تقوم إدارة بايدن بمضاعفة جهودها لإقناع الدول بإعادة مقاتلي تنظيم "داعش" وعائلاتهم من شرقي سورية، لكن هناك القليل من الدلائل على أن الولايات المتحدة يمكن أن تخرج بسرعة من المأزق الذي يقول القادة العسكريون: إنه يمثل تهديداً أمنياً كبيراً.
لا يزال حوالَيْ 11 ألفِ مقاتلٍ مُشتبَهٍ بهم مسجونين في سجون مؤقتة تديرها القوات الكردية السورية في شمال شرق سورية. وهناك ما لا يقل عن 60 ألف امرأة وطفل محاصرين في مخيمات تأوي عائلات "داعش"، حيث يُحذِّر المسؤولون من أن الظروف القاسية والتطرّف المستشري قد يؤديان إلى ظهور جيل جديد من المُتشددين.
فقد قُتل ما لا يقل عن 70 شخصاً حتى الآن هذا العام داخل مخيم "الهول" المترامي الأطراف الذي أصبح يرمز إلى المأزق بشأن المقاتلين وأفراد الأُسَر، الذين ينحدرون من جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وما وراءهما، والذين يجسِّدون الآن الآثار التي لم تتم معالجتها من المعركة التي دامت خمس سنوات ضد التنظيم.
وكان العديد من الدول -بما في ذلك حلفاءُ الولايات المتحدة المُقرَّبون في أوروبا- مُترددين في إعادة مواطنيهم إلى بلادهم، مُتذرّعين بمخاوف أمنية وعِبْء مراقبة أو مقاضاة أولئك الذين لديهم صلات بمتطرفين.
وقد قال ناثان سيلز، الذي أشرف على جهود إعادة أولئك الموجودين في المخيمات إلى أوطانهم كمسؤول كبير في مكافحة الإرهاب خلال إدارة ترامب: "ليس مجرد أنه بعيد عن العين -وأنه أمر لا يخصّ الغالبية العظمى من الأمريكيين- أنه ليس مشكلةً خطيرةً للغاية".
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لوصف التخطيط الداخلي: إن المسؤولين يعملون لمساعدة الدول الشريكة في إعادة تأهيل المقاتلين وأقاربهم ومقاضاتهم.
ويقول مسؤولون: إن بعض الدول، خاصة في آسيا الوسطى والبلقان، رحّبت بعودة مئات أو آلاف من مواطنيها من سورية، وخاصة النساء والأطفال ورفضوا تقديم أرقام دقيقة.
ويعمل المسؤولون الأمريكيون على تصعيد دبلوماسيتهم بشأن هذه القضية، حيث يطالب قادة "قسد" الجماعة التي يقودها الأكراد والتي دخلت في شراكة مع الجيش الأمريكي لمحاربة تنظيم "داعش"، بتقديم الدعم لتشغيل مَرافق الاحتجاز وإيجاد بديل لها من أجل أولئك المحتجزين بالداخل.
وتتدهور الأوضاع في مخيم "الهول" ، وهو مركز إيواء ضخم مكوَّن من الخيام الواهية التي تأوي 62 ألف فرد من أُسَر أفراد التنظيم، معظمهم من النساء والأطفال حيث المساكن غير مناسبة للسكن تحت الحرارة الشديدة والبرودة القاسية إلى جانب العنف الجنسي ضد النساء والأطفال الذي هو أمر شائع هناك.
ويلقي مسؤولو المخيم وعمال الإغاثة باللوم في موجة من الهجمات العنيفة على المتطرفين في المخيم واليأس من الأوضاع المادية هناك. حيث يقول مسؤولون: إنه في الأشهر الأخيرة، تم العثور على مُيَسِّرين ومُموِّلين للمتشددين مختبئين داخل مرافق المخيم، مما يشير إلى أن الجماعة تسعى لاستغلال الفوضى هناك لاستعادة قوتها.
فقط مجموعة محدودة من البلدان أعادت مواطنيها بأعداد كبيرة. ففي الأسبوع الماضي، قالت السلطات المحلية في شرقي سورية: إن الدنمارك وألمانيا أعادَتَا عشرات من رعاياهما.
وفي سياق منفصل، لا يزال حوالي 11000 رجل وصبي يُشتبه في ضلوعهم في نشاط متشدد محتجزين في شبكة من السجون سيئة الحماية. ووقعت عدة أعمال شغب، ويُحذر المسؤولون من إمكانية الهروب من السجون. على الرغم من أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ساعد في تحديث مرافق الاحتجاز، إلا أن المسؤولين في "قسد" يقولون إنها غير كافية.
