المتعارَف عليه أن رجل الدين عند المسلمين هو الرجل الذي يُطلَق عليه عادة مسمَّى “الشيخ أو المُلّا” ، في المقابل يُطلَق أيضاً على مَن تبحَّر وأبحر أكثر في أمور وقضايا الدين وتفرُّعاته الحياتية والفقهية المتعددة الكثيرة “عالم أو علّامة” ، كما يُطلَق على مجاميعهم في العالم العربي والإسلامي “علماء المسلمين” أو مجمع أهل العلم والفقه الإسلامي، أو رابطة العلماء المسلمين… إلخ، ولكن اللافت أن كلمة ومصطلح “رجل دين إسلامي” التي عادة ما تستخدم بكثرة وعلى نطاق واسع في الصحافة والأروقة الإعلامية والمنتديات، هي تسمية مُختلَف عليها، ويُحَذِّرُ علماء الدين من استخدام مفردتها بشكل مطلق، حيث إن دين الإسلام وعلى خلاف غيره من الأديان السماوية (المسيحية واليهودية)، لم يُخصِّص أو يستثنِ أشخاصاً دون غيرهم ليُطلَق عليهم مسمى رجل أو رجال دين، حيث إن الدين الإسلامي ليس له مراتب ومناصب كهنوتية كما في النصرانية أو اليهودية “، لأن أمر الدعوة والهداية والتفقُّه في دين الإسلام عموماً هو واجب مطلوب ومفروض ولا غنَى عنه، ويقع على عاتق كل مسلم، أما الذين يواظبون على التعلم والنهل منه، والغوص في بحور علومه وقضاياه ليكونوا أعلم من غيرهم في الدين، فيُسمَّوْنَ في غالب البلاد والأمصار الإسلامية علماء الدين أو الفقهاء.
كثراً ما نسمع بمصطلح “علماء السلطان” أو شيوخ السلاطين فمَن هم هؤلاء ولماذا أُطلِقت عليهم هذه التسمية..؟
حقيقة الأمر تشير هذه التسمية بالذات إلى نوع وصنفٍ خاص من رجال الدين الذين غالبا ما يُسَخِّرونَ ويجيرون علمهم الديني لخدمة الحاكم، وتبرير سلوكه السيئ والمشين والإجرامي للعامة، وذلك إما خوفاً من عربدته وسطوة شره، أو طمعاً في جزيل عطائه ورضاه ومباركته، وقد ورد ذَمُّ واستهجان هذا السلوك المفضوح والمشين وذلك لدلالته على تفضيل الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، وأيضاً تقديم رضا العبد المخلوق الظالم على الإله الخالق العالم. من خلال القيام بتحريف وليّ أعناق الكثير من النصوص والقواعد الشرعية لتتناسب مع إرادة ومصالح الحاكم والسلطان. وقد ورد في كتاب «الفتن» لأبي عمرو المداني قوله: «لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكَنفِهِ، ما لم يمالئ قُرّاؤها (علماؤها) أُمراءَها».
في الواقع غالباً ما تكون جوقة علماء السلطان من الرجال الذين باعوا ضمائرهم والمرضيّ عنهم من قِبل الحكام والرؤساء وفروعهم الأمنية، بل ويجري غالباً اختيارهم وغربلتهم وانتقاؤهم وتوظيفهم في المناصب الدينية الرفيعة، ليوظفوا بدورهم الدين لخدمة الأغراض السياسية والقمعية وتزيين ما يقوم به الحاكم من أعمال خيرها وشرها، حيث يفتون ويتلونون كالحرباء حسب أهواء وغايات السلطان والرئيس، فَيُحرِّمُونَ كل الأقوال والأعمال والأفعال التي يمكن لها أن تؤثر أو تهز أركان حكمه الظالم وتزلزله، ويحللون ويبيحون له ولأجهزته الأمنية وعسكره ما فيه مصلحته وديمومة حكمه وظلمه، متخذين غالباً وبتوجيهاته من نظريات المؤامرات الأجنبية الكونية والفتنة والجماعات الإرهابية وغيرها، وقاعدة دفع الضرر والأذى عن البلاد حُجّةً وشماعةً لهم ولأمثالهم في تبرير جَوْر وظلم وإجرام الحاكم، ودموية جيشه وأمنه وشبيحته، والطامة الكبرى أنهم -أي العلماء- غالباً ما يفتشون وينتقون بعناية المواقف والآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي تتناسب مع أهواء وتصرفات ومصالح هؤلاء القادة والسلاطين. وفي المقابل طبعاً يتغاضون عن أي دلائل لا تقبل الشك، ولكنها تتعارض مع مصلحة الحكام والرؤساء المستبدين.
