نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
يتفاعل الأردن، على المستويين الرسمي والشعبي، أكثر من أي دولة أخرى، عربية وإسلامية وأجنبية، مع أي أحداث تتعلق بالقدس ومُقدَّساتها.
وفي كل مرّة تصبح فيها القدس مسرحاً لأحداث ومواجهات مع المحتل الإسرائيلي، ومع غلاة المستوطنين، ممن يسعون لذبح القرابين داخل حرم المسجد الأقصى، أو لأي فعل مسيء لمقدسات إسلامية أو مسيحية، تعود للواجهة بشكل تلقائي قضية الوصاية الهاشمية على المُقدَّسات الدينية في القدس.
تنظم الفعّاليات الشعبية والحزبية الأردنية المسيرات الرافضة، تتوالى التصريحات الرسمية، تكثر الاتصالات من وإلى الفعّاليات أردنية، وأما العنوان الرئيسي فهو تلك الوصاية الممتدة على مساحة قرن من الزمان.
فما هي قصة هذه الوصاية؟ وكيف ينظر لها العالم؟
الوصاية الهاشمية..
بدأت في عام 1924، السيادة الأردنية على المسجد الأقصى منذ ما يعرف بـ”بيعة الشريف”، وتنقلت في أعوام لاحقة لقيادات محلية فلسطينية، لكن بعد حرب عام 1948 واحتلال فلسطين، وعندما أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تابعة للحكم الأردني، عادت الوصاية أردنية.
قبل ذلك، بايع رؤساء كنائس القدس الشريف الحسين وصياً على مقدساتهم منذ عام 1917 ورسمياً عام 1924، واستمرت هذه المبايعات حتى يومنا هذا.
في عام 1949 أعادت الإدارة المدنية الأردنية نظام الحكم المدني إلى الضفة الغربية، بموجب قانون الإدارة العامة على فلسطين، وفي عام 1950، تم توحيد الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن رسمياً.
وظل ذلك سارياً حتى عام 1967، أي عندما احتلت إسرائيل، الضفة الغربية، غير أن هذا الاحتلال لم يمنح إسرائيل أي حقوق مُلكية، لأن القانون الدولي ينص على أن الاحتلال لا يستطيع منح حقوق للملكية، ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران/ يونيو 1967 كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242، وبناء عليه، وبعد مرور مدة قصيرة من سيطرة إسرائيل على الحرم القدسي الشريف، تم، مجدداً، نقل السيطرة إلى الأردن.
وفي عام 1988 اتخذ الراحل الملك الحسين بن طلال، قراراً بفكّ الارتباط مع الضفة الغربية إدارياً وقانونياً، وتم ذلك بطلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أعلن في الوقت نفسه قيام دولة فلسطين، لكنه، ورغم فكّ الارتباط، أبقى الرئيس عرفات للملك الحسين حق الوصاية على المقدسات بشكل شفوي.
وبقي الحال على هذا الأمر حتى نهاية آذار/ مارس 2013 عندما وُقِّع اتفاقٌ تاريخيٌّ بين العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني في عمّان، أُعيد فيه التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، وأن الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصاً “الأقصى”، المعرَّف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف. مسيحياً، وقَّعت على اتفاق الوصاية الهاشمية الجديد في عام 2013، كل من: بطريركية الروم الأرثوذكس، وبابا الفاتيكان وبطريركية اللاتين، وبطريركية الأرمن، والكنيسة الأسقفية العربية، والكنيسة اللوثرية والسريان الأرثوذكس.
وبالتالي، فإنهم، ومنذ بداية ظهورهم السياسي على خارطة العالم مطالع القرن العشرين، ربط الهاشميون المهد الحجازي للإسلام بالقدس، بصفتها أُولى القبلتيْن المطهرة أرضها بمعراج الرسول الكريم إلى السماء، لتنبثق دولة بآفاق إمبراطورية، حجر زاويتها وثاق مقدس بين الشام والحجاز.
في هذا السياق يتحدث خبير العلاقات الدولية الدكتور حسن المومني، عن علاقة خاصة ربطت الهاشميين والأردنيين بفلسطين بشكل عامّ، والقدس بشكل خاص. واصفاً إياها بـ “العلاقة المتجذرة تاريخياً ودينياً ووجدانياً عَبْر قرن من التعاطي مع هذه المشكلة التي بدأت بعد وعد بلفور عام 1917، وتفجرت في عام 1948”.
وبحسب توافُق المراجع التاريخية جميعها، فإن الوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، تعود إلى حكم الشريف الحسين بن علي الذي تبرع بمبلغ 24 ألف ليرة ذهبية لإعمار المقدسات الإسلامية، تجسيداً للعهدة العمرية التي حملها الهاشميون عَبْر التاريخ، كرست مع تأسيس الدولة الأردنية عهداً جديداً من الوصاية والرعاية الهاشمية على المقدسات الدينية.
يقول أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية د. سلامة النعيمات: “إن فلسطين والقدس خاصة ودرّتها المسجد الأقصى حظيت بعناية الهاشميين عَبْر تاريخهم المشرف الطويل، منذ مطلع القرن الماضي إلى يومنا هذا؛ فقد واصل الملك المؤسس عبد الله الأول، الرعاية الهاشمية للقدس، وحرص على متابعة صيانة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وزيارتها بشكل مستمر حتى اختاره الله شهيداً في يوم الجمعة في 20 تموز/ يوليو عام 1951 على أبواب الأقصى”.
في عيونهم..
تتبدّل نظرة العالم لهذه الوصاية، بتبدّل سياساتها مع الأردن، أو مع إسرائيل، هذه الأيام، ومع الغضب الأمريكي من موقف إسرائيل المتردد حيال حرب روسيا على أوكرانيا، فقد أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن صراحة أن الوصاية الهاشمية على المقدسات خط أحمر، وينبغي على الجميع احترام هذه الوصاية.
المملكة العربية السعودية تتعامل مع هذه الوصاية تعامُل المنافس الذي كان يريدها لنفسه، لتصبح جميع المقدسات الإسلامية تحت رعايته وعين حراسته، ولينضم ثالث المساجد التي تُشَدّ إليها الرحال إلى ظلال إحاطته، بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة.
دون أن ننسى المنافسة التاريخية بين الأتراك وبين الهاشميين على هذه الوصاية.
ودون أن ننكر أن العثمانيين دعموا، وقد أيقنوا تراجُع دورهم في البلدان العربية، دوراً ممكناً للهاشميين هناك، فباركوا الأمر، وواصلوا، دون تعارُض مع الوصاية الهاشمية، دعم أهل القدس، ومساندة صمود المقدسيين.
أما أكثر المتحمسين لهذه الوصاية المتعلقين بها، فالشعب الفلسطيني المحتاج إلى أي مَدَدٍ من أهله العرب وأشقائه المسلمين.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية