”نداء بوست“- حوارات سياسية- حاوره: أسامة آغي
الصراع في سورية وعليها يحتاج إلى رؤية تضيء العناصرَ الفاعلةَ فيه من جهةٍ، ولمعرفة اتجاهاته ومَآلاته من جهةٍ ثانية، هذه الرؤية تساعد على مُقارَبة تقترب من الحقيقة، بما يخدم الثورة السورية وأهدافها.
في هذا الحوار ”نداء بوست“ يقلب صفحات الواقع السياسي السوري مع المفكر السوري برهان غليون الأستاذ في جامعة "السوربون"، ورئيس أول مجلس وطني سوري أنشأته المعارضة.
"سوتشي" هي مَرْجعِيَّة اللجنة الدستورية
لا أحد من مُراقِبي الوضع السوري ودَوْر حكومة بوتين فيه، إلا ويُقِرُّ أن ابتداع الروس لمَسارَيْ "أستانا" و"سوتشي" كانت غايته الالتفافَ على القرارات الدولية "جنيف 1" والقرار "2254".
حول ذلك يقول د برهان غليون المفكر والأستاذ ورئيس مركز دراسات بجامعة "السوربون": صمَّم الروس اللجنة الدستورية لتجاوُز مَسار مفاوضات جنيف القائم على أسس الشرعية الدولية، الممثلة بقرارات مجلس الأمن، وآخِرها القرار 2254، مما يعني إمكانية تجنُّب التقيُّد بهذه القرارات.
ويضيف غليون: بالرغم من ادِّعاء الروس العكسَ، والدَّفْع نحو تسوية تضمن بقاء الأسد مع إجراء بعض الإصلاحات من داخل النظام، دعت موسكو مع حليفيها إيران والأسد إلى مؤتمر "سوتشي"، الذي أصبح مَرْجعِيَّة اللجنة الدستورية الفعليَّة وليس القرارات الدولية.
لكن المفكر السوري يوضِّح الأمر بصورة أكبر حين يقول: لكن حتى على مستوى هذه الصيغة عطّلت إيران وتابعها الأسد أي مفاوضات انطلاقاً من الاعتقاد بإمكانية حسم الصراع عسكرياً، وفَرْض الأمر الواقع من دون مفاوضات من أي نوع، ولا حتى الاضطرار إلى الاعتراف بوجود معارضة، والتراجع عن نظرية المؤامرة الكونية والتمرد الإرهابي، الذي تتعرض له.
ويتابع غليون رؤيته فيقول: أما روسيا فهي تستخدم هذا التعطيل لتحصيل مكاسب سياسية وتنازُلات من الولايات المتحدة في سورية وغيرها من الملفات العالقة بين القطبين، ولكن بقبول المعارضة الانخراط في المناورة الروسية، فهي قامت بعملية (هارا كيري) قضت فيها على قضيتها من تِلْقَاء نفسها.
الغرب يُعارِض التفرُّد الروسي
وحول احتمال تحوُّل الحمايات المؤقتة لكل من مناطق شمال شرقي سورية (الجزيرة والفرات)، وشمالي حلب مع محافظة إدلب، وباقي مناطق الجغرافيا السورية، إلى مناطق استقرار مؤقتة في انتظار الحل السياسي النهائي يقول غليون: إن المحافظة على وضع هذه المناطق في ما يشبه الحكمَ الذاتيَّ، يشير إلى مُعارَضة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تفرُّدَ روسيا وإيران بالحلّ، وفَرْضَ تصوُّرهما للتسوية السياسية، ومن ثَمَّ القبول باحتمال إعادة تأهيل النظام مع بعض التعديلات الدستورية الشكلية، وتمرير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويعتقد غليون أن غاية ذلك هي تجنيب الأسد وشركائه المُحاسَبةَ، وتحمُّل المسؤولية في المَحْرَقة السورية، وبقاءُ هذه المناطق خارج سيطرة النظام دليلٌ على أن حلَّ الأزمة السورية لم يتقدم، وأن شروط التسوية التي تستجيب للقرارات الدولية لم تتحقق بعد، ولذلك يسعى الروس بجميع الوسائل إلى تجاوُز هذه العقبة، وتغيير الوضع في هذه المناطق، سواء بالضغط على تركيا في شمال غربي سورية، أو دفع النظام إلى التفاهُم مع قوات "قسد" ومساعدته على التوصل إلى حلّ معها يتعلق بالمسألة الكردية.
