هذا ملخص زيارة جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، بشكل أدق زيارة إسرائيل وحضور قمة جدة. فكيف نقرأ هذا المشهد، مشهد زيارة بادين إلى إسرائيل التي استمرت ثلاثة أيام تخللت استراحة قصيرة كفض عتب عند الحكومة الفلسطينية. وكيف كانت لوحة قمة جدة التي جمعت دولاً عربية مع الرئيس الأمريكي، تحت لوحة واحدة ولكنها في ذات الوقت منشطرة قسمين مختلفين، مثل الكرة الأرضية قسم يعاني من وهج الشمس وقسم يحتاج للشمس.
المؤتمر الصحفي هناك مهرجان واستعراض توج ما أعلن عنه إعلان القدس، ومن هناك.. وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد والمتزعزع وضعه، رسالة إلى السعودية والدول القلقة من الهيمنة الإيرانية بأنه يعرض التكنولوجيا مقابل التطبيع. لم يأتِ على ذكر المستوطنات ولا على القضية الفلسطينية، ولا حل الدولتين، وإنما كان هناك قول واحد لا أكثر، أمد لكم التكنولوجيا وهذه التكنولوجيا التي تحتاجون إليها وبمعرفتي، بالمقابل الرئيس الأمريكي أكد بأن القدس عاصمة لا رجعة فيها، وإعلان القدس ما هو إلا بداية دمج إسرائيل في المنطقة وقيادتها، لأن من يملك التكنولوجيا اليوم هو الذي يملك القوة والسيطرة والنفوذ والأمان، سواء في الحرب أو في السلم. وكما نسف حلم الدولتين بطريقة مرنة حين قال بأنها بعيدة المنال وفق الظروف الحالية في المناخ والأرضية ليست جاهزة لذلك.
في رام الله التسلية مقابل الحياة ومصطلح (حان)
اللقاء الذي قام به الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة الفلسطينية، أي زيارة رام الله، جميلة في شكلها الخارجي وحزينة في شكلها الداخلي، بادين حضر وأخبر أنه سيقدم الجي فور، سيزيد من سرعة النت، وأنه تبرع لصالح الرعاية الصحية، لتحسين الوضع الصحي. دعوة مبطنة للتمتع في الحياة وفق الأمر الواقع. الجديد الذي قدمه الرئيس محمود عباس هو مصطلح حان، وآنَ الأوان، قدمه بلهجة تهديد خجولة، حين أشار لإنهاء الاحتلال فلا يضمن المستقبل، ربما إشارة إلى قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الذي أعلن قبل فترة على تعليق الاعتراف ووقف التنسيق الأمني وتجميد عمل باريس الاقتصادي، لكنها خجولة، ومع ذلك التأكيد على إنهاء الاحتلال والاعتراف بفلسطين كدولة هو مفتاح السلام. الرئيس بايدن التقط (آن الأوان) ولكن بلغة أخرى، بأنه حان وقت دمج إسرائيل بالمنطقة، والقدس مدينة لكل الشعوب، ولم يشر للقدس الشرقية، واكتفى بتحسين الحياة اليومية من خلال تذكيره بالدعم المالي للاقتصاد والصحة والمبلغ نصف مليار دولار.
قمة جدة، موحدة فيزيائياً منشطرة سياسياً. وتبخر حلم الملك الهاشمي
بايدن أكد خلال حديثه بأن الحرب مع إيران، هي الخيار الأخير، وحتى هذا الخيار يربطه بدمج إسرائيل فلا حرب ضد إيران دون إسرائيل، وبالتالي نسف حلم الناتو العربي. وبدا كأنه في عالم مختلف، غير الذي أظهره القادة العرب. كان من الملفت في كلمات الرؤساء التأكيد على المبادرة العربية، والتشبث مشروع حل الدولتين. وكان واضحاً انشغال الرئيس المصري بالهم المائي ومشاكله حول الماء أكثر من اهتمامه بما يجري وبالتحديد بالقضية الفلسطينية، وكذلك سمعنا الملك الأردني يتحدث عن هواجسه وقلقه من التهريب على حدوده دون أن لا ينسى التذكير بمعاناته على اعتباره يأوي مليون لاجئ سوري. وسمعنا الملك البحريني قلقه من الأمن البحري وضرورة تعزيز أمن الملاحة البحرية، ولم يخرج الكاظمي من الحدود التي رسمها أو رسمت له، فكان كلامه عاماً حول إزالة الإرهاب وايجاد الحلول في سورية ولبنان وفلسطين، في حين كانت كلمة الكويت أكثر سلمية تدعو للتعاون والتشاور والتفاهم. وحده الأمير القطري ذكر نقاطاً مهمة منها القضية السورية، وأنه لا استقرار دون حل النزاعات، وضرورة تحالفات ملتزمة بالقانون الدولي. وثمة هناك خيارات أخرى، فرفض إسرائيل للمبادرة العربية لا يعني التخلي عنها.
نشهد تغيرات وتسارعاً في العلاقات والتحالفات، لا يمكن تجاهل دور الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن لا يعني أنه هناك شيء جديد، وإنما تحريك الملفات بطريقة أخرى، تعثرت في زمن أوباما الذي أعلن وقتها بأن على دول المنطقة، منطقة الشرق الأوسط أن تجد الحل فيما بينها ولا تعتمد على أمريكا، ولكن الحرب الروسية الأوكرانية، غيرت المشهد وكان لا بد من اتخاذ مقاربة جديدة، لا تختلف عن كل المقاربات السابقة، أمن إسرائيل أولاً، ثم النظر في حل مشاكل الحلفاء.