نداء بوست – تحقيقات – إسطنبول
يضطر اللاجئون السوريون في تركيا، للدخول إلى المشافي التركية لتلقي العلاج، كونها تقدم علاجاً مجانياً لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة “الكمليك”، إضافةً إلى الاهتمام الجيد بالمرضى، إلا أن بعض السوريين واجهوا العديد من التحديات داخل تلك المشافي، وأبرزها العنصرية والتنمّر.
يعاني السوريون في تركيا، من سلسلة عقبات تواجههم خلال رحلتهم للبحث عن العلاج، تبدأ من رفض المستشفيات التركية استقبال السوريين الذين لا يملكون وثائق، ولا تنتهي عند حاجز اللغة والسماسرة والعنصرية.
من يحق له العلاج المجاني؟
ينقسم السوريون في تركيا إلى أربعة أقسام، وهم حَمَلة “بطاقة الحماية المؤقّتة” المعروفة اختصاراً باسم “الكمليك”، وحَمَلة “إقامة العمل” الذين يعملون في شركات مرخّصة وهؤلاء عددهم قليل، بسبب عدم رضا معظم الشركات منح إقامة العمل للسوريين، وحاجتها لوجود مدة في جواز السفر والإقامة السياحية.
أما القسم الثالث، فهم أصحاب الإقامات السياحية ويُجدّدونها مرّة كل عام أو عامين، بينما يشمل القسم الرابع السوريين الذين يعيشون في تركيا، ولا يحملون أي وثائق.
الحاصلون على الكمليك، وحاملو “إقامات العمل”، هم وحدهم لهم الحق في الحصول على الرعاية الطبية المجانية، في حين أن حاملي الإقامات السياحية، أو الذين يعيشون بلا وثائق، فلا رعاية طبية مجانية لهم، سواءً في المستشفيات العامة أو المراكز الطبية التركية.
تنمّر وعنصرية
تعرّض العديد من السوريين لمواقف عنصرية في المشافي التركية، سواءً من قبل الأطباء أو الممرضين أو المراجعين والمرضى الأتراك في المشفى، وتطال العنصرية في الغالب السوريين الذين لا يتقنون اللغة التركية.
تقول أم ناصر، سيّدة سورية في إسطنبول: “دخلت إلى إحدى المشافي الحكومية الشهر الماضي من أجل إجراء عملية ولادة قيصرية، وكان زوجي يرافقني كوني لا أجيد اللغة التركية، لكن في بعض الأحيان يضطر للذهاب إلى عمله، وأبقى لوحدي وهنا تكون المشكلة”.
تضيف أم ناصر في حديثها لموقع “نداء بوست”: “لا أجيد اللغة التركية، لذا حين يتحدث معي الأطباء والممرضين، لا استطيع فهم ما يقولون، وهنا يبدأون بالتذمر في وجهي، والحال نفسه حين احتاج لشيء ما، وأحاول عبر الإشارة وبعض الكلمات التركية التي أعرفها الحديث معهم، لكنهم يتجاهلون طلبي، رغم أنهم قد فهموا ما أريد، لكن أغلب الأتراك هنا يفضلون أن يتحدث معهم الأجانب بلغتهم وبدون أي أخطاء”.
ويتميّز الشعب التركي بأنه شعب قومي يقدّس لغته بشكلٍ كبير، لذا فإن أغلبهم لا يهتم لتعلم أي لغة أجنبية أخرى خاصة اللغة الإنكليزية، وهذه مشكلة واجهت السوريين الذين لم يستفيدوا من إتقانهم اللغة الإنكليزية، بسبب عدم قدرة كثير من الأتراك على التحدث بها إلا مَن يعملون في المناطق السياحية، ما دفع أغلب اللاجئين إلى تعلم لغة هذا البلد لتجنُّب كل العقبات.
وتابعت أم ناصر: “في بعض المرات، حين تقوم الممرضة بإعطائي الحقنة أصرخ من الألم، وبدلاً من أن تحاول تهدأتي، تبدأ بالصراخ في وجهي، وتقول لي بالتركية sus أي اخرسي، شعرت بتعبٍ نفسي من سوء معاملة أغلب الممرضات في المشفى، ولولا حالتي المادية المتردية، لكنت أجريت العلاج في مشفى خاص”.
العنصرية ضد السوريين تزداد نتيجة معتقداتٍ خاطئة لدى كثيرٍ من الأتراك، حيث يعتقد بعضهم أن العلاج المجاني الذي يتلقاه السوريين في المشافي الحكومية، تدفعه الحكومة التركية، بينما في الواقع يتكفّل الإتحاد الأوروبي وبعض المانحين الدوليين، بدفع تكاليف العلاج وغيرها من المساعدات المالية.
ياسين. ع، سوري مقيم في ولاية مرسين، كان كذلك أحد ضحايا العنصرية، حيث قال: “خلال تواجدي في مشفى مرسين الحكومي، وبينما كنت اتحدث بلغتي الأم مع شقيقي داخل المشفى، سمعنا رجل تركي مسن كان يجلس بجانبنا، والتفت لنا قائلاً (أنتم في بلدنا وعليكم التحدث بالتركية فقط. إذا كنتم تريدون الحديث بلغتكم فعودوا فوراً إلى بلدكم!).
“اللغة” مفتاح الحل
عدم إتقان كثير من السوريين اللغة التركية، يحول دون قدرتهم على شرح حالتهم الصحية أو حالة ذويهم للطبيب، وهذا يعتبر أمراً بالغ الخطورة، خاصةً في حال كان السوري يقوم بإسعاف شخص في حالةٍ حرجة.
