نداء بوست – ترجمات – هآرتس
عندما يتم استئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الأسبوع المقبل، يُمكن لإيران أن تَنْتَشِيَ لأن شهر تشرين الأول/ أكتوبر كان شهراً جيداً للغاية لانتهاكاتها للعقوبات.
فلقد نقلت ناقلاتها الخاصة حوالَيْ 170 ألف طن من النفط الخام دون أي اضطراب. وهذا يعني بلغة الأرقام أنها قامت بنقل حوالَيْ 1.2 مليون برميل، والتي ارتفع سعرها في الأشهر الستة الماضية من 25 دولاراً إلى 76 دولاراً للبرميل. وبلغ إجمالي دخل إيران من بيع النفط الشهر الماضي نحو 90 مليون دولار. كما قد كسبت مبالغ مماثلة في شهرَيْ آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، وستكسب المقدار نفسه هذا الشهر، حيث حققت ما يبلغ إجمالياً حوالَيْ مليار دولار لعام 2021 – وهو ما يعادل ميزانية حزب الله السنوية. وهذا مبلغ ليس سيئاً لنظام آية الله وسط جهوده لإصلاح الاقتصاد المتضرر.
وبعد الضغط الأمريكي، أوقفت إسرائيل قبل بضعة أشهر مهاجمة الناقلات الإيرانية التي تنقل النفط إلى سورية، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات. ويذهب نحو 60% من النفط الإيراني إلى الصين، ويتم تهريب نحو ربعه إلى جهات غير معروفة، كما يُباع الباقي بشكل أساسي إلى فنزويلا وسورية -كل منهما يحصل على حوالي 6%- بالإضافة لروسيا.
إن ما يجب أن يكون مصدر قَلَق أكبر لصناع القرار في إسرائيل هو حقيقة أنه حتى الإمارات العربية المتحدة لا تتورع عن شراء النفط الإيراني.
تنفيذ السياسات الحالية
إن المجموعة التي تتعقّب وتحذّر وتبلّغ عن هذه القضايا هي منظمة غير ربحية تُسمّى "متحدون ضد إيران النووية (UANI)" ، وهي منظمة أمريكية لها حضور دولي. ويضم مديروها وأعضاؤها سفراء سابقين وأعضاء في مجلس الشيوخ وكبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية. ولسبب ما، لدى إسرائيل ممثل واحد فقط في مجلس الإدارة: رئيس الموساد السابق تامير باردو.
منذ سنوات، كانت المنظمة تدعو إلى تشديد الحصار الاقتصادي والدبلوماسي ضد إيران بينما تواصل سعيها لتحقيق القدرة النووية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف -منع إيران من أن تصبح دولةَ عتبةٍ نوويةٍ، ناهيك عن امتلاك قنابل نووية- تقول المنظمة: إنه ليست هناك حاجة، على الأقل في هذه المرحلة، لاستخدام القوة العسكرية ومهاجمة منشآتها. بل يكفي أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على أي فرد أو كيان أو شركة أو دولة تتاجر مع إيران وتشتري النفط منها. وللقيام بذلك، ليست هناك حاجة للتشريعات أو اللوائح بل كل ما هو مطلوب هو تنفيذ السياسات التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية نفسها.
وقبل توقيع الاتفاق النووي (JCPOA) في شهر تموز /يوليو 2015، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً هائلة، بمساعدة معلومات استخباراتية من إسرائيل، على كل شركة أو دولة تتاجر مع إيران وتنتهك العقوبات. وكانت هذه عقوبات ثانوية، وقد امتنعت جميع دول العالم تقريباً، بما في ذلك الصين، في ذلك الوقت عن الحفاظ على العلاقات التجارية مع إيران أو تقديم خدمات مدرجة في القائمة السوداء، خوفاً من تضرُّر علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة.
لكن منذ انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة في 2018، امتنعت واشنطن عن تطبيق العقوبات الثانوية. وتجنب كل من الرئيس السابق دونالد ترامب وخليفته الرئيس جو بايدن القيام بذلك.
