في أكبر عملية أمنية إرهابية منذ سقوط تنظيم "داعش" في "الباغوز" آخِر معاقله، يعود ملف التنظيمات الجهادية إلى الساحة من بوابة سجن "الصناعة" في حي "غويران" في مدينة الحسكة، الذي كان وما زال من أخطر وأكبر المعتقلات على مستوى العالم، وليس من باب المبالغة إن قلنا إنه يحوي ما يقارب أربعة آلاف عبوة ناسفة.
في صباح يوم الخميس 20 كانون الثاني/ يناير 2022 بدأ الهجوم المنظم من قِبل خلايا نائمة إرهابية على السجن بسيارتين مفخختين يقودهما مهاجمان، مهمة إحداهما إيصال الأسلحة وإدخالها للسجن نفسه.
بعدها وبفارق توقيت دقيق ومدروس بدأت مجموعة أخرى الهجوم على محطة محروقات "سادكوب" وإحراق مستودعاتها في شمال غرب السجن لتحييد طيران التحالف وتعتيم الرؤية كلياً أمام الطيران الحربي والاستطلاعي.
هذا بالتزامن مع هجوم مجموعة أخرى على مقر الأسايش في "غويران" لمنع مؤازرة السجن وكسب الوقت.
أما على الصعيد الداخلي للأسوار، فكان السجناء مسيطرين كلياً على جميع مهاجع وأقسام السجن وأسروا الحراس وسيطروا على مخازن الأسلحة وأدوا "ببيعة الموت" كما يسمونها، وبدؤوا بتنفيذ جوهر الخطة بتهريب مجموعة منهم إلى الخارج حيث التجؤوا إلى حي "غويران" شمال السجن و"حوش الباعر" جنوبه بهدف توسيع جبهة المواجهة والقتال وبالتالي تأمين طريق للسجناء للوصول إلى غايتهم حسب الخطة.
بالتوازي مع هذا الهجوم سُجلت أكثر من عشر عمليات هجومية من قِبل خلايا التنظيم على مقرات وحواجز تابعة لـ"قسد" في محافظتَيْ "دير الزور" و"الرقة".
مَن يخطط لعملية من هذا النوع يعلم جيداً أنه لن يستطيع النفاذ أو الانتصار، لكن الهدف الأساسي كما أشرت هو تهريب مجموعة قيادية معينة وليس كما يروج له إعلامياً، لتحقيق هذا الهدف أطال عناصر التنظيم القتال بشكل مقصود، ورافق ذلك مفاوضات لتبادل الأسرى، كل هذا لكسب الوقت الكافي وتشتيت الانتباه والتركيز ريثما تصل المجموعة إلى مقصدها، ومن ثَم إعلان الاستسلام.
يتوقع أن تكون تلك المناطق التي قصدها عناصر التنظيم هي أراضٍ تسيطر عليها قوات النظام السوري، وأماكن أخرى في العراق، كون معظم القادة أصولهم عراقية.
وأعتقد أن الهدف الرئيسي من هذه العملية هو فرار القادة لتجميع قواهم مرة أخرى ودعوة العناصر الجهادية للبدء من جديد بعمليات إرهابية، لكن بإستراتيجية مختلفة باعتماد تكتيك حرب العصابات في سورية والعراق حيث الأجواء والأرض الخصبة لعمليات التنظيم بحلته وتكتيكه الجديد، وخاصة العراق الذي يشهد خلافات كبيرة بعد خسارة محور نظام ملالي إيران في الانتخابات الأخيرة.
أول مؤشرات الغضب الإيراني كانت عمليات قوية ودقيقة استهدفت الجيش العراقي وقوات البيشمركة ومقرات مسؤولين كبار كالكاظمي والحلبوسي.
إيران والقوى التابعة لها ستفعل المستحيل لأجل السلطة ولن تتخلى عن استثماراتها الكبيرة في الحشد والعراق، وبالطبع عَبْر أذرعها المختلفة. ستسهل عمل وتحركات هذه المجموعات الإرهابية التي فرت من سجن الصناعة وتعمل على جمع قواها وجذب الجهاديين من جديد، بحيث يتفقون معاً على محاربة القوات الأمريكية وطردها من العراق، لخلق الفوضى في البلاد وعرقلة تشكيل حكومة لا تتبع طهران، فمن هنا لا بد من التفكير قليلاً هل مَن خطّط ونفّذ هذه العملية هو تنظيم "داعش" الذي كان معظم قادته معتقلين، أم هو تنظيم "القاعدة" الذي يتبع الظواهري..؟!