سعيد. ك، أسعف ابنه إلى مشفى بغجلار الحكومي في إسطنبول، بعدما كان يشتكي من ألمٍ شديد في معدته، حيث بدأ الطبيب يطرح عليه بعض الأسئلة لفهم حالة الطفل، لكن عدم قدرته على التحدث بالتركية أوقعته في موقفٍ محرج، خاصةً أن حالة ابنه كانت تزداد سوءاً، وهو غير قادر على الإجابة على أسئلة الطبيب.
يقول سعيد، لموقع “نداء بوست”: “كان الطبيب مصرّاً أن يعرف ماذا أكل أو شرب ابني، وما الأعراض التي شعر بها، كي يعرف ما الإجراء الطبي الذي سيقوم به، لكني لم أعرف كيف أجيبه، فطلب مني جلب مترجم فوراً، وبعد بحثٍ لنصف ساعة استطعت العثور على شاب سوري يجيد التركية”.
يضيف سعيد: “استطاع المترجم شرح حالة ابني للطبيب، الذي سارع إلى نقله لقسم العاجل، حيث تبيّن أن ابني كان يعاني من التهابٍ حادٍ في الزائدة الدودية، ولو تأخرنا قليلاً لكانت انفجرت الزائدة ودخل في حالةٍ خطرة، وبعدما خرج ابني من المشفى معافى، صمّمت على تعلم اللغة التركية، كي لا أقع مرةً أخرى في مثل ذلك الموقف الذي لن أنساه”.
العديد من السوريين الذين قابلناهم أكدوا أهمية التحدث باللغة التركية، والتي ساعدتهم في مواجهة العنصرية أو تجنبها، اضافةً إلى قدرتهم على التواصل بشكلٍ جيد مع الأطباء والممرضين، لفهم حالة ذويهم، وتقديم العلاج المناسب لهم.
جشع بعض المترجمين
تتعقّد مشاكل السوريين في المشافي التركية، في ظل صعوبة قدرتهم على استخدام المصطلحات الدقيقة، وتقديم شرح مفصّل للطبيب عن الأعراض التي تواجههم، ما يجعل معظم المرضى مضطرين لطلب مساعدة من مترجمين (بالأجرة) داخل المستشفيات، ولا سيما مع عدم وجود ناطقين بالعربية في أغلب المشافي.
يقول أنس. ب، سوري يقيم في هاتاي: “المشكلة في المشافي، أنه حتى لو كان الشخص يتحدث التركية بنسبة 50 -60%، فإن ذلك لن يُسعفه كثيراً، لأن هناك مصطلحاتٍ طبية لن يفهمها إلا من يتحدث اللغة التركية بطلاقة، وبالتالي أغلب السوريين يحتاجون إلى مترجم في المشفى، عكس الدوائر الحكومية التي يمكن خلالها حتى لمن يتحدث اللغة بشكلٍ متوسط أن يُيسر أمره”.
يضيف أنس: “بعض المترجمين يستغلون حاجتنا لمترجم في المشفى ويطلبون أجوراً مرتفعة، ففي إحدى المرات احتجت لمترجمٍ عاجل في المشفى، ولم أسأله عن أجره لأني كنت مشغولاً بزوجتي التي كانت على وشك أن تلد، وبعدما بقي معنا أربع ساعات، سألته عن الأجر، فطلب 1200 ليرة تركية أي 300 ليرة على الساعة، تفاجأت بهذا المبلغ الباهظ، وبعد جدالٍ طويل وافق على تقاضي ألف ليرة، والتي تعتبر أيضاً مبلغاً ليس قليلاً بالنسبة لعاملٍ مثلي يتقاضى راتباً شهرياً قدره 6 آلاف ليرة”.
اهتمام طبي
رغم السلبيات التي واجهها كثيرٌ من السوريين في المشافي التركية، لكنهم اعترفوا بأن هناك اهتماماً جيداً من قبل الأطباء بالمرضى خاصةً الأطفال.
هبة. م، سيّدة سورية من سكان إسطنبول، تفاجأت أن ابنها لديه انتفاخ في أحد عينيه، فقامت بأخذه للمشفى، وهنا بدأ الأطباء بإجراء التحاليل والصور والفحوصات المتكررة، إلى جانب مراقبة حالة الطفل على مدار الساعة.
تقول هبة: “رغم أن ابني تحسّن تماماً وزالت آثار الانتفاخ على عينيه، لكن الأطباء لم يوافقوا على خروجه من المشفى، بغية التأكد من صحة الطفل مئة بالمئة، لدرجة شعرت وكأني في سجن، حيث أصريت على الخروج خاصةً أن ابني الثاني يجلس لدى جارتي، وبعد إلحاحٍ مني وافقوا على منحي تصريح الخروج من المشفى، بعد أن وقّعت على إقرارٍ بإخراج الطفل على مسؤوليتي الشخصية”.
يتفق أنس. ب، مع كلام هبة، حيث أكد أن هناك اهتماماً واضحاً في المشافي الحكومية التركية بالمرضى بما فيهم السوريين، ويقومون بمراقبة حال المريض بشكلٍ دوري، عكس المشافي الحكومية في مناطق النظام التي تحوّلت إلى مسالخ، وليس هناك أدنى اهتمام بصحة المواطن.
يذكر أن عدد السوريين المسجلين ضمن نظام الحماية المؤقتة في تركيا، وصل إلى نحو ثلاثة ملايين و611 ألفاً و143 لاجئاً، بينما بلغ عدد السوريين العائدين إلى بلادهم 531 ألفاً و326 شخصاً، وفق ما أفاد نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل تشاتاكلي، الأسبوع الماضي.