وبالتالي، ظلّت الولايات المتحدة تتجاهل منذ عدة سنوات انتهاك إيران للعقوبات. ودعت السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وهي عضو في مجلس إدارة "UANI"، الإدارة إلى تنفيذ قراراتها ببساطة – وإعادة فرض العقوبات على الصين والدول الأخرى التي تشتري النفط الإيراني. ليس هناك شك في أنه لو حدث ذلك، لكان الوضع الاجتماعي والاقتصادي في إيران قد تدهور أكثر وربما أجبر النظام في طهران على أن يكون أكثر مرونة.
لكن لبايدن أولويات دولية أخرى، وبالتالي فهو لا يركز اهتمامه على المشروع النووي ومشاكل إسرائيل. ونتيجة لذلك، تسمح إيران لنفسها بتشديد موقفها والنتيجة هي زيادة معدل تخصيب اليورانيوم، بمساعدة أجهزة الطرد المركزي المحسنة ومجموعات الطرد المركزي التي تدور بشكل أسرع وتخصّب اليورانيوم بكفاءة أكبر بما لا يقاس على ما كانت عليه في الماضي.
إن هذه الأنشطة تنتهك وعود إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والأهم من ذلك الاتفاق النووي الذي ما زالت إيران من الدول الموقعة عليه.
على العَتَبَة
ويشير تحليل لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي نُشر قبل أيام إلى أن تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 20% و 60% يضعها على عتبة الوصول إلى كمية الموادّ الانشطارية المطلوبة للأسلحة النووية.
إن إيران تمتلك في الوقت الحاضر كمية من اليورانيوم المُخصّب تُمكّنها من الوصول إلى 25 كيلوغراماً (55 رطلاً) من اليورانيوم عند مستوى 93% المطلوب لقنبلة واحدة في غضون ثلاثة أسابيع، وشهرين آخرين للقنبلة الثانية، وثلاثة ونصف للثالثة وستة أشهر للرابعة وكل هذا يعتمد على المعدل الحالي ووتيرة التخصيب.
كما أن الحصول على المواد الانشطارية ما هو إلا عنصر واحد على طريق تجميع الأسلحة النووية. وهناك حاجة أيضاً إلى أعمال هندسية مُعقَّدة لبناء قنبلة وتركيب العدسات البصرية والتفاعل النووي المتسلسل وتجميعها كرأس حربي على صاروخ، ولا تزال إيران تفتقر إلى هذه القدرات.
إن تقييم أجهزة المخابرات في إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا الغربية هو أن الجمهورية الإسلامية ستحتاج إلى عام ونصف آخر لذلك. وحتى مع ذلك، إذا كانت إيران قادرة على تجميع سلاح نووي، فستظل قنبلة غير مُختبرة.
وقد أجرت جميع الدول التي تمتلك أسلحة نووية أو كانت تمتلكها سابقاً (القوى الخمس الكبرى بالإضافة إلى الهند وباكستان وكوريا الشمالية وجنوب إفريقيا) تجارب نووية. فوَفْقاً للتقارير الأجنبية، فإن الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية غير مختبرة هي إسرائيل، على الرغم من أن التقارير الأجنبية زعمت في الماضي أن علماء إسرائيليين كانوا حاضرين في تجربة نووية لجنوب إفريقيا عام 1979. ولكن جنوب إفريقيا فككت في النهاية أسلحتها النووية.
كما ينعكس تصميم إيران على مواصلة تطوير برنامجها في إعادة التأهيل السريع لما لا يقل عن أربعة مواقع نووية تضررت خلال العشرين شهراً الماضية في عمليات نُسبت إلى الموساد. و لا ترغب واشنطن في القيام بعمل عسكري، أو على الأقل التهديد بالقيام بذلك. كما تعارض هجوماً إسرائيلياً، بل وحتى عمليات تخريب واغتيالات مثل تلك المنسوبة إلى الموساد والتي اُغتِيلَ فيها العامَ الماضيَ كبيرُ العلماء النوويين الإيرانيين، الدكتور محسن فخري زاده.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فقد "حذّر المسؤولون الأمريكيون نظراءهم الإسرائيليين من أن الهجمات المتكررة على المنشآت النووية الإيرانية قد تكون مُرضِية من الناحية التكتيكية، لكنها في النهاية تأتي بنتائج عكسية". وفي مثل هذه الحالة، تكون مجموعة الخيارات المفتوحة لإدارة بايدن محدودة للغاية.
