الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية المباركة، تدفعنا لتسليط الضوء على ما أفرزته هذه الثورة من أوضاع ومآلات في جوانب مختلفة.
ومن الطبيعي أن نشهد اختلافاً في وجهات النظر حيال مسألة انتقال الثورة من مربّع سلميتها إلى مربع تسلُّحها لمواجهة عنف النظام الأسدي الذي ارتكب جرائم القتل والسحل وغيرها لفرض حمل السلاح على الثورة السورية، فهو بهذا المربع يجرّها إلى ملعبه الذي يجيد اللعب فيه.
“نداء بوست” طرح أسئلته بهذا الخصوص على كل من المحللييّن العسكرييّن النقيب رشيد حوراني والعميد أحمد رحال.
هدف النظام وَأْد الثورة
يعتقد كثيرون أن خيار تسلّح الثورة كان ضرورة لمنع النظام من ممارسة عنفه ضد المتظاهرين السلميين، ولكن الذي ثبت واقعياً هو أن النظام زاد من وتيرة عنفه وتدميره بحجة مكافحة “الإرهاب المسلّح” في وقت كانت حصيلة شهداء الثورة السلمية محدودة.
في هذا الشأن يقول المحلل العسكري النقيب رشيد حوراني:
“خلال الفترة الأخيرة تعددت الأصوات التي تلقي اللوم على الثورة بسبب تسلحها وعسكرتها، الأمر الذي يجب ألا يتناوله إعلام الثورة ويروج له، لأنه في النهاية سيقع الفريق المؤيد للثورة وهو الأكثرية من الشعب السوري في شراكه، وتحمُّل تبعاته”.
ويناقش حوراني قرار حمل السلاح فيقول:
“أما عن صحة القرار؛ هنا لا بدّ من الإشارة إلى أمر مهمّ، وهو أن النظام السوري خطّط ونفّذ العديد من الفخاخ خلال المظاهرات لإلباسها لبوس العنف والتسلح، ليكسب الوقت، ويحاول وَأْد الثورة في مهدها، فمثلاً في حمص، خرجت عناصر الفرقة 11 “ضباطاً وصفّ ضباط ومجندين، وانتشروا في أكثر من مكان للتظاهر في المدينة، منها ساحة جامع خالد بن الوليد”.
ويضيف حوراني فيقول: “وانتشر عناصر الفرقة بين المتظاهرين، وهم يخبئون الهراوات، وينهالون على المتظاهرين بالضرب، أو البعض منهم يدعي أنه من الثوار ويتواصل مع مرددي الهتافات، ويعرف أسماءهم وأماكن سكنهم ليقود عناصر الجيش والأمن بعد عدة أيام إليهم، ليصار إلى اعتقالهم. كما تم نشر القانصات في حي بابا عمر ودوما ومعضمية الشام وكان حصيلة كل يوم جمعة تصل إلى ما يزيد عن 200 شهيد”.
ويعتقد حوراني: “أن تسلّح الثوار ليس لمجابهة النظام بشكل كامل، إنما لمحاولة ثنيه عن الانتهاكات والتجاوزات التي يمارسها عند اقتحام الأحياء والبلدات والبيوت”. ومع تمادي النظام، وجد نفسه أمام شعب قرّر ألا يعود حتى يحقق الأهداف التي خرج لأجلها؛ فلجأ إلى استخدام الأسلحة الثقيلة “مدفعية وهاونات وطيران حربي”، بمعنى، أن النظام نفّذ العمل العسكري المتدرج ضد الثوار. بناء على ما سبق فإن الخيار العسكري كان صحيحاً لمجابهة عنف النظام من جانب ولأنه دفع جزءاً كبيراً من الضباط للانشقاق عن الجيش”.
سورية مقسّمة
لكن الأمر الواقع في سورية الآن يشير إلى ما يقوله المحلل العسكري رشيد حوراني فهو يرى أنه: “يجب الاعتراف اليوم بوجود ثلاث قوى تسيطر على سورية، قوات النظام التي فقدت القدرة القتالية، وتعتمد إيران على ميليشياتها، وهناك ميليشيا قسد التي تتخوّف من الانسحاب الأمريكي، رغم التسليح المتوفر لها، وهي عسكرياً، لا طاقة لها لمواجهة قوات النظام، أو قوات المعارضة السورية (فصائل المعارضة السورية تحت مسمى الجيش الوطني)، وهي رغم أنها لم تصل إلى مستوى المؤسسة العسكرية المنضبطة وذات التراتبية، إلا أنها تتمتع بجاهزية قتالية عالية وقادرة على خوض المعارك وتحقيق النتائج فيها، وهي تحبط يومياً محاولات النظام للتسلّل على محاورها في شمال غرب سورية أو شمال شرق سورية”.
