ربما لم يمر النظام طيلة السنوات الماضية منذ قيام الثورة السورية بما يمر به من حيص وبيص كما يمر به خلال الأيام القليلة الماضية. ولعل الأحداث المتسارعة والزيارات التي حدثت وتحدث والتي بالتأكيد ستحدث لملك الكبتاغون في دمشق عقب التصريحات التركية عن نية أنقرة التقرب من النظام التي ما إن بدأت تلوح بالأفق باكورتها بلقاء وزير الدفاع التركي مع وزير دفاع النظام والتي جاءت برعاية روسية أقول ما إن بدأت بوادرها حتى بدأ النظام في حيص بيص يعزز هذا الحيص والبيص الزيارات والتصريحات لِلَاعبين إقليميين مؤثرين في المشهد السوري وعلى صنع القرار في دمشق ولا سيما من الجانب الروسي والإيراني وغيرها من الميليشيات التي تتحكم بمفاصل الدولة السورية، ومن خلفهم تصريحات واشنطن التي تراقب المشهد وما يحصل فيه، والتي تطل برأسها عقب كل تحرك لهؤلاء اللاعبين الذين يحاولون التقرب من رأس النظام ومحاولة التطبيع معه، ولا سيما أنقرة والذي فتح الرئيس رجب طيب أردوغان بمبادرته التقرب مع النظام وجميع الأطراف وجعلت كلّاً يُدلي بدلوه حول هذه الخطوة التركية، وكانت مقدمة هذا التقارب كما أشرنا اللقاء الذي جمع بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع وزير دفاع النظام ووزير الدفاع الروسي شويغو بوصف روسيا هي الراعي لمثل لقاءات كهذا.
الزيارة التي قام بها مؤخراً ألكسندر لافرنتييف المبعوث الروسي إلى سورية سبقها بأيام قليلة زيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، واللذان التقيا رأس النظام في دمشق، واليوم زيارة وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان التقى خلالها ملك الكبتاغون ووزير خارجيته فيصل المقداد، وقد أجرى كلٌّ من المقداد وعبد اللهيان مؤتمراً صحفياً تناولا أكثر ما تناولا مسألة التقارب مع أنقرة، متحدثاً في المؤتمر المقداد عن الشروط التي يضعها النظام للقاء القيادة التركية موضحاً أنه يجب أولاً خلق بيئة مناسبة لهذا اللقاء والتي وضعت على رأسها أن تقوم أنقرة بالانسحاب من الأجزاء التي تحتلها تركيا حسب المقداد!!
جميع هذه الزيارات والتصريحات تمحورت وتزامنت مع الحديث عن المبادرة التركية للتقارب بين أنقرة ورأس النظام، وجميع هذه التصريحات والزيارات قد جاءت من دول مؤثرة على أي قرار يمكن أن يتخذه رأس النظام بالنسبة لهذه المبادرة، فجميع هذه الزيارات هدفها أن يُدلي الجميع بدلوه ويقول كلمته في أية خطوة يمكن أن يخطوها النظام في هذا الاتجاه، فالمقداد في مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية إيران عبد اللهيان وللدلالة على ثقل الأطراف واللاعبين المؤثرين في المشهد السوري وخاصة إيران قد طرح تساؤلاً على الحاضرين من الصحفيين قائلا: “لكم أن تتخيلوا الوضع في سورية لولا علاقتنا القوية مع إيران” هذا التصريح يوضح مدى نفوذ إيران وميليشياتها في المشهد السوري، وبطبيعة الحال يمكن أن يندرج تساؤل المقداد على كل الدول والميليشيات الأخرى التي باتت هي المسيطرة والمصادرة لأي قرار يمكن أن يتخذ كإيران وروسيا وحزب الله وسواها, حتى الإمارات التي لا تُعتبر لاعباً في المشهد السوري إلا أنها لاعبٌ مهمٌّ على الأقل في قضايا الدعم المالي للنظام وهي الرئة التي لا يزال ملك الكبتاغون يتنفس من خلالها فقد جاء وزير خارجيتها كداعم مالي لتقول الإمارات ما يمكن لها أن تقوله في مسألة تقارب النظام مع أنقرة وقضايا أخرى تصب في هذا الاتجاه.
أطرافٌ كثيرة لا تريد تقارُب النظام مع أنقرة وكل له أسبابه الموجبة طبعاً والنظام هو آخر طرف يمكنه أن يقول كلمته في هذا الشأن فهو لم يعد يملك من أمره شيئاً حتى في أموره على المستوى الشخصي فما بالكم على مستوى قرار يهم الآخرين ويحد من نفوذهم فيما تبقى من سورية فهذا ما يشغل بال اللاعبين الذين يلعبون في الساحة السورية الذين يسميهم ملك الكبتاغون حلفاء وهم للمحتلين أقرب.
