نداء بوست- أخبار سورية- إسطنبول
أصدر مركز جسور للدراسات دراسة تحليلية اليوم السبت، ناقش فيها إعادة صياغة العقد الاجتماعي في منطقة شمال شرقي سورية من قِبل “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”PYD”، وآلية صياغته وفرص تطبيقه.
وذكر المركز أنه منذ منتصف عام 2021 بدأت “الإدارة الذاتيّة” أولى الخطوات العمليّة لإعادة صياغة وترميم العقد الاجتماعي البدائيّ الذي أقرّه “حزب الاتحاد الديمقراطي” في مناطق سيطرته عام 2014، وعدّله لاحقاً في عام 2018.
وأكد المركز أن هذه الخطوة “تعدُّ واحدة من أهمّ الخطوات التي قام بها حزب الاتحاد الديمقراطي لشَرْعَنة وجوده وسلطة الأمر الواقع التي يمارسها في مناطق سيطرة الإدارة الذاتيّة التابعة له”.
كما أشار إلى أن “الإدارة الذاتية” و”مجلس سورية الديمقراطية” لإضفاء الشرعية على عملية صياغة العقد الاجتماعي الجديد عملا على إظهارها كمطلب شعبي من المجتمع المحلي، من خلال تمريرها كأحد مخرجات “المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات”، الذي نظمته “مسد” أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وأوضح المركز أن جميع أعضاء لجنة إعادة صياغة العقد الاجتماعي تم تعيينهم على أساس مجموعات تمثيلية للهيئات والمؤسسات والمجالس والمكاتب والاتحادات التابعة لـ “الإدارة الذاتية” و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، وتم اختيارهم على أساس الولاء لـ “الإدارة الذاتية”، إضافة إلى تمثيل شكلي محدود للمكونات الاجتماعية والقوى السياسية.
وعن التركيبة الاثنية والعرقية للجنة، قال المركز: إن الكرد شكلوا النسبة الأكبر منها بـ45% من عدد الأعضاء، يليهم الشركس بـ38%، والسريان 10%، والتركمان 2%، والإيزيديين 2%، ومن ثم الشيشان والأرمن والعرب بنسبة 1% لكل مكوِّن.
وبخصوص أهداف صياغة العقد الجديد يقول المركز: إن “الإدارة الذاتية” تسعى لخلق مظلة شرعية لها تمكنها من قَوْنَنة وتشريع سياساتها الداخلية والسيطرة على الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لها، والقفز خطوة إلى الأمام وتعزيز نفوذها كسلطة أمر واقع دون الحاجة إلى التشاركية مع القوى السياسية والاجتماعية في المنطقة.
كما أن “الإدارة الذاتية” تمهد قانونياً بذلك لانتخابات عامة بقصد الالتفاف على الضغوط الأمريكية والمطالب الشعبية بإجراء تغييرات في كوادرها وقيادتها للحد من الفساد ومعالجة السياسيات الاقتصادية والأمنية التي أدت إلى أزمات معيشية وأمنية وتظاهرات.
وأما عن الهدف من صياغة العقد الاجتماعي الجديد، قال المركز: “يبدو أنّ الإدارة الذاتية لن تفوّت فرصة التسويق لعملية صياغة واعتماد العقد الاجتماعي كعامل ضروري لاستمرار وفاعليّة عمليات مكافحة الإرهاب؛ على اعتبار أنّ هذه الآلية تضمن مشاركة جميع المكونات المجتمعيّة في هذه الأخيرة، وتقطع الطريق أمام اختراق تنظيم «داعش» للمجتمع المحلي من خلال استغلال أي تهميش لفئات ومكونات مجتمعيّة على حساب فئات أخرى”.
ويرى المركز أيضاً أن “الإدارة الذاتية” ترغب في “استغلال حالة تجميد النزاع والجمود في العملية السياسية للحلّ في سورية، عبر القيام بخطوة استباقيّة ومحاولة تشريعها لاحقاً أو حتى تسويقها كنموذج قابل للتطبيق في مناطق أخرى كالجنوب السوري وفي محافظة السويداء على وجه الخصوص”.