ويضيف حوراني: “أمام هذه المقارنة، نرى أن فصائل المعارضة السورية هي الأقدر والأكثر كفاءة، لتكون نواة جيش وطني قادم، إنها تدربت على يد الجيش التركي “ثاني أكبر جيش في الناتو”، وخضعت فصائل الجنوب التي انسحبت إلى الشمال لتدريبات على يد القوات الأمريكية، وكل ذلك صقل خبرتها وتجربتها.
ولعلنا في سؤالنا للعميد أحمد رحّال حول الجانب العسكري، نقوم بإضاءة هذا الجانب من إحدى زوايا هذا الأمر.
وحشية النظام دفعت لحمل السلاح
بدأت المظاهرات في أرجاء سورية على صورة احتجاجات سلمية، تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية ودستورية، لكنّ نظام الأسد المبنيّ على انغلاق رؤيته الاستبدادية، أحسّ بأن هذه المظاهرات السلمية ستقتلع هيمنته على السلطة في البلاد، وتُنهي نهبه لاقتصادها واستعباده للشعب السوري، ولذلك عمد إلى مواجهتها بالوحشية الدموية، وعمل على نشر السلاح بين المتظاهرين، ليقول: إن ما يحدث هو إرهاب موجَّه ضد الدولة واستقرارها.
يقول العميد المنشق أحمد رحّال: “من المنطق العقلاني ومنطق الحكمة القول إن الثورات هي ثورات تظاهُر، وثورات إبداء رأي تعبّر عن حالة شعبية، فثورات كهذه لا تحتاج للسلاح ولا للقوة، ولا تحتاج للضرب والاعتقال”.
فحين خرج الشعب السوري إلى الشوارع متظاهراً، كان أمامه النموذج الثوري التونسي السلمي، فبرأي الرحّال لا يوجد إنسان عاقل كان يفكّر بحمل السلاح، فأهالي درعا خرجوا بمظاهرتهم من الجامع العمري، ووجدوا سيارة مليئة بالسلاح، دفع إلى وضعها النظام الأسدي، فعملوا على دفن هذا السلاح منعاً لاستخدامه”.
ويرى العميد رحّال: “أن حمل السلاح يقف خلفه اثنان، (النظام الأسدي وأجندات إقليمية)، وبهذه الحالة، لا يمكن الضغط على أحد ومنعه من حمل السلاح، وهو يرى، كيف يتم قتل الناس وذبحهم وسحلهم واغتصاب نسائهم، فهذه الجرائم المهولة، كان النظام قد خطّط لها، وخير دليل على ذلك، نشره لفيديوهات التعذيب والقتل والإهانات”.
جرائم النظام أجبرت الناس على حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، كذلك كانت هناك قُوى خارجية من أحزاب أو جهات إقليمية لها مصلحة بتسليح الناس، وهذا سمح بنقل الصراع إلى مستوى احتجاجي غير سلمي، ولهذا يمكننا القول إن عوامل عدّة اجتمعت في هذه الحالة وكان الضحية الشعب السوري.
الثورة ثورتنا ولكن..!
ولكن هل تحوّل السلمية إلى مواجهات مسلحة مع النظام جرت بصورة صحيحة؟ يقول العميد أحمد رحّال: “ما دام هذا الجيشُ الوطني جيشَنا، وهؤلاء المقاتلون مقاتلينا، وهذه الثورةُ ثورتَنا، لماذا تُركت الأمور للفلتان الأمني وللفلتان الثوري؟! لماذا لم يتمكن الجيش الوطني من أن يكون رمزاً مثل الجيش السوري الحر؟ فما دام لدينا ضباط وقيادات ومقاتلون وسلاح فلماذا هذا الفلتان”؟
ويرى الرحّال: أن هناك غياباً للقيادات السياسية الفاعلة، والتي أصبحت مرتهنة لأمراء الحرب، وبالتالي فأي تغيير ليس في مصلحتهم، كما لدى النظام الأسدي، فانتصار الثورة سيذهب بمناصبهم وبمصالحهم ومكتسباتهم، ولهذا، هناك طريقان لحل هذه المعضلة، إما قرار من صاحب القرار وهو هنا “الدولة التركية، والتي يقع على عاتقها تدريب ورعاية شؤون الفصائل العسكرية، أو انتفاضة شعبية تُنهي هذا الفلتان وهذا الوضع السيّئ”.
لكن الرحّال يرى أن الوضع في المناطق المحررة (إستاتيكي)، وليس في الأفق القريب تغيير.