"نداء بوست" – المتابعة والتحقيقات – محمد السكري
لم تنته القمة على مستوى الرئاسة بين الرئيسين التركي والروسي في سوتشي حتى عاودت قوات النظام السوري مدعومة بغطاء روسي التصعيد على منطقة إدلب، ولا سيما على طول الطريق الدولي M4 الذي تضع روسيا عينها عليه ،والذي يعتبرملف خلافي بين أطراف سوتشي، فقصفت قوات النظام السوري قرى في جبل الزاوية وسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، ولم يقف التصعيد على مدينة إدلب وحدها بل امتد ليشمل مناطق تخضع لتفاهمات منفصلة في مناطق تعتبرها أنقرة "مناطق آمنة" والتي نفذت فيها ثلاثة عمليات منفصلة درع الفرات (2017)، وغصن الزيتون (2018)، ونبع السلام (2019)، بالتالي بقيت هذ المنطقة بعيدة -إلى حدٍ كبير- عن نقاط الاستهداف الروسي المباشر، وباستخدام الطيران العسكري، واعتمدت موسكو على تكتيك إثارة الفوضى الدائمة باستخدام قوى محلية كالإدارة الذاتية لقصف أو القيام بعمليات إرهابية قبل أن يلوح في الأفق الحديث عن تقارب بين واشنطن وأنقرة بعيداً عن روسيا، ما آثار حفيظة الأخيرة، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع. ومن الواضح أنَّ الأطراف في سوتشي لم تنجح في حل الخلافات ولكنها قامت بتأجيلها.
تصعيد غير مُستبق
في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قُتل أحد الجنود الأتراك في القاعدة العسكرية التركية بالقرب من مدينة مارع -إحدى مدن عمليات درع الفرات-حيث استهدفت الإدارة الذاتية القاعدة بقصف مباشر، وبكل تأكيد لا تتحرك الإدارة الذاتية كغيرها من الفاعلين المحليين إلّا بإيعاز روسي، بينما ردت القوات التركية بالقصف على مواقع النظام وروسيا في "سد الشهباء" مما تسبّبَ بمقتل عدد من العناصر من بينهم قد يكون جنود روس. ومع تصاعد حدة القصف المتبادل، تدخل قبل عدة أيام الطيران الروسي ليقوم بقصف مباشرعلى أطراف مدينة مارع في محور تويس وهذه كانت رسالة مباشرة إلى حجم الاستياء الروسي من التطورات الأخيرة. وتابعت القوات الروسية قصفها لتمتد إلى داخل مدينة مارع فاستهدف الطيران الحربي الروسي في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 مدينة مارع بغارة جوية كما لم يغب طيران الاستطلاع الروسي عن المنطقة خلال الأيام الماضية.
الشمال السوري مرحلة جديدة من الصراع قد يكون عنوانها الحرب
عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رده الأول على التصعيد الذي يشهده الشمال السوري عن استياءه من استهداف القوات التركية وأضاف في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 إنّ هذا الاستهداف هو القشة التي قصمت ظهر البعير مؤكداً أنَّ بلاده ستقوم باللازم، وأضاف إنَّ الهجوم على قواته في سورية غيرمقبول وبلغ حد لا يحتمل، وأكدَّ أنَّ تركيا ستقضي على التهديدات في الشمال السوري بالتعاون مع القوى المحلية في إشارة إلى الجيش الوطني المعارض. لا تخفِ أنقرة نيتها إنهاء التهديدات الإرهابية التي تقوم بها الإدارة الذاتية على طول الحدود السورية- التركية بشن عمليات عسكرية إما على مدن تل رفعت والتي تعتبر محاذية لمناطق سيطرتها، والتي في الغالب تنطلق منها القذائف والمفخخات أوالمناطق الأخرى كعين العرب "كوباني" التي تمثل حلقة الوصل بين مناطق المعارضة في ريف الرقة وتحديداً مناطق نبع السلام وبين عمق مناطق المعارضة وصولاً إلى إدلب، ولكن الأهداف التركية تصطدم بالعراقيل الروسية والأمريكية فكلاهما يرفضان بشكل قاطع أن تشن أنقرة أيّة عملية عسكرية على هذه المناطق كونها تخضع لنفوذها. كانت أنقرة تأمل بأن تقوم واشنطن بتنفيذ تصريحاتها المتكررة بشكل عملي والتي زعمت بها نيتها الانسحاب من الشرق الأوسط ولا سيما سورية قبل أن تتراجع عن هذه التصريحات ويتم تمديد حالة الطوارئ الخاصة في الملف السوري إلى عام آخر، وبهذا يعود دعم واشنطن إلى قوات الإدارة الذاتية مما يمنع شن أنقرة عملية عسكرية لأنَّ ذلك سيترتب عليه صدام مباشر مع واشنطن، وهذا في الحسابات التركية يُعتقد أنَّه مستبعد بالرغم من استياء الرئيس التركي من دعم واشنطن للإدارة الذاتية. بينما على الطرف الآخر لا يقل تعقيد العائق الروسي عن الأمريكي، فروسيا التي وقعت مع تركيا ملحق سوتشي (2019) الخاص بمناطق نبع السلام ما زالت غير ملتزمة بما نصّت عليه بنود الاتفاق بخصوص إبعاد قوات الإدارة الذاتية عن الحدود التركية مسافة 30 كيلومترا على الأقل بينما الذريعة الروسية هي فشل تركيا في المقابل بعدم تحقيق تقدم فيما يخص بملحق موسكو (2020) الخاص بمنطقة إدلب والذي نصّ على ضرورة فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة. وبناءً على ذلك تبقى خيارات أنقرة في التعاطي مع الملف محدودة إلى حدٍ ما، ولا سيما إنَّ كانت أنقرة تريد الحفاظ على التنسيق المشترك مع القوى الأخرى دون اللجوء إلى خيار التحرك بشكل منفرد، ومن الواضح انَّ التقارب مع موسكو في ملف إبعاد التنظيمات الإرهابية هو أقرب من واشنطن ولكنه يحتاج إلى تنازل في ملف إدلب حول ملف الخطوط التجارية الدولية، وخاصةً الطريق التجاري M4 كذلك تنازل أنقرة عن مطلبها في تسيّر دوريات مشتركة على خط M5 وهذه الخطوة في حسابات أنقرة ستكون باهظة. يبقى خيار التحرك بشكل منفرد إن كانت تركيا مصممة على خيار عسكري هو الأصعب بما سيترتب عليه من انهيار كامل للاتفاقيات التي عُقدت مع كل من واشنطن وموسكو.