هذا ويُطالب قادة "قسد" بدعم أماكن الاحتجاز وقد وصف مسؤولون أمريكيون -بمن فيهم جنرال مشاة البحرية كينيث إف ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية الأمريكية- عشرات الآلاف من الأطفال في الهول ومنشآت أخرى بأنهم قنابل موقوتة.
وقال ماكنزي في وقت سابق من هذا العام: "ما لم نجد طريقة لإعادتهم إلى أوطانهم، وإعادة دمجهم وإزالة التطرف، فإننا نقدم لأنفسنا هدية من المقاتلين خلال خمس إلى سبع سنوات قادمة، وهذه مشكلة عميقة".
وتمثّل التحديات المتعلقة بمعتقلي تنظيم "داعش" مجرد أحد التعقيدات العديدة للحرب في سورية. فقد قال تشارلز ليستر، الخبير في الشؤون السورية بمعهد الشرق الأوسط: إنه بينما لم تحاول حكومة النظام السوري التوغّل في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، حيث توجد سجون ومعسكرات "داعش"، فإن ذلك قد يتغير، ومن المحتمل أن يضعها تحت سيطرة نظام الأسد.
يقول المسؤولون الأمريكيون: إن الولايات المتحدة حاولت أن تكون مثالاً يُحتذى به من خلال إعادة 26 مواطناً أمريكياً من سورية والعراق، من بينهم 12 بالغاً. كما أن هناك عنصراً رئيسياً آخر في إستراتيجية إدارة بايدن هو الدفع لتسليط الضوء على مخاطر السماح للمخيمات بالتلاشي.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية: "علينا أن نستمر في إثبات أن بقاء هؤلاء الأفراد في شمال شرق سورية يُشكِّل خطراً أكبر بكثير من إعادتهم إلى بلادهم".
ومما يُعقّد الدبلوماسية حقيقة أن الحلفاء المقربين -بما في ذلك بريطانيا- رفضوا استعادة المقاتلين بأعداد كبيرة. كما جرّدت حكومة المملكة المتحدة بعضاً منهم من جنسيتهم.
وقال متحدث باسم السفارة البريطانية في واشنطن -تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بموجب القواعد الأساسية التي وضعتها السفارة- إن المملكة المتحدة أعادت الأطفال البريطانيين غير المصحوبين أو الأيتام من سورية.
وقال المتحدث: "أولويَّتنا هي ضمان سلامة وأمن المملكة المتحدة". ومن بين أولئك الذين بقوا في سورية هم أفراد خطرون اختاروا البقاء للقتال أو دعم مجموعة ارتكبت جرائم فظيعة بما في ذلك ذبح وقطع رؤوس المدنيين الأبرياء.
ويقول المسؤولون الأمريكيون: إن الأمر المهم أيضاً هو التعامل مع العدد الكبير من العراقيين الذين يُشكِّلون ما لا يقل عن نصف أولئك الموجودين في السجون والمعسكرات.
وبحسب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، فقد أعاد العراق مواطنيه عند انتهاء الفحص الأمني. ويقول مسؤولون أمريكيون: إن العراق نقل نحو 1700 شخص من سجون تنظيم "داعش" وأكثر من 400 من أفراد عائلاتهم. لكن الأجهزة الأمنية العراقية منعت نقل عائلات أخرى لأسباب أمنية.
ويُعدّ الترحيب بعودة الأفراد الذين تربطهم صلات بالمقاتلين أمراً محفوفاً بالمخاطر سياسياً بالنسبة للعراق، خاصة بعد معركته القاسية ضد "داعش". ويشعر المسؤولون باستياء شديد من الانتقادات الأجنبية عندما يواجه متشددون المحاكمة في المحاكم العراقية. ويقولون: إن الدول الغربية تريد إرسال مقاتلين إلى العراق لكنها تشير بعد ذلك إلى عيوب في نظامها القضائي أو تُدين استخدامه لعقوبة الإعدام.
وقال حسين في مقابلة أُجريت معه مؤخراً: "الحل لا يمكن أن يكون عراقياً فقط"، "إنه حل دولي".
يقول الخبراء: إن العودة الكبيرة إلى الوطن غير مرجَّحة في غياب تغيير جذري في سورية، مثل انسحاب القوات الأمريكية المنتشرة الآن إلى جانب "قسد" أو القوات التركية في عمق البلاد.
وقال ليستر: "لا أرى أنهم سيذهبون إلى أي مكان ما لم نشهد حدثاً خطيراً" ، "إن الأمور الآن تسير بطريقة نقل الخطر إلى الأمام".
المصدر: واشنطن بوست / ترجمة: عبد الحميد فحام