ينقسم السوريون تارةً تِلْوَ أخرى انقساماً يتعلق بقضيتهم المركزية أحياناً ويمتد أحياناً أخرى ليشمل المباريات الكروية ومهاتراتها، أو أصناف الأطعمة وتَبَعِيَّتها لأي المطاعم الجِهَوِيَّة. وآخِر هذه الانقسامات الذي شهدتها الساحة السورية (المعارضة)، جاءت بعد قيام الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بإجراء عملية مراجعة وإعادة هيكلة، تضمنت -فيما تضمنته- فصل بعض أعضاء الائتلاف، بالإضافة لإلغاء مكوّنات يحتويها الأخير.
بعد عدة مقترحات لإصلاح مؤسسة الثورة، أُلقيت جميعها في غياهب الجُبّ، أقدم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مؤخراً على إحداث تغييرات شملت تعديل النظام الأساسي للائتلاف مع فصل أعضاء وضم أعضاء جدد بدلاً عنهم. مما ولّد ردة فعل وصلت لتشكيل ائتلاف بديل من قِبل الأعضاء المفصولين، مع بيانات وتصريحات ممهورة بالتخوين، بعد أن غدت هذه التهمة ماركة سورية مسجلة وحاضرة في كل خلاف بالرأي بين السوريين. تبع ذلك تفاعُل الشارع السوري بين مؤيد ومعارض لتلك الإجراءات، وهو حق طبيعي لكل إنسان في التعبير عن رأيه، دون التمدد لحالة التخوين ومحاكمة النوايا، حيث تقع الأخيرة ضِمن صلاحيات الإله لعلمه بالخفايا.
وفي تصريحه لوكالة “الأناضول” التركية قال الشيخ سالم المسلط، رئيس الائتلاف السوري: إن “التغييرات التي حصلت داخل الائتلاف الوطني تضمنت إقرار نظام أساسي جديد للائتلاف الوطني يتماشى مع المرحلة الحالية”.
وأكد المسلط أن “خطوات الإصلاح هذه لم تكن اعتباطية أو ارتجالية أو تحت أي ضغط، وإنما خضعت لمناقشات معمقة على مدى أربعة أشهر ثم أقرتها الهيئة العامة للائتلاف بموافقة 60 وامتناع صوت وغياب ثلاثة”.
توقفت القلة التي تصدّرت مهاجمة الائتلاف من جانب موضوعي -حسب وجهة نظرها- عند حدود المادة الثامنة من النظام الأساسي القاضية بـ “أن ينتخب الائتلاف بالاقتراع السري في أول اجتماع له من بين أعضائه رئيساً وثلاثةَ نوابٍ للرئيس من بينهم امرأة، وأميناً عامّاً. لمدة أربعة وعشرين شهراً قابلة للتجديد لمرة واحدة”، لتعزيز وجهة نظرهم حول بناء ديكتاتوريات وهياكل صنمية في ثورة الحرية والتغيير، على اعتبار أن مدة السنتين تكرس هذا التوجُّه. وكان الأَوْلَى بهم متابعة النظام الداخلي حتى النهاية لتوجيه نقد بنّاء يساهم في مساعدة الائتلاف على إتمام عملية الإصلاح والتغيير. فقد تضمَّن النظام الأساسي موادَّ، منها ما يحتاج التفنيدَ ومنها ما يحتاج إعادة الصياغة، كالمادتين الآتيتين:
الفقرة الثامنة من المادة العاشرة والتي تنصّ على أن، “يكون لرئيس الائتلاف سلطة “رقابية” على جميع اللجان التخصصية وهيئات الائتلاف ومؤسساته، وله اتخاذ القرارات المناسبة”. وكان الأَوْلَى أن تكون سلطة رئيس الائتلاف سلطة إدارة وإشراف، مع ضرورة وجود لجنة مختصة بالرقابة.
