مهما بلغت المواقف من اختلاف وتباين في الرؤى والتناقض، لا يليق بنا أن نخرج عن أدب الخلاف والاختلاف، فإطلاق ألفاظ حادة وتُهَم شائنة يرتدّ على أصحابها، وإنْ كان ذلك لا ينبغي أنْ يمنعنا من قول ما نحسبه حقاً وصواباً.
يعاني السُّنة من هجمات شرسة من سنوات وعقود تستهدفهم كسبيل لاستهداف المنطقة وتفكيكها، فهم يمثلون عمودها الفقري والأغلبية العظمى من ساكنيها وتراث الأمة الأصوب والأقوم.
تم استخدام فزّاعة التطرف ولعبة “داعش” لمحاصرة السُّنة وتدمير حواضرهم ومدنهم التاريخية وتحويل قطاع عريض من شعوبهم لمهجرين ونازحين وتدمير مستقبل أجيالاً منهم بحرمانهم من العلم والحياة المستقرة.
لعبت إيران الدور الأحقر والأقذر في استهداف السُّنة ضِمن تآمُر غربي ودولي وصهيوني في مسرحيات هزلية لا تحترم عقلاً ولا تأبه لمنطق كمحاربة الإرهاب و”داعش”، وكانت الأغلبية من حكام السُّنة وللأسف من أسوأ أدوات تدمير الجسم السُّني كدُمًى في يد القوى الغربية والتي لا تأبه (الحكام) إلا لشهواتها وقصورها وأرصدتها.
موقف حماس الأخير وبغض النظر عن مبرّراته ومسوّغاته سكب زيتاً شديد الاشتعال على حرائق السُّنة وزاد من لهيبها، وعمق الخلافات وأضعف الجسم السُّني الضعيف ابتداءً من شدة الضربات والنكبات التي أصابته خصوصاً من إيران وأتباعها وأدواتها في المنطقة.
جرائم الأسد غير مسبوقة على الإطلاق لا تاريخياً ولا واقعياً، وعدد ضحاياه وطرق تصفيتهم من الموت تعذيباً وتجويعاً وتدميراً وكيماوياً أمر يفوق الخيال، فما الذي تغير مع حماس حتى تعيد معه العلاقات، انتصاره المزعوم بدعم روسي أرثوذكسي وتوطؤ غربي صهيوني؟ إذا كان انتصار الباطل الظاهري مدعاة للتواصل معه فأين المبادئ والثقة بموعود الله ووعده؟ ولماذا نعيب على المتهافتين على التطبيع مع الصهاينة وهم يرون فيهم القوة الكاسحة في المنطقة!!؟
تعيد حماس العلاقة مع الأسد وهو يتلقى الصفعات والضربات من الصهاينة والذين لا يستهدفونه كنظام -بل أصروا على إبقائه كما أشارت كثير من التقارير- بل يستهدفون سورية بلداً وشعباً، فأي توقيت أسوأ ممكن لمقاومة أن تعيد فيه علاقاتها مع سفاح يبيد الشعب ويقف منكسراً صاغراً ذليلاً أمام المحتلّ؟
بإهمالها المواقف الشرعية والتي أصدرها الكثير من علماء الأمة بحرمة إقامة العلاقات مع الأسد وبتجاوزها المواقف الشعبية الكاسحة، تكون حماس قد ضحت بمرجعياتها الشرعية والسَّنَد الشعبي لتقف على رمال الأنظمة المتحركة والتي لن تتردد في التضحية بها إنِ اقتضت مصلحتها ذلك دون أن تجد مَن يتعاطف معها أو ينصرها بعدما أدارت الظهر لهم.
أكثر الجهات فرحاً بإعادة العلاقات مع الأسد هما الصهاينة وإيران. الصهاينة وهم يرون أن المقاومة والتي كانت نقطة اجتماع الأمة الوحيدة تقريباً تحولت لنقطة التمزيق الأكثر اشتعالاً إضافة لسقوط حماس في ضمير الأمة الشرعي والشعبي. أما إيران والتي فتكت في الجسم السُّني فترى أنها استطاعت أن تحول المقاومة وبشكل شِبه مطلق إلى واحدة من أدواتها السياسية والعسكرية في المنطقة.
من الأمور اللافتة أن أكثر الدول اندفاعاً للتطبيع مع الأسد كالإمارات ونظام السيسي هي أكثر الدول اندفاعاً للتطبيع مع الصهاينة بل والتحالف معهم!! مقاومة نظام الأسد هي التطبيق العملي لباطنية النظام العقدي والسياسي والأخلاقي والتعامل مع مقاومته المزعومة إضافة إلى الافتقار الأخلاقي وهو نوع من البلاهة والتحشيش السياسي!
إن المقاومة قبل أن تكون سلاحاً وصراعاً، هي قيم وأخلاق ومبادئ. تتحول أي حركة مسلحة من حركة مقاومة لما يشبه ميليشيات وبندقية للإيجار إن هي تحالفت مع قَتَلَة يستهدفون الأمة وعقيدتها ومساجدها وكرامتها وشرف حرائرها. إن إعادة العلاقات مع نظام طائفي قَتَلَ وهجَّر الملايين واغتصب العفيفات هو سقوط مفجع ومؤلم ليس لأصحابه فقط، بل لمن وافقوهم مدفوعين بفتاوى الجغرافيا السياسية!