1- مع إتمام الثورة السورية عامها العاشر وفي ظل تعقيدات المشهد كيف تقرأ الوضع السوري الراهن؟
محمد سرميني: لقد تعقد المشهد في سوريا مع تعدد واختلاف الفاعلين الإقليميين والدوليين وأدواتهم ومصالحهم وتحكمهم شبه المطلق باللاعبين المحليين، وقد كانت السنوات الخمس الأخيرة بطولها واحتدام الصراع فيها كفيلة بالوصول إلى هذا المشهد، بعد السنوات الخمس الأولى التي حملت الكثير من المآسي والآلام وسط التخاذل الدولي في إنقاذ الشعب السوري.
ويمكن القول إننا مازلنا في منتصف الطريق، ولم تعد سورية تلك التي كنا نعرفها قبل عشر سنوات، حيث مع إتمام الثورة السورية لعامها العاشر بدأت تتشكل بشكل أكبر مناطق النفوذ التي تمثل المصالح الخارجية، في حالة استقرار نسبي للمناطق الخارجة عن سيطرة الأسد في مقابل استنزاف مستمر سياسي واقتصادي لمناطق سيطرة النظام، وباتت الأطراف جميعاً بانتظار خرق سياسي كبير تنتجه التفاهمات الدولية لإيجاد تسويات للأزمة بأبعادها المختلفة، على أن هذه التسويات قد لا تكون ناجعة أو نهائية.
2- منذ إنطلاق الثورة السورية رفض النظام السوري التغيير بل قرر تغيير الشعب وهو ما عبر عنه رئيس النظام بكل وضوح عندما تحدث عن «سوريا المفيدة» هل تعتقد أنه بالاعتماد على خيار التفاوض يمكن دفع بشار الأسد إلى قبول التغيير؟
محمد سرميني: نظام الأسد الابن هو استمرار لشكل نظام الحكم التراكمي الذي صنعه الأسد الأب والقائم على التحكم الأمني المطلق وعدم تقديم أي تنازلات، وقد خاض بشار الأسد منذ بداية الثورة في 2011 الحرب بسياسة أكون أو لا أكون، وربما هذا ما كانت تدفع له أجنحة النظام الأمنية والعسكرية التي امتلكت القرار الأمني والعسكري والسياسي خلال السنوات العشر الماضية، وباعتقادي فإن النظام الذي اختار تدمير سوريا بسكانها وحضارتها واقتصادها في مقابل التمسك الأرعن باستبداده في الحكم لن يقدم أي شيء على طاولة المفاوضات.
3- بحسب دراسة صادرة عن «جسور للدراسات» يوجد 477 موقع وقاعدة عسكرية للقوى الأجنبية في سوريا وهي تعكس حجم التأثير الخارجي الهائل في الملف السوري، هل بقي هناك تأثير للفاعلين السوريين؟
محمد سرميني: بالطبع فإن حجم القواعد العسكرية الخارجية داخل سوريا هو من أهم المؤشرات على مدى السيطرة الأمنية والعسكرية وبالتالي القرار السياسي في سوريا، خاصة وأننا رصدنا في مركز جسور للدراسات خريطة القواعد والنقاط التي يديرها بكامل خصوصيتها القوى الخارجية بشكل مباشر، حيث فضلاً عن هذه القواعد التي تقترب من خمسمئة على الخريطة هناك آلاف الحواجز ومناطق النفوذ المشتركة مع الفاعلين المحليين، وأشكال مختلفة من الاختراق للمؤسسات وغرف العمليات ودوائر صناعة القرار بكل أنواعه السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، ومن هنا وبشكل موضوعي أصبح التأثير الخارجي أكبر بكثير من تأثير الفاعلين المحليين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في مقابل تحكم روسي وإيراني شبه كامل بالقرار لدى النظام، مع عدم قدرة النظام حتى على امتلاك هامش من القرار ضمن التنافس المستمر بين روسيا وإيران.
4- في رده على «قانون قيصر» أعلن النظام أنه لن يخضع لأي شرط بمثل هذه الإجراءات، برأيكم هل تُجبر هذه العقوبات بشار الأسد على تقديم تنازلات سياسية؟
محمد سرميني: العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض والمستمر على نظام الأسد يرهق الدول الداعمة للنظام والتي تستنزفها أساساً مشكلاتها الداخلية الكبيرة فضلاً عن الاستنزاف في الملفات الخارجية في سوريا والعراق ولبنان، وهنا نتكلم بشكل مباشر على روسيا وإيران والتي ستضطر وستجبر الفاعلين المحليين في المنطقة على تقديم التنازلات السياسية وربما تنازلات أخرى أمنية وعسكرية واقتصادية، وهذا ما لا يملك نظام الأسد خياراً في الإذعان له، إلى جانب التآكل الداخلي المستمر الذي تشهده مؤسسات الدولة وشكل الحكومة التي ستواصل عجزها عن تقديم الاستحقاقات والامتيازات للميليشيات الداخلية والخارجية التي تعمل لصالحها.
5- كيف ترى مستقبل الثورة السورية؟ وماهي توقعاتك خلال هذا العام؟
محمد سرميني: الثورة السورية مازالت في منتصف الطريق ومازال الطريق طويلاً، الإشكالية ليست بالثمن الذي دفع من أجل الحرية وهو باهظ وكبير؛ بل الإشكال في تقدير الثمن الكامل الذي يمكن أن يدفع، حيث طريق الثورات ذو اتجاه واحد لا يمكن الرجوع عنه، ويحتاج لسنوات طويلة محفوفة بالمخاطر لهدم منظومة الاستبداد وبعدها سنوات أطول لعلاج المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنهوض بالنموذج المستقل عن أشكال التدخلات الخارجية، ثم المضي نحو البناء السياسي التراكمي المصنوع من الثقافة والوعي بالحقوق والحريات والدولة المدنية الحديثة.