نص المادة 36، والقاضي بأن: “أي خلاف ينشأ بشأن تفسير أو تنفيذ أحكام هذا النظام يختص بنظره الائتلاف ويكون قراره ملزمَ الشأن على أن يصدر هذا القرار بأغلبية ثلثَيْ أعضاء الائتلاف”. وكان الأَوْلَى وجود لجنة قانونية مستقلة شبيهة بالمحاكم الدستورية في الدول، تتولى مهمة الفصل في قضايا النزاع حول تفسيرات النظام الأساسي.
في الندوة التي عقدها الشيخ سالم المسلط في مقر وحدة دعم الاستقرار في مدينة غازي عنتاب بتاريخ 15 نيسان الماضي أشرك/حمّل الرئيس جمهور الثورة المسؤولية، بمطالبتهم بترشيح شخصيات على قدر من الوعي والفاعلية لتعزيز فاعلية الائتلاف وضمان حسن أدائه لمهامه الموكلة إليه.
ورغم حقيقة فشل الائتلاف في أداء مهامه خلال السنوات الماضية، إلا أن هذا الفشل غير محصور في البِنْية الداخلية للائتلاف أو بشخوصه، بقدر ما هو ممتد ليشمل غالب الساحة الثورية كمكونات وأفراد. مما انعكس سلباً على عمل الائتلاف، ولو امتلكنا الشجاعة على المصارحة لذكرنا القيمة الحقيقية التي أوليناها للائتلاف بداخلنا أو بعملنا، وهي قيمة تقارب العدمية. ففي اجتماع مخصص لإعلان مواجهة “داعش” في مدرسة المشاة صيف عام 2013، توافق المُؤتمِرون على القتال، غير أن البيان صدر بشتم الائتلاف وتخوينه بدلاً من إعلان القتال، بعد استقبال زعيم المؤتمر لأحد أمراء التنظيم الأسود في نهاية المؤتمر. ناهيك عن تثقيلنا لأهمية الفصائلية والجيش الحر على حساب المكوّن السياسي للثورة منذ بدايتها حتى الآن، مما شجعها على البقاء منفلتةً خارج حدود الضبط المؤسساتي أو السيطرة عليها من قِبل المؤسسة السياسية الثورية، لبرمجة المعارك بهدف تحقيق المكاسب السياسية الثورية، مما نتج عن هذه الفجوة معارك ودماء بدون مكاسب، بالإضافة لتعميق الحالة الفصائلية الناتجة عن ترجيح العسكرة على حساب السياسة، وخروج الأُولى من نطاق المساءلة.
وبالعودة إلى الإجراءات الأخيرة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة فهي إجراءات خاصة بالمؤسسة، التي يفترض أنها تمثل السوريين الثوريين في مسيرة نضالهم لإسقاط النظام المستبد، وأيّ إضعاف لهذه المؤسسة هو إضعاف للثورة وأيّ تقوية لها هي تقوية للثورة، وبما أنه من حقنا مساءَلتهم ومحاسبتهم على القصور في عملهم، كذلك من حقهم تقوية البِنْية الداخلية للمؤسسة الثورية، من خلال عضوية متجانسة لأفرادها، لا تخرج عن خطها العامّ، كما شهدنا في حالة الأستانة وسواها من المسارات التي ابتدعها العدو الراعي لهذه المنصات.
لست من أنصار الرأي الواحد بعد أن خرجنا عليه في ثورتنا، لذا من حق الجميع نقد الائتلاف وغيره من المؤسسات، مع المطالبة بشفافيتها وعدم ابتعادها عن قاعدتها الشعبية، ومن حقهم الاختلاف بالرأي أو الأسلوب، غير أن القضايا الوطنية لا تحتمل الخلاف أو توسعته بقدر ما تحتمل التبايُن في الرُّؤَى والتكتيكات للوصول إلى الهدف المشترك، أو بمعنى أدقّ التوافُق على الثوابت والتباين في الوسائل، وهو ما لا تقبله الساحة السورية، التي لا ترى إلا لونين، الأبيض والأسود، المناضل الثوري أو الخائن العميل. ولا أدري ماذا يُقال في حالة كحالتنا هذه أكثر من القول إنها حالة طفولية (التعبير توصيفي لا يحمل الإهانة)، تقوم بتكسير مقتنياتها ثم تبكي عليها.