نداء بوست – أخبار سورية – تحقيقات – هاني العبد الله
“صارت الكهربا مجرد رفاهية مو شي أساسي” يتحدث “أبو منذر” من أهالي دمشق ساخراً من سوء واقع الكهرباء في مناطق النظام، عقب زيادة ساعات التقنين مؤخراً، والتي وصلت إلى حدٍّ لا يطاق لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة، في وقتٍ تتذرع فيه حكومة الأسد بحججٍ واهية، دون إيجادها أي حلول لأزمة الكهرباء التي تعاني منها مناطق سيطرتها منذ سنوات.
أسباب أزمة الكهرباء
صرّحت وزارة الكهرباء التابعة للنظام لصحيفة “الوطن” الموالية أمس، أن إنتاج الطاقة الكهربائية تراجع بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة، حيث بلغ الإنتاج الحالي 1900 ميغاواط، بعد أن كان يصل إلى 2500 ميغاواط (نحو 20 بالمئة).
وزعمت وزارة الكهرباء أن انخفاض توليد الطاقة الكهربائية، جاء نتيجة انخفاض حجم التوريدات من الغاز إلى مستوى غير مسبوق، حيث وصلت التوريدات إلى نحو 6.5 مليون متر مكعب يومياً، بعد أن كانت في السابق تصل لنحو 9 ملايين متر مكعب في اليوم.
ويرى المحلل الاقتصادي، “رضوان الدبس”، أن أزمة الكهرباء تحصل نتيجة عدة مشاكل بعضها حديثة، وبعضها قديمة ما زالت آثارها حتى الآن، فمن أبرز الأمور التي حصلت مؤخراً وأثرت على واقع الكهرباء، أن النظام دخل العام الحالي ولديه عجز في الميزانية، وقد ظهرت آثاره مؤخراً، الى جانب توقف خطوط الائتمان من ايران، التي كانت تدعم الأسد بالنفط، وانقطاع الدعم من روسيا نتيجة انشغالها بالحرب مع أوكرانيا، فضلاً عن غلاء أسعار النفط عالمياً.
وأضاف “الدبس” لموقع نداء بوست أن “هناك مشاكل قديمة ومستمرة تؤثر أيضاً على واقع الكهرباء في مناطق النظام، أبرزها نقص الوقود، في ظل خروج الكثير من حقول النفط والغاز عن سيطرة الأسد، وعدم امتلاكه القطع الأجنبي لاستيراد المحروقات، اضافةً الى أن البنية التحتية للكهرباء تعرضت للدمار أو السرقة، والأسد عاجز مالياً عن صيانتها”.
“خيار وفقوس“
نشرت وزارة كهرباء النظام بيانات توزيع الطاقة الكهربائية على مستوى القطاعات، مدّعيةً أن حصة الاستهلاك الصناعي من الكهرباء بحدود 22 بالمئة فقط، مقابل نحو 48 بالمئة تذهب للاستهلاك المنزلي، وأن نحو 20 بالمئة معفاة من التقنين لتغذية المنشآت الحيوية التي تؤمن الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل المشافي والمطاحن ومحطات ضخ المياه.
وأوضحت الوزارة أن آلية توزيع الطاقة الكهربائية، تتم من خلال تأمين المنشآت الحيوية أولاً، في حين يتم تزويد حلب بأكثر من 400 ميغا واط، وريف دمشق تحصل على حصة مشابهة، تليها دمشق ثم اللاذقية، حيث يتم توزيع الكهرباء على الشبكة وفق معايير ومحددات تراعي الكثافات والتجمعات السكانية، بحسب الصحيفة الموالية.
مصدر في وزارة كهرباء النظام فضّل عدم ذكر اسمه، نفى مزاعم حكومة الأسد حول وضع معايير محددة لتوزيع الكهرباء للسكان، مشيراً إلى أن توزيع التيار الكهربائي يخضع لسياسة “الخيار والفقوس” على حد وصفه.
وأوضح المصدر ذاته لموقع “نداء بوست”، أن النظام يحرص على إيصال الكهرباء إلى المناطق الموالية له، فعلى سبيل المثال تصل الكهرباء طوال الليل ولعدة ساعات في النهار، إلى مناطق جرمانا والديماس وضاحية الأسد وأبو رمانة والمالكي ومناطق أخرى يقطنها شخصيات أمنية ومسؤولون، بينما باقي المناطق غارقة في الظلام”.
ولفت المصدر إلى أن ضابطاً في أحد الأفرع الأمنية، اتصل في إحدى المرات بمؤسسة الكهرباء، وطلب منها إيصال التيار الكهربائي لمنطقته كي يشاهد مباراة كرة قدم، فتم تشغيلها له فوراً، موضحاً أن النظام قادر على تغذية مناطقه بالكهرباء، والدليل على ذلك أنه خلال الأعياد والمناسبات يتم تغذية كل المناطق بالكهرباء، لكنه يتذرّع دوماً بنقص النفط، لملء جيوبه بالأموال.
