المصدر: ناشيونال نيوز/ بقلم: خالد يعقوب عويس/ ترجمة: عبد الحميد فحام
منذ قديم الزمان، انتشر التهريب في المناطق الممتدة على طول الحدود الفاصلة بين الأردن وسورية. فخلال أيام السلطنة العثمانية انتشرت عادة نقل الملح بين المناطق المتجاورة كتلك الموجودة بين دمشق وعمّان. كنتيجة لفرض السلطات الحاكمة في ذلك الزمان لضريبة تسمى باللغة التركية (توز رسمي), أي ضريبة الملح, نشأت عمليات التهريب لتفادي تلك الرسوم.
وفي أيامنا الحالية ظهر أحدث تجسيد لعمليات التهريب هذه من خلال تمرير الحبوب المنبهة المعروفة باسم الكبتاغون، والتي تتدفق من سورية إلى الأردن، ثم إلى الأسواق الأكثر ربحًا في داخل شبه الجزيرة العربية.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، كثّف الأردن عملياته الأمنية في جميع أنحاء المملكة في محاولة للحد من التجارة غير المشروعة لهذه المادة المربحة للغاية.
جاء ذلك في أعقاب اتفاق متعثر بوساطة روسية بين عمّان ودمشق للمساعدة في تأمين الحدود.
كما تجاهلت موسكو إلى حدّ كبير طلبات الأردن لمساعدتها في معالجة التهريب من خلال الضغط على إيران لمنع تدفق المخدرات من حلفائها في سورية.
وقد قال رجل أعمال موالٍ للنظام السوري عبر الهاتف من دمشق: “كل شخص أعرفه باستثناء جدتي يدير مصنعاً للكبتاغون ويسعى إلى نقل الإنتاج إلى الجنوب”.
وعلى الرغم من أن الأردن أرسل المزيد من القوات إلى حدوده الشمالية، إلا أن استجابته كانت متعثرة بسبب السياسات القبلية في منطقة تعاني من ركود اقتصادي ونسبة 23 في المائة من البطالة.
وفي الوقت نفسه، فإن حبة الكبتاغون، التي يتم إنتاجها غالبًا في مصانع الأدوية التي تحوّلت إلى معامل لإنتاج تلك المادة المربحة في دمشق، تكلف القليل من السنتات لإنتاجها، ولكنها تباع بعدة دولارات في الأردن.
إن الطبقة التي قامت عصابات المخدرات السورية بتجنيدها لتنفيذ عمليات التهريب هم في الغالب شباب العشائر الذين لهم أقارب في الجانب الأردني.
وتقول مصادر معارضة سورية إن هؤلاء الشباب يعبرون الحدود إلى الأردن سيراً على الأقدام تحت غطاء الليل أو في ظل ضعف الرؤية لكسب ما بين 6 آلاف إلى 12 ألف دولار عن كل شحنة مخدرات، على الرغم من أن الجيش الأردني أطلق النار على العشرات خلال العام الماضي.
ويقولون إن العمليات الأكثر تعقيدًا تتضمن تهريب كميات هائلة من الكبتاغون على متن شاحنات صغيرة، بمساعدة أعمال استطلاع من قبل الجيش السوري أو الميليشيات الموالية لإيران على الحدود.
تحقيق التوازن
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط /فبراير، ألقى الأردن باللوم على الجيش السوري والميليشيات الموالية لإيران في جنوب سورية في تجارة الكبتاغون، وهو موقف أكثر انحيازًا لواشنطن.
وفي الوقت نفسه، تعمقت العلاقات بين روسيا وإيران، مما جعل موسكو أقل عرضة لتحدي دور طهران في سورية.
وقد بدأت طفرة الكبتاغون في عام 2018، عندما مكّن التدخل الروسي في سورية قوات رئيس النظام بشار الأسد من استعادة معظم جنوب البلاد من المعارضة التي تحارب النظام.
واستُثنيَ من ذلك جيب التنف الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق.
وبموجب اتفاق روسي أمريكي وإسرائيلي، سُمح للنظام باستعادة الجنوب طالما أن حزب الله والميليشيات الأخرى الموالية لإيران ستبقى بعيدة عن الحدود.
لكن مسؤولاً أمنياً يراقب الجانب الأردني من الحدود قال إن الميليشيات “تقع حرفياً على بعد بوصات من خط الحدود”.
ويستشهد بحالات متكررة لطائرات إيرانية بدون طيار تحلّق من نقاط حدودية للنظام السوري باتجاه الأردن، إما مُحمّلة بالمخدرات أو تقوم باستطلاع من أجل شحنات أكبر.
