1- ماذا أنجزت الثورة السورية بعد ١٠ سنوات؟
لبيب نحاس: لا يجب قياس إنجازات الثورة ضمن سياق زمني محدود، بل يجب النظر إليها من منظور تاريخي بحت.
نادراً ما تؤتي الثورات كامل أكلها في السنوات الأولى حتى لو كانت عقداً أو عقوداً، ولا سيما أن سوريا تعتبر حالة معقدة جداً وفريدة مقارنة بأي تجربة عصرية، ثمار الثورات غالباً ما تجنيه أجيال غير الأجيال التي بدأت الثورة نفسها ولكن بإمكاننا القول أن الثورة فعلاً أنجزت أموراً ملموسة.
أهمها على الإطلاق هو تغيير الواقع في سوريا إلى غير رجعة بطريقة تجعل من استمرارية نظام وسلالة الأسد أمراً صعباً للغاية حتى مع الدعم الروسي والإيراني، وإن كان هذا لا يعني السقوط السريع للنظام، ولكن فعلياً النظام تحول إلى مشروع غير قابل للاستمرار، والثورة فتحت المجال سياسياً وشعبياً أمام إحداث تغييرات فعلية في بنية النظام العميقة كفيلة بهدمه على المدى البعيد والتمهيد تدريجياً لانتقال سياسي سيكون طويلاً ومريراً، ولكنه سيحدث وإن بدرجات متفاوتة وقطعاً يجب ألا ننسى أن هذا الإنجاز مرتكزه الأساسي هو تدمير قدرات النظام العسكرية وهزيمته الفعلية، وإن لاحقاً قامت روسيا بانقاذه في الوقت المستقطع، وأن من نتائج هذا الانجاز هو فقدان النظام للشرعية الدولية إلى درجة كبيرة، وسهولة إخراج شخصيات محورية فيه وعلى رأسها بشار من المستقبل السياسي لسوريا بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وسيحصل هذا عندما نصل إلى نهاية الحل السياسي.
إنجاز آخر لا بد من ذكره هو إحداث تغيير عميق في ثقافة جزء كبير من الشعب السوري، سواء ممن بقوا في المناطق المحتلة أو هم حالياً في المناطق المحررة أو حتى في دول اللجوء.
السوري لم يعد يقبل بالفتات وبمعايير الحياة المهينة التي فرضت عليه. قد يتم التخفيف من قيمة هذا الأمر، ولكن في الواقع من المستحيل لشعب أن يكون حياً ويتحرك ويضحي إن لم يكن عنده إدراك لهويته ومكانته بين الشعوب وإمكانياته وحقوقه.
الثورة غيرت طريقة تفكير وتصور غالبية السوريين وهذا أمر عظيم يحتاج أجيالاً أحياناً.
لا شك أن هناك ثمناً غالياً وعظيماً لكل هذا، ولهذا ذكرت أنه من الضروري جداً تقييم كل ما جرى ضمن سياق تاريخي بحت ، وهذه نقطة أساسية لفهم منجزات الثورة.
2- كيف تنظر لموقف النظام السوري وموقف الثورة اليوم؟
لبيب نحاس: النظام لم ينتصر، وهذه نقطة هامة جداً يجب أن يتم تثبيتها سورياً ودولياً. للأسف المعارضة السورية الرسمية تلقفت خطاب النصر عند النظام وصدقته وبنت عليه استراتيجية خاسرة وانهزامية تميل لتسهيل وتسيير الحل السياسي تحت أقل الضغوطات وعجزت عن البحث وإيجاد نقاط القوة الحقيقية عندنا، وكان هناك خطراً حقيقياً في حال تم تثبيت هذه الرواية والسردية بين السوريين أنفسهم ولا سيما من مؤيدي الثورة، حيث أن أطرافاً كثيرة من المعارضة عملت على ترسيخ هذه الرؤية الانهزامية ونشرها دون قصد بين السوريين تحت بند "الواقعية السياسية"، ولكن في الأشهر الاخيرة كانت هناك جهود قوية لعكس ذلك وتوضيح الصورة الواقعية المبنية على أوراق القوة والاحتمالات الصحيحة للعمل السياسي والشعبي.
هذه النقطة جوهرية لأن سياسات الدول ستختلف جذرياً بناء على تصور الوضع والسردية المهيمنة: إذا انتصر النظام فالسياسات ستكون باتجاه التطبيع والتعويم وإعادة الشرعية، وإذا أقنعنا العالم بحقيقة أن النظام انكسر وأصبح غير قابل للتعويم والإنعاش من جديد، فالسياسات ستكون باتجاه التضييق والضغط والحصار لاجباره وحلفائه على التفاوض.
