المصدر: جيروزاليم بوست ترجمة: عبد الحميد فحام
عندما التقى رئيس الوزراء نفتالي بينيت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في 22 تشرين الأول / أكتوبر، احتلت سورية ومستقبلها مكانة عالية على جدول الأعمال، وقال بوتين إن روسيا كانت "تبذل جهوداً" لاستعادة دور الدولة السورية وتقويتها. وليس من الواضح ما إذا كان هذا نوعاً من الاختصار لترسيخ بشار الأسد في السلطة على مدى السنوات السبع المقبلة، تماشياً مع الانتخابات المشكوك فيها التي فاز فيها الأسد مؤخراً بولاية رابعة بنسبة 95.1٪ من الأصوات.
إذا كان بوتين يفكر على هذا المنوال، فإن سياسته ستتفق مع سياسة بعض الدول العربية، التي تبحث عن طرق لإعادة النظام في سورية إلى ما يسمى بالحظيرة العربية، وعلى الرغم من اشمئزاز الغرب من الجرائم ضد السوريين المنسوبة إلى الأسد، الذي يترأس الآن أكثر من 70٪ مما كان ذات يوم سورية، فإن السياسة الواقعية للشرق الأوسط قد تشهد إعادة تأهيله.
هل يمكن لإسرائيل أن تجلس وتسمح بحدوث ذلك دون تدخل؟ سورية التي يسيطر عليها الأسد الذي أُعيد إلى منصبه والتي سيتم إعادة إدخالها إلى جامعة الدول العربية، ستمثل خطراً متزايداً على إسرائيل. الواقع سيكون "هلالاً شيعياً" مُعزّزاً -إمبراطورية إيرانية تجتاح اليمن إلى البحرين، إلى إيران نفسها، ثم العراق وسورية ولبنان -حيث تسيطر عن طريق وكيلها حزب الله. لذا يجب مضاعفة جهود إسرائيل لردع نقل الأسلحة، وربما الأسلحة النووية في نهاية المطاف، من إيران إلى حزب الله عن طريق سورية.
في أيلول/ سبتمبر، أعاد الأردن فتح حدوده التجارية بالكامل مع سورية، بينما كان الأردن في الأسابيع القليلة الماضية القوة الدافعة وراء صفقة لاستخدام المنشآت السورية لنقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان، الذي يواجه أزمة طاقة، وزار وزير الدفاع السوري علي عبد الله أيوب الأردن في أيلول /سبتمبر، والتقى مسؤولين عسكريين أردنيين، وبعد ذلك بوقت قصير، تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله مع الأسد عبر الهاتف لأول مرة منذ عام 2011.
وقد تم تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية في عام 2011 بسبب فشل دمشق في إنهاء حملتها العنيفة ضد المحتجين، وطالبت الجامعة باستقالة الأسد.
وفي عام 2018، أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، التي تم إغلاقها منذ عام 2011، ومؤخراً تم طرح فكرة إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، وربما كخطوة في هذا الاتجاه، أعلن عبد الله بن طوق المري، وزير الاقتصاد الإماراتي، مؤخراً أن الدولة الخليجية وسورية اتفقتا على خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي. وبلغت قيمة التجارة غير النفطية بين البلدين في النصف الأول من عام 2021 نحو 272 مليون دولار.
وقبل أسابيع قليلة، دعت الإمارات النظام في سورية للمشاركة في معرض دبي إكسبو 2020، أول معرض عالمي يُقام في الشرق الأوسط. وتم تأجيل معرض إكسبو 2020 بسبب وباء كوفيد، ويستمر المعرض من 1 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 31 آذار/ مارس 2022.
وقد التقى المري بنظيره السوري على الهامش حيث ورد أنهما بحثا في طرق لتوسيع العلاقات الإماراتية السورية.
وتلوح الاعتبارات السياسية والاقتصادية بشكل كبير في الفكر العربي الحالي. وقد أدى فقدان هيبة الولايات المتحدة بعد انسحابها من أفغانستان، فضلاً عن تحركاتها لإعادة تنشيط المحادثات النووية الإيرانية، إلى إعادة تقييم أولويات السياسة. وأصبحت العلاقات التي تتمتع بها الدول العربية مع روسيا، أقوى داعم للأسد، أحد الاعتبارات. فإذا تحركت روسيا، التي كانت تضغط من أجل عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، لغرض ترسيخ الأسد في السلطة، فإن بعض الدول العربية ستوافق على ذلك.
على عكس العالم العربي البراغماتي، لا يزال الرأي العام الغربي معارضاً للأسد، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه طاغية يداه ملطختان بدماء شعبه. وهناك شيء من الإجماع على أنه يجب إقالته من السلطة قبل أن يكون بإمكان سورية التمتع بعلاقة طبيعية مع بقية العالم. وهو ربما الموقف الذي اتخذه بينيت في سوتشي.
في عام 2011، مع ذروة ثورات الربيع العربي، غرقت سورية، مثل مجموعة من الديكتاتوريات الإقليمية الأخرى، في صراع داخلي. وسرعان ما تطورت المظاهرات الشعبية إلى ثورة مسلحة سعت أخيراً إلى الإطاحة بنظام الأسد الاستبدادي واستبداله بشكل ديمقراطي من الحكم.
وفي شهر آب/ أغسطس 2013، أصبح من الواضح أن الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد خصومه دون النظر إلى الخسائر البشرية المروعة التي نتجت عن ذلك.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما -على الرغم من أنه أقسم على معاقبة الأسد إذا استخدم أسلحة كيماوية- إلا أنه فشل في التحرك، وقام بوتين بالتحكم بزمام المبادرة فيما يتعلق بذلك الملف، وسرعان ما انتزع تعهداً من الأسد بتسليم الترسانة الكيماوية التي كان ينفي امتلاكها في الأصل، قَبِل أوباما التعهد، لكنه كان ذلك خدعة بالكامل.
وفي شهر حزيران/ يونيو 2021، أخبر فرناندو أرياس، رئيس منظمة مراقبة الأسلحة الكيميائية الدولية، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت حتى الآن في سورية 17 مرة على الأرجح.
وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر، كرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين معارضة الولايات المتحدة لأي تطبيع للعلاقات مع الأسد بعد أن دخل قانون أمريكي يعرف بقانون "قيصر" حيز التنفيذ العام الماضي ليعاقب أي شركة تعمل مع الأسد. وقال بلينكين في مؤتمر صحافي مشترك "ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل الأسد"، وقد حدد بلينكن مطلب الولايات المتحدة فيما يتعلق بسورية على أنه "تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي". ويمكن تفسير ذلك على أنه انتخابات حرة ونزيهة يُحرم فيها الأسد من الترشح، مما يؤدي إلى دستور جديد للبلاد.
ومع ذلك، فإن كل هذه التصريحات لا تعدو كونها أكثر من مجرد طموح أمريكي، فالالتزام أقل بكثير من الكلمات القوية، فنادراً ما تعتبر واشنطن سورية مصلحة حيوية للولايات المتحدة، والواقع أن الشرق الأوسط برُمَّته ليس من بين أولويات الرئيس الأمريكي جو بايدن.
بالنظر إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وقريباً من العراق، فلن يتفاجأ العالم العربي كثيراً إذا أعلنت الإدارة أنها ستغادر سورية.
قيادة حاسمة من الولايات المتحدة يمكن أن تمنع إعادة تأهيل الأسد ولكن السؤال المطروح: هل بايدن، مثل أوباما من قبله، مهتم للغاية بالاتفاق النووي والحساسيات الإيرانية؟