ويقول المسؤول إن “عناصر حزب الله يقومون بتشغيل الطائرات بدون طيار مباشرة من المراكز الحدودية”.
وتتم مراقبة الطائرات بدون طيار وغيرها من عمليات التسلل بواسطة نظام برج مراقبة يكلف مئات الملايين من الدولارات لتنبيه الدوريات الأردنية.
تم تركيبه ودفع ثمنه من قبل الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى لمساعدة الأردن على كبح التهريب وحماية قواتها في المملكة.
لكن نظام المراقبة هذا أقل فاعلية في الأحوال الجوية السيئة، خاصة على طول شريط وعرة بطول 100 كيلومتر من الحدود بطول 360 كيلومترًا تسمى الحارّة. من الصعب تسيير الدوريات وبناء الحواجز الحدودية على هذه المنطقة دون إنفاق مبلغ أكبر.
ويقول مسؤول أمني آخر إن التحدي المتمثل في وقف تدفق المخدرات من الحارّة يتفاقم بسبب عدم رغبة القبائل في تسليم أفراد منهم متورطين في عمليات التهريب.
واستشهد برجل أردني يبلغ من العمر 22 عاماً برز باعتباره زعيماً في تجارة المخدرات في المنطقة.
حيث قال المسؤول: “في كل مرة ننصب فيها فخًا ونعتقد أننا على وشك الإمساك به، لكنه يتلقى بلاغًا بأننا قادمون، فيختفي”.
على مدى عقود، سعت السلطات الأردنية إلى خلق حالة خاصة من الحوكمة في المناطق النائية بإعطاء القبائل فسحة للحفاظ على اقتصاد غير رسمي وعلاقات مع أقاربهم في سورية.
وقد تمّ الحفاظ على التوازن إلى حدّ كبير منذ إنشاء الأردن كمحمية خلال الفصل الأخير من الإمبراطورية البريطانية قبل قرن من الزمان، عندما ظهرت الحدود مع سورية.
ديناميات السوق
خلال العهد العثماني، كان يتم تهريب الملح المنتج في واحة الأزرق بالقرب من الحدود الحالية مع سورية إلى دمشق لتجاوز تكاليف (توز-رسمي) العبور الجمركي كضريبة تضاف على سعر الملح.
كانت الضريبة مكروهة للغاية لدرجة أن كلمة “توز التي أصبحت ظز” (وتعني ملحاً باللغة التركية) دخلت على اللغة العربية العامية باعتبارها لفظاً نابياً.
يقوم المهربون بتحميل الملح على الحمير التي، بسبب الرحلات المتكررة، ستحفظ بعض طرق التهريب عبر الحارّة، مما يستغني عن الحاجة إلى قيادتها على طول الطرق التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم.
عندما أصبحت سورية اقتصادًا على الطراز السوفيتي ولم تعد العديد من السلع الاستهلاكية متوفرة، أصبح الأردن مصدرًا لكل شيء من مآخذ الكهرباء إلى ورق التواليت.
تم تهريب السجائر عبر سورية، وكذلك الأغنام والحشيش، ومعظمها من وادي البقاع، الذي تسيطر عليه الجماعات اليسارية التركية والفلسطينية، ثم حزب الله لاحقًا.
في حين أن آلاف الأطنان من الحشيش لا تزال تتدفق، فإن هذه التجارة تتضاءل أمام سوق الكبتاغون الذي يقدر بمليارات الدولارات.
ويقول محلل مكافحة الإرهاب الأردني سعود الشرفات إن هناك حاجة إلى نهج أوسع من قبل الأردن وحلفائه لإنهاء تهديد الكبتاغون.
يقترح تطوير المناطق الحدودية والقضاء على ثغرة الحارّة، وكذلك حساب احتمالية استخدام الكبتاغون بشكل كبير في الأردن، كما يتضح من عدة عشرات من عمليات ضبط المخدرات في الأسابيع القليلة الماضية.
ويقول الشرفات في نهاية المطاف، ينبغي على أي حلّ أن يعالج جانب العرض وبالتالي دور طهران في المشكلة، على الرغم من عدم وجود أعمال عدائية مفتوحة بين البلدين.
لا يرى الشرفات أي حافز لإيران للتعاون مع الأردن لأن عائدات الكبتاغون تقلل من الضغط المالي الذي تعاني منه إيران بالفعل لأن علاقاتها مع جيرانها والغرب لا تزال في طريق مسدود.
ويقول الشرفات: “تستخدم إيران الكبتاغون كإحدى الأدوات في ترسانتها الإقليمية”.