فتحت التصريحات الإيجابية التي أطلقها مسؤولين أتراك تجاه مصر خلال الفترة القليلة الماضية، الباب أمام سيل من التساؤلات حول إمكانية عودة العلاقات بين الجانبين، وسط أنباء تتحدث عن عقد لقاء "مصري – تركي" بحضور وفد يوناني وآخر قبرصي لبحث ملف شرق المتوسط.
وبدأت مؤشرات تحسين العلاقات بين القوتين الإقليميتين تلوح في الأفق عندما أعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" في الثلاثين من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي أن العلاقات بين الأنقرة والقاهرة ليست مقطوعة، وأن هناك تواصلات على مستوى جهازي الاستخبارات بهدف تحسينها.
وثمن وزير الدفاع التركي "خلوصي آكار" إحترام مصر للجرف القاري التركي خلال أنشطة التنقيب عن عن النفط شرق المتوسط، مشيراً إلى أن البلدين لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة ويمكن أن ينعكس تفعيلها على حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة.
وأعرب "آكار" في تصريح يوم السبت الماضي اعتقاده بإمكانية إبرام اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع مصر في الفترة المقبلة، مضيفاً أن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" يواصل الأعمال اللازمة بالتنسيق مع المؤسسات والمنظمات والوزارات ذات الصلة في هذا الإطار.
ويوم أمس الثلاثاء، قال المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بتركيا، "عمر جليك" إن "هناك أواصر قوية للغاية مع الدولة المصرية وشعبها تعود لتاريخ قديم، وبدون شراكتنا التاريخية لا يمكن كتابة تاريخ المنطقة، ولا إفريقيا ولا الشرق الأوسط ولا البحر المتوسط".
واعتبر "جليك" أن هناك وضعاً جديداً في البحر المتوسط، ليس فقط فيما يتعلق بقضية الغاز، مضيفاً: "بعد أن ظهرت الأزمة السورية استقرت السفن الحربية لجميع دول العالم في المتوسط، وزاد الأمر أكثر بعدما ظهرت قضية ليبيا".
وألمح "جليك" إلى استعداد أنقرة في الدخول بحوار مع القاهرة لحل الخلافات العالقة "دون تخلي تركيا عن موقفها السابق القائم على المبادئ" -في إشارة إلى الانقلاب العسكري في مصر عام 2013-، مضيفاً: "لكن هذا بالطبع منوط بأن يكون نفس النهج متبادل".
وحول إمكانية تحسن العلاقات بين البلدين، أوضح الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية "طه عودة أوغلو" أن ملامح التقارب بين أنقرة والقاهرة بدأت في التجلي بعدما تحدث وزير الخارجية التركي عن رغبة بلاده في التفاوض مع مصر حول إمكانية إبرام اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين.
ورأى "أوغلو" في حديث لموقع "نداء بوست" آخر الرسائل الإيجابية كانت على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالن" التي قال فيها إنه "يمكن فتح صفحة جديدة في علاقات بلاده مع مصر ودول الخليج الأخرى من أجل استقرار المنطقة"، معتبراً أن تلك التصريحات هي "عنوان لما يدور في الكواليس وسيظهر قريباً للعلن".
وأضاف أن التصريحات التركية المتتالية على المستويين السياسي والعسكري هي بمثابة "إشارات واضحة على وجود تقدم في الاتصالات التي باتت مؤكدة بين كل من مصر وتركيا رغم الخلافات السياسية"، في محاولة للتوصل لاتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وإمكانية تحسين العلاقات السياسية بعد سنوات طويلة من الخلافات والقطيعة.
وعلى الرغم من هذه الأجواء الإيجابية، إلا أنه لا يوجد تصور دقيق حول ما جرى خلال الأسابيع الماضية، وطبيعة المباحثات، في ظل امتناع الجانبين عن التحدث حولها، إلا أن مؤشرات كثيرة أعطت صورة أقرب لما يحصل، في حين بعثت التصريحات الرسمية التركية الأخيرة مؤشرات شبه قطعية على وجود هذه الاتصالات بل واحتمال قرب التوصل إلى اتفاق على المدى القريب، وفقاً لـ"أوغلو".
وأشار محدثنا إلى أن انتقال المباحثات من الشق الإستخباراتي خلال الفترة الماضية إلى الشق السياسي هي "تعبير واضح عن وجود جهود حقيقية بين البلدين لتجنب الصدام في المتوسط، والتمهيد لتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين".
وأضاف أن ما يجري حالياً هو محاولة لوضع أرضية للتفاهم انطلاقاً من المصالح القومية بعيداً على الخلافات السياسية، مشيراً إلى أن تقديرات سابقة للمخابرات ووزارة الخارجية المصرية أوصت بضرورة التوافق مع تركيا حول المتوسط.
واعتبر أن السيناريو الأرجح في مسار العلاقات التركية المصرية هو "التصالح الحذر"، مضيفاً: "إلا أن ذلك مرهون بالخطوات التي ستقدمها أنقرة لطمأنة القاهرة خلال المرحلة القادمة، ومن دون شك أي تقارب تركي خليجي وخصوصا مع السعودية سيصب في مصلحة تطبيع العلاقات التركية المصرية".
وبخصوص التسريبات التي تحدثت عن عقد اجتماع "مصري – تركي" بحضور مسؤولين من اليونان وقبرص، قال الدكتور في العلاقات الدولية "علي باكير" إن تركيا دعت سابقاً إلى مؤتمر يضم جميع الدول المعنية بشرق المتوسط للاتفاق على حل الخلافات العالقة باعتبار هذه الخطوة السبيل الوحيد لتجاوز التحديات الحالية والتوصل الى تسوية عادلة وتقاسم للثروات في المنطقة.
وأضاف "باكير" في حديث لموقع "نداء بوست": من هذا من المنطلق، لا أعتقد أن تركيا تعترض على أي صيغة من شأنها أن تساعد في التوصل إلى حل من هذا القبيل"، مؤكداً أن "الاجتماع المذكور أنفاً في حال تأكد عقده سيكون خطوة إيجابية، إلا أنه لا يوجد مؤشرات على رغبة يونانية بهذا الشأن".
تجدر الإشارة إلى أن الأشهر الماضية شهدت تصاعداً في التوترات بين تركيا وليبيا وقبرص التركية من جهة، واليونان ومصر وإسرائيل وقبرص الرومية من جهة أخرى، بسبب التنافس على الثروات الاقتصادية شرق البحر المتوسط ومحاولة الطرف الثاني ترسيم الحدود البحرية بشكل "غير عادل".