النظام نظرياً يسيطر على حوالي ٦٠٪ من سوريا، ولكن في الواقع جزء كبير من هذه المنطقة خارجة عن سيطرته وهي بيد إيران وميليشياتها بشكل كامل.
النظام انهار اقتصادياً ومالياً، وبدأ يفقد حاضنته القريبة جداً منه بما في ذلك في الساحل، وهذه حقائق. النظام قد يصمد من الناحية الوجودية لفترات طويلة لأنه قادر على الاستمرار بينما تغرق مناطقه في حالة الفلتان الأمني والفساد وانعدام الخدمات، ولكن عاجلاً أم آجلاً سيدفع ثمناً لذلك وسيصبح عبئاً كبيراً على حلفائه ومموليه.
النظام يكابر ولكنه يحافظ على خطاب النصر والثبات والسيادة.
الثورة تحتاج استعادة قرارها، تحتاج أن تستثمر أوراق القوة التي تملكها وهي كثيرة، تحتاج أن تنطلق من واقعية سياسية حقيقية وليست الواقعية الانهزامية لبعض قيادات المعارضة المتصدرة للمشهد، الثورة يجب أن تفعل بقوة مجتمعها المدني باتجاه المناصرة السياسية والتأثير السياسي المباشر على الدول لأننا كسوريين أصبحنا نملك الأدوات والقنوات والخبرة للقيام بذلك.
يجب أن تظهر حركات وتيارات سياسية ثورية تقوم بالفعل السياسي الذي عجزت عنه المعارضة ولكننا ما زلنا نحتاجه بقوة، يجب أن نبقي على القضية حية ونمنع من موتها تدريجياَ أو تشويهها.
أوراقنا كثيرة كما ذكرنا وعلى رأسها موضوع المهجرين وارتباط البيئة الآمنة به والتي هي حجر أساس أي حل سياسي قادم.
يجب علينا كسوريين أن نعرف هذه البيئة الآمنة وأن نسعى لتضمينها في الحل السياسي إلى أبعد نقطة ممكنة.
الثورة وحتى المعارضة تمتلك ورقة أخرى جوهرية وهي : أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي شرعي دون موافقتها، لذلك يجب أن نتوقف عن إعطاء التنازلات المقنعة المجانية دون أي مقابل يخدم قضيتنا.
يجب أن نعود بالمسار السياسي إلى أصله وهو هيئة الحكم الانتقالي (بصيغة ما) والبيئة الآمنة حسب تعريف السوريين، وأن نتوقف عن المسارات العبثية التي ضيعت وقتاً ثميناً للسوريين.
هناك الكثير من الأمور التي يمكن القيام بها ويجب ولكن هذا كان بعضها على عجالة، والثورة تحتاج استراتيجية كاملة لعملها في الأشهر والسنوات القادمة، لا أعتقد أن المعارضة الرسمية قادرة على ذلك، ولكن على كوادر الثورة والشخصيات المؤثرة أن يضعوا هذه الرؤية ويتم الدفع باتجاهها حتى لو لم يكن ضمن جسد واحد: المهم هو الدفع في الاتجاه نفسه وبخطاب واحد
وأجندة مشتركة وتحقيق نتائج فعلية.
يبقى موضوع تحقيق نموذج بديل عن النظام في المناطق المحررة وبناء علاقات حقيقية مع الدول الحليفة او الصديقة ولكن هذا أمر يحتاج لنقاش مطول.
3- ماهي خيارات السوريين؟
لبيب نحاس: الخيارات محدودة جداً في واقع الأمر: إضعاف النظام ومنع تعويمه هي مسألة وجودية ليس فقط للسوريين المهجرين أو في المناطق المحررة بل في كامل التراب السوري، فأي ثمن ندفعه الآن لتحقيق ذلك هو ثمن باهت مقارنة بالثمن الذي ندفعه في حال تم تعويم النظام.
مستوى الفساد والجريمة والاستبداد في منطق النظام وصل الى مستويات غير مسبوقة، وسوريا حالياً مقسمة محتلة، هذا هو الواقع الذي لا يجب تجاهله أو العبور فوقه بشعارات وردية أو مثالية.
أمام هذا الواقع المؤلم يجب الدفع بالنقاط التي ذكرتها في الإجابات السابقة، والكثير غيرها طبعاً، وعلينا الاستمرار في تقوية البيت الداخلي للثورة والضغط على المعارضة إلى أبعد درجة ممكنة، وتوسيع الحاضنة الشعبية المدركة لحقيقة الواقع ومآلات المستقبل.