“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
اكتشف فريق من علماء الآثار الألمان والأكراد مدينةً في محافظة “دهوك” بإقليم كردستان العراق تعود إلى حقبة إمبراطورية “ميتاني”، التي يبلغ عمرها 3400 عام، والتي كانت تقع على نهر دجلة.
وظهرت المدينة بعد سحب كميات كبيرة من خزان الموصل في وقت مبكر من هذا العام، بسبب انخفاض منسوب المياه بسرعة في العراق نتيجة الجفاف الشديد.
والمدينة الواسعة التي تضم قصراً والعديد من المباني الكبيرة يمكن أن تكون “زاخيكو” القديمة، التي يُعتقد أنها كانت مركزاً مهماً في إمبراطورية ميتاني (حوالي 1550-1350 قبل الميلاد).
ولمنع جفاف المحاصيل، جرى سحب كميات كبيرة من المياه من خزان الموصل، أهم مخزون للمياه في العراق، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021، ما أدى إلى عودة ظهور مدينة من العصر البرونزي كانت مغمورةً بالمياه منذ عقود، من دون أي تحقيقات أثرية مسبقة، تقع في منطقة “كيمون” بمحافظة دهوك ضمن إقليم كردستان العراق.
ويقول تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة “توبنجن” الألمانية، أمس الاثنين: “إن هذا الحدث غير المتوقع وضع علماء الآثار تحت ضغط مفاجئ للتنقيب، وتوثيق أجزاء في الأقل من هذه المدينة الكبيرة والمهمة في أسرع وقت ممكن قبل إعادة غمرها”.
وشارك في هذه المهمة عالم الآثار الكردي الدكتور حسن أحمد قاسم، رئيس هيئة آثار كردستان، وعلماء آثار من عدة جامعات ألمانية، وجرت هذه الفعاليات في شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط من العام الحالي، بالتعاون مع مديرية الآثار والتراث في دهوك.
وجرى تشكيل فريق لعمليات الإنقاذ في غضون أيام، بتمويل من مؤسسة “فريتز تيسن” من خلال جامعة “فرايبورج” في ألمانيا.
وكانت ميتاني مملكة تتحدث اللغة الحورية في الهلال الخصيب (شمالي سورية وما بين النهرين). وكانت تسمى أيضاً في اللغة الآشورية “هانيغالِبَات” (أو هاني- رابَّات، أو هانيكالبات)، وبالكتابة المسمارية الحيثية “ها- ني- راب- بات”، وتسمى “نَهَارِين” في النصوص المصرية الهيروغليفية.
وتوجد حاليًا فرضيتان تتعلقان بكيفية تكوين مملكة ميتاني: إما أنها كانت بالفعل مملكةً قويةً في نهاية القرن السابع عشر، أو في النصف الأول من القرن السادس عشر ق. م، إذ تعود بداياتها إلى ما قبل عهد “تحتمس الأول”، إلى زمن الملكين الحيثيين “خاتوشيلي الأول” و”مورشيلي الأول”، عندما يُطَبَق التسلسل الزمني الأوسط. أو أن ميتاني تشكلت بسبب الفراغ السياسي في سورية، والذي نشأ أولاً من خلال تدمير مملكة “يمحاض” من طرف الحيثيين، ثم من خلال عدم قدرة الحيثيين على السيطرة على المنطقة خلال الفترة التالية لموت “مورشيلي الأول”.
وإذا أُخِذَت الفرضية الثانية بعين الاعتبار، يمكن أن تكون ميتاني (قرابة 1500 إلى 1300 ق. م حسب التسلسل الزمني القصير) قد أصبحت قوةً إقليميةً بعد تدمير الحيثيين بابل الأمورية. ونشأت عام 1531 ق. م (أيضاً في التسلسل الزمني القصير)، وأوجدت سلسلة من الملوك الآشوريين غير المؤثرين فراغاً في السلطة في بلاد ما بين النهرين، في حين أن ملوك ميتاني وأعضاء آخرين من الملوك حملوا أسماء من أصل هندو- آري، وابتهلوا للآلهة الهندية- الآرية المشهود لها في “ريجفدا”. ومن المحتمل أنهم استخدموا لغة السكان المحليين، والتي كانت في ذلك الوقت اللغة الحورية، وهي لغة غير هندية- أوروبية.
وتظهر دائرة نفوذهم في أسماء الأماكن الحورية والأسماء الشخصية، وانتشار نوع فخار مميز عبر سورية والشام. وعندما كانت ميتاني في أوج قوتها (عام 1350 ق. م.) كانت تُعدّ من “ممالك القوى العظمى”، إلى جانب مصر القديمة والحيثيين وبلاد بابل وآشور.
ويذهب العلماء إلى أن مملكة ميتاني من أقل حضارات الشرق الأوسط القديم دراسةً، وأن الأبحاث الصادرة عنها قليلة جداً، حتى أن عاصمة المملكة نفسها “واشوكاني” لم يُكشَف عنها بعد. لذا غالباً ما توصف هذه المملكة بـ”الغامضة” و”المنسية” أحياناً.