علماء السلطان وتبرير الإجرام في سورية:
في سورية وفي عهد دولة “الصمود والتصدي” و”المقاومة والممانعة” وعلى مر سنوات حكم “آل الأسد” وتولي الموروث والوارث الحكم، فقد وظف كل من الأب والابن الدين وعلماءه المنافقين والمختارين بعناية من قِبل أجهزة أمنه خدماً وَتَبَعَاً ومخبرين ووشاةً أوفياءَ، ينعقون ويتاجرون بما يمليه عليهم فرعونهم ومصالحه وتوجهاته القمعية والإجرامية، حتى باتت خُطَب الجُمَع في المحافظات السورية تعد وتوزع مواضيعها من قِبل هؤلاء العلماء بعد تدقيقها من قِبل أجهزة ومخابرات النظام المتعددة والهدف المشترك الإبقاء على الشعب مغيباً محتسباً بل ونائماً في حظيرة الخوف والقمع والاضطهاد. لضمان إبقاء الحاكم وأركان حكمه خارج دائرة الخطر وفي أمان من أية تهديدات أو تمردات وثورات داخلية قد يتعرض لها.
كما بات معروفاً في زمان حكم ولاية “آل الأسد” فقد كثر المتفيقهون في الدين والمتاجرون والمنتفعون منه وفيه لخدمة سطوة وجبروت النظام المجرم، وتجيير الدين لخدمة غايات وأهداف وسياسات رأس النظام المستبد، من خلال مسحهم لجوخته وتلميعها، وتضامنهم المقزز معه، وتهليلهم السافر له، بل وفوق ذلك تبريرهم الدنيء والمنحط لكل الأعمال والجرائم والسياسات المستبدة والدموية الظالمة التي قام بها في الثمانينيات المقبور حافظ الأسد، ولا يزال يقوم بها في الثورة السورية خلفه ووريثه غير الشرعي المجرم والقاتل للشعب بشار الأسد.
مستخدماً جيشه وأمنه، وشبيحته وميليشياته، الطائفية المتعددة الرايات الآتية من شتى أصقاع الأرض لمساعدته في تنفيذ وارتكاب أبشع أنواع المجازر والجرائم، التي لم يعرف تاريخ البشرية قديمه وحديثه مثيلاً لها، وكل هذا الإجرام المرتكب لا لشيء إلا للبقاء متربعاً على كرسيه الدموي الموروث المغتصب ، والقضاء على الشعب السوري -هذا الشعب الصابر- الذي لا ذنب له إلا أنه ثار ساعياً بعد خمسين عاماً من العبودية والاستغلال لطرق أبواب الحرية والخلاص من سجانيه وجلاديه.
في الواقع غالباً ما تترافق نشاطات وتهليلات وتبريرات وتطبيلات غالبية علماء دين النظام السوري، الذين أجادوا لعب وتقمص الأدوار الدينية من أمثال المفتي المقال والمستهلك “أحمد حسون” وصاحب خطبة عيد الأضحى التشبيحية بامتياز منذ أيام المدعو محمود عكام وجوقتهم وغيرهم من المنافقين، مع المهام القذرة التي يستطيعون تنفيذها، والتي تتلازم وتتواكب مع ما يفعله وما يصدره كبيرهم “هُبَلْ” من قوانين ومراسيم وتعليمات وأوامر ونَواهٍ، ما أنزل الله بها من سلطان، بل وتخالف جهاراً نهاراً وبكل صلف وجرأة ودناءة المجرم تعليمات وقوانين السماء قبل قِيَم وقوانين ودساتير الأرض.
ختاماً…
لا شك أن ظاهرة علماء ومفتي السلاطين هي ظاهرة قديمة حديثة ظهرت مع البدايات الأولى للإسلام ولكنها ازدادت انتشاراً مع وجود التُرَب الخصبة، وبدء ظهور الحكومات القمعية والاستبدادية الظالمة فاحتكروا أي -العلماء والمفتون- الدين الإسلامي، وأخرجوا بعض الأحاديث النبوية والآيات القرآنية من سياقها التي هي عليه، وطوّعوها لخدمة الحكام وتأييد أفعالهم وجرائمهم بحق شعوبهم، ومهما كانت.
وفي المقابل فلا شك أيضاً أن الحكام الطغاة بجميع مسمياتهم -ومنهم مجرمو ( آل الأسد)- هم مَن صنعوا وأوجدوا علماء السلطان هؤلاء لا لشيء إلا ليساعدوهم في الإبقاء على الشعب رازحاً تحت نِير الظلم والعبودية، راضين رغماً عنهم بكل أنواع الهوان والطغيان ولا يفكرون مجرد التفكير في السعي لتغيير واقعهم المزري هذا .