أمريكا وسياسة العَصَا والجَزَرة
وحول ثنائية الموقف الأمريكي من نظام الأسد، المتمثلة بعقوبات قانون "قيصر" ومَنْع أي إعادة إعمار من جهةٍ، وغضّ الطرف قليلاً من خلال الدعوة إلى تعديل سلوك النظام عَبْر عمليات تطبيع مع أنظمة عربية، يقول رئيس المجلس الوطني الأسبق: بعد الاعتراف بفشل الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية على بعض مؤسسات الدولة وعلى شخصيات النظام، عدّلت واشنطن من مُقارَبتها للمسألة، وقررت أن تُمسِكَ العَصَا من الوَسَط، وتمارس سياسة العَصَا والجَزَرة مع النظام وموسكو معاً.
ويرى غليون أن السماح لبعض الدول العربية بما يشبه التطبيع مع الأسد ما هو إلا محاولة لإبراز الجَزَرة، التي تشجع الأسدَ والروسَ على الاستمرارِ في المفاوضات، وتجنُّب حالة من الفشل المُعلَن والاستعصاء يفرض على واشنطن تغييراً في أجندة سياستها الدولية، ليس لها مصلحة اليوم فيه، وفي إبقائها على العقوبات على نظام الأسد وروسيا بوتين، تحتفظ بالعَصَا، التي تريد أن تستخدمها لتهديد النظام بما هو أَقسَى، إذا لم يقبل بتغيير موقفه المتصلب والرافض لأي تعديل في سياسته وسلوكه.
غليون يرى أيضاً أن واشنطن تستطيع التلويح بالعصا حين تشاء في وجه الروس والإيرانيين أيضاً، لتؤكد لهم أنه لن يكون هناك حلّ ولا عوائد للاحتلال مع الاستمرار في تشجيع الأسد على مقاومة الضغوط الدولية، من أجل تسوية تَحْظَى بالحدّ الأدنى من الصِّدْقيَّة، ولا تَسِيءُ لمصداقية الولايات المتحدة وأوروبا السياسية.
تعديل سلوك النظام تقويض لبِنْيَته
أما كيف يقرأ عبارة ”تغيير سلوك النظام“ التي يقول بها الأمريكيون، فيقول غليون: إن هذه عبارة عامة، الهدف منها التأكيد على أن واشنطن لن تغيّر سياستها تجاه النظام ما لم يُظهر استعداده لتغيير سياساته الداخلية والخارجية أيضاً، لكن مضمون هذا التغيير تُحدِّده العبارات، التي تؤكد على القرارات الدولية وانتقالٍ سياسي يضع حداً لنظام السلطة العائلية، التي حوّلت سورية إلى إقطاعيةٍ قُرُوسطِيَّةٍ، وبهذه العبارة تُبقي واشنطن البابَ مفتوحاً على الجانبين.
ويختم غليون حديثه بالقول: أمام الصيغ المحتملة للتغيير والانتقال السياسي مع الأسد، ربما إذا عرف كيف يتعاون مع القرارات الدولية، فإنه في نظري لن يستطيع الإبقاءَ على مؤسسات النظام بعد إصلاحها وإعادة هيكلتها أمام التهديد بترك الأمور تقود إلى تقويض بِنْية النظام وانهياره، وربما خسارة الأسد حياتَهُ أمام التحدِّيَات الداخلية والخارجية، التي ليس لديه أيُّ فرصة للتغلب عليها من دون تعاوُن المجتمع الدولي والبلدان الصناعيَّة.