وتواجه “الإدارة الذاتية” في هذه الخطوة أربعة تحدِّيات، وفقاً للمركز، هي:
– موقف تركيا الرافض بالضرورة لهذه الخطوة؛ كونها تُؤكد مخاوفها من تشريع أو المضي نحو إقامة كيان تابع لحزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية وما يترتب على هذا الموقف من ضغط على “قسد” والإدارة الذاتية من جانب الولايات المتحدة لمنع إقرار العقد الاجتماعي، خاصة مع حرص أمريكا على رفع التنسيق مع تركيا بعد إطلاق مسار الآلية الإستراتيجية مطلع نيسان/ إبريل 2022 والتي تشمل مناقشة القضايا العسكرية والأمنية والاقتصادية.
– ضغط الولايات المتحدة الجاد على حزب الاتحاد الديمقراطي لإعادة تفعيل الحوار “الكردي – الكردي”، وما قد يترتب على ذلك من إلزامه بالتراجع عن خطوة صياغة ومصادقة العقد الاجتماعي؛ من أجل المحافظة على حدّ أدنى من التوافق اللازم لاستمرار المفاوضات بين الجانبين.
– استمرار عجز الإدارة الذاتيّة عن مواجهة التحدّيات والأزمات المعيشيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والعسكريّة التي ترزح تحت وطأتها وما يترتب على ذلك من ضعف في استمرار احتكار القوة والسيطرة على مناطق سيطرتها مما يُصعِّب عليها تحقيق أي تقدُّم بخُطوة جديدة في إطار شَرْعَنة وجودها وسلطتها.
– غياب المشاركة الحقيقية لمكوّنات المجتمع؛ حيث يلاحظ غياب العرب عن دوائر صناعة القرار في الإدارة الذاتية وغياب تمثيل واسع للكرد بعد استبعاد أحزاب المجلس الوطني الكردي والأحزاب السياسيّة الكردية الأخرى غير الموالية لمشروعها.
وحول الآثار المتوقعة لتطبيق العقد الاجتماعي، قال المركز: إن إكمال عملية إعادة صياغة العقد الاجتماعي ومصادقته واعتماده من قِبل الإدارة الذاتية قد يكون سبباً ومُبَرِّراً إضافياً وجديداً لقيام تركيا بعملية عسكريّة محدودة أو واسعة النطاق في سورية ضد حزب العمال الكردستاني المستحوذ على الإدارة الذاتية لمنعه من شَرْعَنة استمرار سيطرته وانتشاره على حدودها.
ويتوقع المركز أن تخلق عملية اعتماد العقد الاجتماعي الجديد عائقاً إضافياً جديداً أمام استمرار جولات الحوار “الكردي – الكردي” المتعثر أساساً؛ كون هذا العقد ونقاشه وضرورة مشاركة أحزاب المجلس الوطني الكردي والأحزاب والقوى السياسيّة الأخرى في إعادة صياغتهِ كانت جميعها نقاطاً مجدولة ضمن أجندات جولات الحوار.
وأضاف: إن الخطوة المنفردة باعتماد العقد الاجتماعي من الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي قد تزيد من حالة الخلاف بينه وبين المعارضة السياسية السورية وتقوّض المساعي الأمريكيّة الجديدة لتحقيق التقارُب بين الطرفين، لأن ذلك يُعتبر خروجاً ورفضاً لأيّ مشروع وطني جامع يُحتمل أن يُثمر عن أي مسار تقارُب بينهما.
وأردف: إنّ اعتماد الإدارة الذاتية العقد الاجتماعي الجديد؛ يتعارض مع أساس المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام الذي ما يزال متمسّكاً برفضه لأيّ شكل من أشكال اللامركزيّة مع التمسُّك بمشروع الإدارة المحليّة المتضمَّن في المادتين (130) و (131) من دستور عام 2012، وهذا سيؤدي بالضرورة لتأزُّم العلاقة الجيّدة نسبيّاً بين الطرفين وتوتُّرها خاصة الجانب المتعلق بالمفاوضات والحوار.