحب كشك “الثقافة العربية” أحد أهم رموز نبض قاع المدينة.
أبو علي كما شاع اسمه بين المثقفين والكُتّاب العرب والأردنيين، استهلّ حياته شاباً يافعاً ببيع الصحف اليومية وتوزيعها على الأقدام لقرائها في نهاية خمسينيات القرن الماضي، قبل أن يؤسس لنفسه مطالع ستينيات القرن الماضي، مكاناً ثابتاً لبيع الصحف اليومية والمجلات الدورية، وصولاً إلى تحويل كشكه قرب البنك العربي وسط البلد، إلى ملتقى للكُتّاب والسياسيين والشخصيات العامة، ويصبح محجّاً يؤمّه المعنيون من مختلف محافظات الأردن.
الدخلة الصغيرة قرب البنك العربي وحلويات “حبيبة”، الواقع كشك (أبو علي) عند بابها، أصبحت رمزاً من رموز عمّان وأماكنها المفعمة بالمعاني والخصوصية. فهناك يصطف الناس على الدور لتذوّق الكنافة النابلسية، ويحوطون كشك الثقافة يطالعون آخِر ما يعرضه أبو علي (ورّاق عمّان) من عناوين، وهو وأبناؤه الذين كبروا وصاروا يساعدونه في الوقوف على باب الكشك، أو الجلوس في المساحة الصغيرة داخله، يجيبون عن الأسئلة المتعلقة بعنوان ما، أو وصول رواية ما.
أمس وفَوْر انتشار خبر رحيل (أبو علي) بعد معاناة مع المرض، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بجمل الرثاء، وجمل ادّعاء علاقة بين الناعي وبين الراحل، علماً أن علاقة (أبو علي) بمعظم رموز الوسط الثقافي الإبداعي المحلي، هي علاقة دائن بمدين، فالراحل لم يكن يتردد ببيع الكتب الذي يزخر بها كشكه بالدَّيْن، وبالدفع المؤجَّل. في هذا السياق، كشف أبو علي في مقابلة قديمة، ومن باب الطرافة أن له بذمة رؤساء وزراء أردنيين ووزراء ورؤساء روابط ثقافية وإبداعية وشخصيات عامة كثيرة، مبالغ مالية (طبعاً مبالغ قليلة وليست كبيرة) باقي ثمن كتب لم يسددوا ثمنها كاملاً. حقيقة لم أبرأ منها أنا شخصياً، والمفارقة أن (أبو علي) ينسى ونحن ننسى، أو نتناسى، المبلغ على وجه الدقة، هل هو خمسة دنانير أم سبعة أم أقل أم أكثر؟
كان يعلم الراحل أن بيع الكتب في العالم العربي (ما بيجيب همّه)، وربما كان يفرحه أن يبحث باحث عن كتابٍ ما، وأن يحتاج أحدنا هذا الكتاب أو ذاك، ولكنه لا يملك ثمنه، فيسارع صديق المثقفين جميعهم، الرجل الطيب الأصيل، بإعطائه الكتاب، وأما الدفع فلحين ميسرة.
لا شك أن صداقات عميقة نشأت بين (أبو علي) وبين المثقفين الحقيقيين، ولا شك أن تعامُله مع الكتاب، بعد سنوات من تعامُله مع الصحف والدوريات، جعله يغوص في محتوى كثير منها، ويصبح مع الأيام شخصية عامة بامتياز، ما جعل العاهل الأردني ومعه الملكة رانيا يزوران، قبل سنوات، كشك الثقافة العربية، ويقابلان (أبو علي)، ثم يمنحه الملك عبد الله بعد ذلك وساماً من درجة رفيعة.
سيظلّل الحزنُ قاعَ المدينة، وسوف تضيق الأمكنة التي يمكن أن يلوذ إليها صعاليك عمّان القديمة، وسوف يبقى لاسمك يا صديقي الراحل إيقاعه الخاص، وأما الصدى فستردده جبال عمّان جميعها.