بشار الأسد لم ينكر أنه لا يملك من أمره شيئاً وأنه لا يستطيع أن يتخذ أي قرار بخصوص التقارب مع تركيا، فقد قال منذ يومين: “إن اللقاءات مع تركيا حتى تكون مثمرة فإنها بجب أن تبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين دمشق وموسكو من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي نريدها” هذا التصريح يدلل على مدى التبعية المطلقة لموسكو ولغيرها ممن يحتلون سورية.
ربما يأتي تحرك الأطراف في هذا التوقيت ولا سيما بعد الحديث عن تقارب تركي مع النظام كون الجميع بات يدرك أن النظام يمر بمرض الموت والجميع يسعى إلى الحصول على ما يمكن الحصول عليه من تنازلات، وبيع لِما لم يتم بيعه مما بين يدي النظام في مناطق سيطرته حتى اللحظة.
النظام حتى اللحظة ورغم كل الذي مر بسورية ما زال يُنظر إليه على أنه رئيس سورية على الأقل من منظور قانوني وبالتالي الميراث الذي ما زال بين يديه يستطيع من خلاله أن يحرم هذا ويصيب ذاك، ويقرب هذا ويبعد ذاك، باعتباره لا زال يملك المظلة القانونية حسب القانون الدولي، هذا الأمر الذي حدا باللاعبين للحصول على مزيد من التنازلات منه وما نراه من زيارات وتصريحات لمسؤولي الدول النافذة
والحليفة للنظام يصبّ في هذا الاتجاه فهي أي الدول التي يسميها رأس النظام حليفة لا تريد أن تخسر مكاسبها في سورية أو أن تجعل لاعباً وحليفاً آخر لملك الكبتاغون أن يأخذ نصيباً أكبر من نصيبها من إرث سورية، يؤيد هذا أنه وبعد زيارة عبد اللهيان اليوم سيقوم الرئيس الإيراني وبدعوة من رأس النظام بزيارة لدمشق لمناقشة قضية واحدة وهي مسألة التقارب التركي مع النظام ولا شك أنه سيبلغه بتحفظاته على اتخاذ مثل هذه الخطوة فهو يراها أي تقارب أنقرة مع دمشق لا تصب في مصلحة إيران يدلل على هذا تصريح نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني على تحفظه على التقارب التركي مع النظام محملاً رأس النظام أنه يتخذ خطوات بدون الرجوع إلى إيران في اتخاذها مثل هذه القرارات، وهذا التصريح لا شك ينسف تصريح وزير خارجية إيران في دمشق الذي قال في المؤتمر الصحافي مع فيصل المقداد بأن إيران ترحب بهذا التقارب وهذا التصريح إنما هو تقية سياسية اعتادت إيران أن تتقيها في مناسبات كهذه فهي تًظهر خلاف ما تضمر كعادتها.
رأس النظام لم يعد يعرف إلى مَن يريد أن يستمع من الأطراف التي كانت سبباً لبقائه حتى اليوم ، فجميع هذه الأطراف تريد أن تقبض ثمن بقائه حتى اللحظة، وما عليه سوى أن يقبل بما تفرضه هذه الأطراف فما قاله فيصل المقداد اليوم في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع وزير خارجية إيران صحيح عندما قال: “بأنه لكم أن تتخيلوا وأن تتصوروا الحالة التي ستكون عليها سورية أي النظام” لو لم تكن إيران موجودة في سورية” ينسحب هذا التصريح على كل الدول التي لولاها لما بقي بشار الأسد حتى اللحظة، فهو أي -بشار أسد- لا يملك إلا أن ينفذ ما تراه موسكو وإيران وغيرهما فهما من ثبتتاه حتى اللحظة وهما من يستطيعان خلعه إن أرادا، تناقضات مطالب الدول واتجاهاتها لا تسير وفق اتجاه واحد بل تسيران باتجاه معاكس لما يطلبون منه، الأمر الذي يجعل ملك الكبتاغون في حيرة حقيقية والحيص بيص الذي هو عليه في ذروته الآن وسيزداد حيصاً وبيصاً في الأيام القليلة القادمة.
نظام الكبتاغون غداً كمُسيّر وكمعقب معاملات ومصالح لأطراف كثيرة لكل مَن يريد أن ينهي معاملاته ومصالحه في سورية ملتفتاً عن كل مصلحة حقيقية لسورية وللسوريين، فعندما تصطدم مصالح أصحاب المعاملات وتتناحر تظهر فطوم حيص بيص وهي تدير فندقها مع زبائنها على نحو فاشل على الشكل الذي رأيناها تديره في مسلسل صح النوم الشهير.