وكانت صحيفة “البعث” التابعة للنظام، اعترفت في تقريرٍ سابقٍ لها، بأن عملية توزيع الكهرباء في ريف دمشق، تجري على “مبدأ الخيار والفقوس”، ففي الوقت الذي يتم الالتزام فيه بساعات التقنين المحددة في غالبية أحياء المحافظة، تزيد ساعات التقنين في “صحنايا” عن 6 ساعات قطع.
الصحيفة نقلت عن بعض الأهالي في “صحنايا” قولهم: إن هناك أحياء لا ينقطع عنها التيار الكهربائي أبداً خصوصاً «منازل لأشخاص تربطهم المصالح الشخصية والعلاقات ومحال تجارية لديها أكثر من خط في حال انقطاع أحدهما، يتم على الفور الوصل على الثاني».
استياء عارم
عبّر مواطنون في مناطق النظام عن استيائهم الشديد من سوء واقع الكهرباء، حيث وصلت ساعات التقنين مؤخراً إلى 16 ساعة قطع مقابل ثمان ساعات تشغيل، كما أن بعض المناطق الشعبية تقطع عنها الكهرباء لـ 20 ساعة يومياً.
يقول “أبو منذر” من أهالي حي الزاهرة بدمشق لنداء بوست: “غياب الكهرباء أمر مزعج جداً، خاصةً مع ارتفاع درجات الحرارة، فالإنسان بحاجة للماء البارد، إضافةً إلى ضرورة تشغيل المراوح أو المكيفات، لكن كل ذلك حُرمنا منه، مع غياب الكهرباء”، ليضيف قائلاً: بالمشرمحي اختنقنا من الشوب ونشف ريقنا”.
زيادة ساعات التقنين، تسبّبت في تلف كميات كبيرة من المؤنة لدى الأهالي، تقول “هند” من أهالي حي الشعار في حلب: “تحسّن وضع الكهرباء قبل شهر ونصف، ما شجّعني على عمل المؤنة ووضعها في الثلاجة، لكن بعد أسبوعين ساءت الكهرباء بشكلٍ كبير، حيث وصلت ساعات التقنين لحوالي 18 ساعة، وهذا تسبّب في تلف كل المؤنة، التي تصل تكلفتها لحوالي 200 ألف ليرة”.
وأعلن النظام في الثامن من تموز الماضي، دخول المجموعة الخامسة بمحطة حلب الحرارية للخدمة باستطاعة 200 ميغا، ما ساهم في تحسّن واقع الكهرباء في مدينة حلب، لكن فرحة الأهالي لم تطل، ففي منتصف آب الفائت انخفضت ساعات التغذية الكهربائية بشكلٍ كبير.
وزعم المدير العام “للشركة العامة لكهرباء حلب”، محمد الحاج عمر، لوسائل إعلام موالية، أن نقص توريدات النفط أثر سلباً على موضوع التقنين في حلب.
الأمبيرات مكلفة جداً
غياب الكهرباء دفع السكان في مناطق النظام إلى حلولٍ بديلة، إلا أن معظمها كان مكلفاً للغاية، وليس في متناول الجميع.
الحل البديل الذي انتشر بشكلٍ واسع في مناطق النظام كان مولدات الأمبير، والتي ظهرت في البداية بمدينة حلب، ثم انتقلت تلك التجربة إلى محافظات طرطوس واللاذقية وحماه وريف دمشق.
يعتمد نظام الأمبيرات على نشر مولدات كبيرة في الأحياء تعمل على المازوت، ومن يود الاشتراك بالأمبير يتفق مع صاحب المولدة على السعر وساعات التشغيل، ليقوم الأخير بتمديد كابلات كهربائية إلى البيت، تكون متصلة بقاطع كهربائي.
اشتكى المواطنون من الغلاء الفاحش لأسعار الاشتراك بالأمبيرات، وقال “أبو منصور” من أهالي حي الفيض بمدينة حلب، إن سعر الأمبير الواحد أسبوعياً في منطقته وصل إلى 30 ألف ليرة سورية، مضيفاً “ادفع 240 ألف شهرياً من أجل الاشتراك بـ 2 أمبير لتشغيل الثلاجة والإنارة، أي ما يعادل راتب موظف لشهرين”.
وتتفاوت أسعار الأمبيرات وساعات التشغيل من منطقةٍ لأخرى، في ظل غياب الرقابة من قبل النظام على أصحاب المولدات.
ويتراوح سعر الأمبير أسبوعياً ما بين 15-30 ألف ليرة، بينما تتراوح ساعات التشغيل من 6-10 ساعات يومياً.
الطاقة الشمسية بالملايين
الارتفاع الكبير في أسعار الأمبيرات، اضطر بعض الناس إلى الاستغناء عنها أو عدم استخدامها، واتجهوا نحو الطاقة الشمسية، التي ليست أقل تكلفةً من سابقتها، لكنها قد توفر كهرباء مستمرة وليس لبضع ساعات.
يقول أبو عبدو من أهالي حي دويلعة بدمشق: “بعد تفكيرٍ طويل قررت اللجوء إلى الطاقة الشمسية، صحيح أنك ستضطر لدفع مبلغٍ كبير، لكن بعدها ستضمن توفير الكهرباء طوال 24 ساعة، دون الحاجة لدفع تكاليف باهظة لتأمين محروقات المولدات، ولا حتى انتظار رحمة الدولة لتتحنّن عليك بالكهرباء، فقط تحتاج لإجراء بعض الصيانة الدورية للمعدات كل سنتين أو ثلاث سنوات”.
مصدر لـ”نداء بوست” زار محلات لبيع معدات الطاقة الشمسية في منطقتَي المناخلية والسويقة بدمشق، لمعرفة التكلفة الكاملة لتوليد الطاقة الشمسية.
ويتطلب توليد كهرباء للمنزل عبر الطاقة الشمسية، كفيلة بتشغيل الإضاءة وبعض الأدوات الكهربائية الخفيفة (التلفاز -الشواحن)، تركيب لوحَيْ طاقة شمسية، ويبلغ سعر اللوح الواحد 650 ألف ليرة سورية، وبطارية 100 أمبير بـ 250 ألف ليرة، ورافع جهد (إنفرتر) بـ 750 ألف ليرة، ما يعني أن التكلفة الكاملة مع أجور التركيب والإكسسوارات اللازمة، تصل لحوالَيْ مليون و800 ألف.
أما تشغيل الأدوات الكهربائية التي تحتاج استطاعة كهربائية كبيرة، كالثلاجة والغسالة والسخان والمكيف، فيتطلب شراء تسعة ألواح طاقة شمسية (سعر اللوح 650 ألف)، وقاعدة لتركيب الألواح بـ مليون ليرة، و4 بطاريات 240 أمبير، سعر الواحدة 600 ألف، وإنفرتر بـ مليونين و250 ألف، وبالتالي تصل التكلفة مع أجور التركيب والإكسسوارات، لحوالي 12 مليون ليرة.
المصدر ذاته استفسر من بعض الأشخاص الذين استخدموا الطاقة الشمسية عن سلبياتها، والذين أكدوا له أنها وسيلة مكلفة للغاية، إضافةً لاحتمال تعرض معداتها (البطاريات والإنفرتر) للتلف خلال بضعة أشهر إذا كانت من النوع الرديء، وبنفس الوقت لا تعمل الطاقة الشمسية بشكلٍ فعّال في أغلب فترات الشتاء، كما أن تركيب الألواح يحتاج إلى مساحاتٍ واسعة على سطح البناء قد لا تتوفر لدى الجميع.
ساعة المولدة بـ 6 آلاف ليرة
بعض أصحاب المحلات التجارية، اضطروا إلى تشغيل المولدات الكهربائية لتسيير أعمالهم، رغم تكلفتها الباهظة، خاصةً في المناطق التي لا تتواجد فيها أمبيرات.
“غسان” صاحب ملحمة في حمص، اضطر الأسبوع الماضي إلى إتلاف 15 كيلو لحم غنم، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع درجات الحرارة، ما تسبّب في خسارته 450 ألف ليرة، حيث قال: “الوضع لم يعد يطاق، الكهرباء لا تصل سوى خمس ساعات يومياً، وليس بمقدوري تشغيل المولدة بشكلٍ متواصل لتشغيل الثلاجة”.
وتبلغ تكلفة تشغيل المولدة لساعة واحدة ستة آلاف ليرة، حيث وصل سعر ليتر المازوت إلى 4 آلاف، وتحتاج المولدة إلى لتر ونصف من المحروقات كل ساعة، عدا الأعطال التي قد تتعرض لها.
غياب الكهرباء وارتفاع تكاليف المصادر البديلة لها، اضطر أغلب الناس إلى شراء بطارية لاستخدامها من أجل الإنارة وتشغيل الراوتر.
ويختلف سعر البطارية حسب جودتها واستطاعتها، وتتراوح ما بين 250-750 ألف ليرة، علماً أن عمر البطارية ليس طويلاً وقد تتلف بعد عدة أشهر، ويضطر الشخص حينها إلى شراء بطارية جديدة.
في ظل هذا الواقع، يرى المحلل الاقتصادي، “رضوان الدبس”، أن “النظام ليس لديه أي حلول لتحسين واقع الكهرباء، فهو لا يملك السيولة المالية من أجل الصيانة، أو تأمين النفط لتشغيل محطات الكهرباء، وليس بمقدور حلفائه حالياً تقديم الدعم له، وبالتالي الحل متوقف على حصوله على دعم من دول الخليج، أو وصول خط ائتماني جديد من ايران”.
وتشهد سوريا موجة حر منذ نحو أسبوع، وبلغت درجات الحرارة بين 40 – 43 درجة، وهي تعتبر الأعلى خلال هذا الصيف، الأمر الذي يزيد الضغط على الشبكة الكهربائية.