في الواقع، فإن المطلب الرسمي الوحيد للولايات المتحدة قبل استئناف المفاوضات هو أنه مقابل رفع العقوبات، ستعود إيران إلى اتفاقية 2015 الأصلية.
لكن المشكلة بأن طهران ليس لديها مثل هذه النية. فلقد أوضحت إيران أنها لن تقبل أي صفقة، لا عودة إلى الاتفاقية الأصلية ولا اتفاقية محدودة بشروط أقل، ما لم ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات أولاً. ومع هذه الفجوة الهائلة في المواقف، هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى حلٍّ وَسَطٍ وفرصة كبيرة لاستمرار الاستنزاف من جانب إيران.
إسرائيل وحدها تماماً في مثل هذا الوضع، مع خيارات محدودة والأرض المحروقة التي خلفتها سياسات بنيامين نتنياهو الإيرانية. ويثبت رئيس الوزراء نفتالي بينيت أنه زعيم ضعيف يفتقر إلى خطة مُنظّمة. كما قد يكون لنتنياهو مسار واحد فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية، لكن بينيت يفتقر إلى ذلك؛ لأنه ليس لديه أدنى فكرة عما يجب فعله. فهو برفقة وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوتشافي، يكررون الشعار المتعفن القائل بأن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة". فما هي الخيارات التي يفكرون فيها؟ هل هي عملية عسكرية؟ حيث إن سلاح الجو الإسرائيلي يفتقر إلى القدرة على إعادة البرنامج الإيراني عدة سنوات إلى الوراء.
ويتضح افتقار بينيت وغانتس وكوتشافي للإبداع في هذا الشأن، على سبيل المثال، في رغبتهم في زيادة ترسانة الصواريخ والقاذفات. حيث إن فكرة إنشاء "سلاح صواريخ" في إسرائيل ليست جديدة، وقد أثارها أولاً وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان. إنها فكرة جيدة، لكنها باهظة الثمن، وقد تكلف مليارات الشيكلات والغرض منها هو تعزيز القوة النارية للجيش الإسرائيلي دون الاعتماد فقط على القوة الجوية.
وفي الوقت نفسه، ليس هذا هو الحلّ في حال نشوب صراع مع إيران. ففي الدرجة الأولى، وفقاً لتقارير أجنبية، تمتلك إسرائيل بالفعل صواريخ "أريحا" التي يمكنها ضرب أي نقطة في إيران. ثانياً، الصواريخ متوسطة المدى والصواريخ التي يأمل بينيت في زيادتها مخصصة لساحات مثل سورية ولبنان وربما حتى العراق، ولكن بالتأكيد ليس إيران.
والشخص الوحيد من بين صانعي القرار والمستشارين حول بينيت الذي أثبت معرفته وفهمه وخبرته فيما يتعلق بإيران هو رئيس مجلس الأمن القومي، الدكتور إيال هولاتا، الذي ترأَّس حتى وقت قريب قسم التخطيط الإستراتيجي والسياسات في الموساد، وأيضاً عالج القضايا المتعلقة بالولايات المتحدة وإيران. لكن هولاتا وحده لا يستطيع محاربة عدم فعّالية وعَجْز بينيت وغانتس وكوتشافي.
فعلى ما يبدو، فإن هذا الثلاثي يتقبل حقيقة أن إيران ستصبح قريباً دولةَ عتبةٍ نوويةٍ، وجاهزة لامتلاك قنبلة في غضون فترة قصيرة إذا رغبت في ذلك.
إن الوضع بعيد كلّ البُعدِ عن أن يكون مُشجِعاً، حيث تصبح إسرائيل حينها معتمدة على مَكرُمات إيران وطِيبتها. لذا يجب على القيادات الإسرائيلية السياسية والاستخبارية والعسكرية أن تعود إلى رشدها وتفكر خارج هذه المحدّدات، حيث إنها قامت بصياغة بعض الأفكار مسبقاً، وستكون هذه مهمة رئيس الموساد ديفيد بارنيا بشكلٍ أساسيٍّ.