نداء بوست- أخبار سورية- ملفات
يصادف اليوم، 10 حزيران، الذكرى الـ 22 لوفاة رجل حَكَمَ سورية بالحديد والنار، على مدار 30 عاماً استحوذ فيها على مقدَّرات البلاد، ووزعها على مقرَّبين منه، إلى حين وفاته وتوريث ابنه السلطة في غضون دقائق عقب تعديل دستوري.
“حافظ علي سليمان الأسد”، مواليد اللاذقية عام 1930 لأسرة تنحدر من الطائفة العلوية، تسلّم البلاد، بانقلاب عسكري في سبعينيات القرن الماضي، وبقي حتى 10 حزيران عام 2000 رئيساً للبلاد.
بعد سنوات قليلة من وصوله إلى الرئاسة، عيّن حافظ الأسد عام 1973 لجنة لصياغة الدستور، وأُقِرَّ في 12 مارس/ آذار باستفتاءٍ شعبي، يقول مراقبون إنّه استفتاء شكلي أجراه الأسد الأب، نصّب حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، ليحتكر بذلك الحياة السياسية في البلاد.
ووفقاً للدستور الذي فصّله الأسد، آنذاك “على مقاسه”، فإنه يتعيّن على القيادة القطرية لحزب البعث ترشيح رئيس الجمهورية عن طريق مجلس الشعب للاستفتاء دون وجود أي مرشح آخر.
كما أعطاه الدستور صلاحيات مطلقة، مثل رئيس السلطة التنفيذيّة، ويحق له إصدار التشريعات منفرداً أو حجب تمرير تشريع أقره البرلمان، وتعيينه رئيس المجلس الأعلى للقضاء والمعيّن للمحكمة الدستورية العليا والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
ولعل أخطر نقطة في “دستور حافظ الأسد” جعل “الاقتصاد السوري اشتراكياً يقوم على القطاع العامّ بشكل أساسي”.
وانتقل الأسد وفقاً للدستور، إلى قمع الحريات، دستوريّاً، من خلال “قانون الطوارئ لعام 1963 والذي يحظر التظاهر ويتيح الاعتقال التعسفي والتنصت رغم أنها جميعاً حقوق دستورية، وقانون حماية الثورة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 1965، وقانون المحاكمات العسكرية رقم 109 لعام 1968، والذي شرّع تقديم المدنيين للمحاكمات العسكرية، وقانون إحداث محاكم أمن الدولة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968، وقانون إعدام كل منتسب أو سينتسب للإخوان المسلمين رقم 49 لعام 1980 على خلفية أحداث الثمانينيات التي ارتكب فيها الأسد مجازر مروّعة بحقّ السوريين في حماة وحلب وغيرها من المدن السورية.
بدأ الاقتصاد السوري ينهار مع تسلُّم حافظ الأسد السلطة، حيث كان الدولار الأمريكي في عام 1976 يعادل 3.90 ليرة سورية، وعند وفاته أصبح الدولار الأمريكي يعادل 51 ليرة سورية، والآن في عهد ابنه يعادل أكثر من 3 آلاف ليرة سورية.
في ثمانينيات القرن الماضي، اتّخذ حافظ الأسد قراراً، أضرّ بسورية، ولا تزال تداعياته قائمة إلى اليوم، حيث أعلن تأييده للثورة الخمينية في إيران ودعمها والوقوف إلى جانبها في وجه العراق والدول الخليجية التي قررت التصدي للمشروع الإيراني بتصدير الثورة وإثارة القلاقل بحجة حماية “الشيعة” الذين يعيشون في الدول العربية.
وعلى إثر ذلك، أعلنت الدول الخليجية إيقاف جميع المساعدات المالية، والتي كانت تُقدَّر بأكثر من مليار ونصف المليار دولار سنوياً.
فتذرّعت إيران بتعويض النظام السوري عن المساعدات الخليجية، بمنحها 100 ألف برميل نفط يومياً، لكن يقول مراقبون: إنّ حافظ الأسد كان بدل أن يضخها في الاقتصاد، يبيعها في الأسواق العالمية، ويضعها في حساب خاص باسم ابنه باسل.
وحين لقي باسل (ابنه الأكبر) مصرعه بحادث سير، وُجِدَ مبلغ 13 مليار دولار في حسابه بأحد البنوك النمساوية، في حين كانت موازنة سورية كلها لا تتجاوز 1.5 مليار دولار أمريكي، كما أنّ البلاد كانت تعاني من أزمة اقتصادية خانقة.
ومنذ ذلك الحين، بدأت البطالة تنتشر في سورية، ما تسبّب بهجرة اليد العاملة، إلى دول الخليج ولبنان، وهجرة العقول السورية إلى دول أوروبا والأمريكتين، في وقت كانت تعيش فيه البلاد صمتاً رهيباً مع إحكام حافظ الأسد يده على حكم البلاد، مستخدماً القوة والعنف، ونفوذ أقاربه وبعض الشخصيات المحسوبة عليه.
موت حافظ الأسد
عصر العاشر من حزيران عام 2000، أوقف التلفزيون الرسمي السوري بثّه، وأعلن الحداد، مع إعلان وفاة حافظ الأسد، وأدخل البلاد في 40 يوماً من السواد (بالقوة) حزناً على “الأسد”، في حين كان مجلس الشعب يجهّز لتعديل الدستور وتنصيب بشار الأسد رئيساً إلى يومنا هذا، بعد تعديل دستوري، خفّض من شروط عمر الرئيس، حيث كانت 40 عاماً لتصبح 36 عاماً بما يناسب “الوريث القاصر” آنذاك.
بشار الأسد
بعد أيام من تنصيب بشار الأسد رئيساً للبلاد، أوهم السوريين، بأنّ مرحلة جديدة ستبدأ في سورية، مُطلِقاً شعار “التطوير والتحديث”، وانشغل وقتها “الأسد” الابن بالجولات واللقاءات على الصعيد المحلي والعربي والدولي، في حين كانت الأجهزة الأمنية تعيد ترتيب أوراقها بما يناسب المرحلة القادمة، التي سيقطف الأسد ثمارها، بالدم، في وقت لاحق.
أغرق بشار الأسد في 10 سنوات من حكمه، سورية بالتفاصيل، في وقت كان الاقتصاد يتراجع بشكل متواتر، وتهرب معه اليد العاملة إلى لبنان وغيرها من الدول، إلى أن بدأت ثورات الربيع العربي.
واجه الأسد الابن المتظاهرين عام 2011 بالنار، وأنزل الجيش إلى الشوارع، وأمر الأجهزة الأمنية باعتقال المتظاهرين، فامتلأت السجون بمئات الآلاف من السوريين، وبدأت طائراته تدكّ المدن والبلدات، وسرعان ما بدأت الدول العربية ودول أوروبا قطع العلاقات مع النظام السوري، ليدخل على خطّ دعم الأسد كلّ من “روسيا وإيران” وميليشيات من حزب الله والعراق.
ومع مضيّ 22 عاماً على تولي الأسد الابن الرئاسة في سورية، تحتاج سورية اليوم لمليارات الدولارات لإعادة إعمارها، في حين فرّ من البلاد بصفة لجوء أكثر من 6 ملايين سوري، ومثلهم أو أكثر من النازحين داخلياً، وأكثر من 500 ألف معتقل..