مع اقتراب الحرب الروسية – الأوكرانية من عامٍ كامل، لا تخطئ عين المراقب أن الأمر بات أكبر من مجرد عملية عسكرية محدودة لتحقيق أهداف معينة كما كانت تخطط روسيا، فقد غاص كل من الغرب وروسيا في هذا الصراع الذي أصبح على رأس قائمة أولوياتهم إلى مسافات عميقة.
بالتوازي مع الاهتمام البالغ بالحرب في أوكرانيا، تحديداً من قبل روسيا وأمريكا، تصاعدت الشكوك حول مستقبل الصراع في سورية، ويبدو أن الدول الإقليمية، وعلى الأخص المتاخمة لسورية، تتخوف من تجميد النزاع مع استمرار تحملها لتبعاته، وأبلغ تعبير على تلك المخاوف كانت تصريحات مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فريدون سينيرلي الصادرة عنه في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، التي حذر فيها من تحول سورية إلى “نزاع مجمد”، ودعا إلى تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي.
المبادرة التي كشفت عنها الأردن في أيلول/ سبتمبر 2022، الداعية إلى عملية سياسية في سورية يقودها العرب، وإطلاق لبنان خطة منسقة مع النظام السوري في آب/ أغسطس من العام الجاري، تهدف للتخلص من عبئ اللاجئين، وتكثيف تركيا مباحثاتها السياسية مع النظام خلال الأشهر الماضية، كلها مؤشرات واضحة على تحرك إقليمي، يهدف إلى اختراق حالة الجمود التي أصابت الملف السوري بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وتجميد روسيا حضور وفد النظام السوري اجتماعات اللجنة الدستورية، حيث تبحث الدول الإقليمية فيما يبدو عن تحقيق مكتسبات، منها ما هو متعلق بالشق الأمني مثل الحد من خطر التنظيمات الإرهابية التي تهدد حدود تركيا والأردن بشكل أساسي، أو التحلل من أعباء اللاجئين بشكل تدريجي، من خلال التفاهم مع النظام السوري، والتعاطي معه كأمر واقع لتحصيل تلك المكتسبات.
إن هذه التوجهات لدى الدول الإقليمية ليست حديثة النشأة، بل يمكن القول أنها تبلورت في عام 2017، في أعقاب إيقاف الولايات المتحدة الأمريكية لبرنامج تسليح المعارضة العسكرية السورية، حيث اقتنعت دول الجوار السوري أن واشنطن ليست جادة في إسقاط النظام، ومنذ ذلك الحين اتجهت للبحث عن حلول لمشاكلها من خلال توافقات مع روسيا الضامن الأكبر للنظام السوري، وتجسد هذا بإطلاق تركيا لعملية درع الفرات ثم غصن الزيتون، وأيضاً عن طريق اتفاق المصالحة في الجنوب السوري، لكن من الواضح أننا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، لا تمانع فيها الدول الإقليمية بما فيها تركيا التعاطي المباشر مع النظام السوري لعقد تفاهمات جزئية، قد لا تؤدي بالضرورة إلى تعويم النظام، لكنها ستساهم في إعطاءه دفعة معنوية، وستكون على حساب مصالح المعارضة السورية.