نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريراً عن الأزمة المشتعلة على الحدود الفاصلة بين بيلاروسيا الحليف الوثيق لروسيا وبولندا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، أجرت فيه لقاءات مع بعض الذين تقطعت بهم السبل بعد أن سمحت حكومة بيلاروسيا لعدد كبير من وسائل الإعلام بدخول المنطقة لتغطية الأحداث.
وتقول الصحيفة في تقريرها الذي ترجمه موقع "نداء بوست" إلى اللغة العربية إنه لقي ما يقرب من 12 مهاجراً حتفهم في الأسابيع الأخيرة في المواجهة بين بيلاروسيا، الحليف الوثيق لروسيا، وبولندا، العضو في الناتو والاتحاد الأوروبي، وكل منهما مصمم على عدم الانحناء.
ويضيف التقرير أن مئات المهاجرين، الذين تقطعت بهم السبل في طقس متجمد على الجانب البيلاروسي من الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، حاولوا الاندفاع والدخول إلى بولندا. وقد استخدمت قوات الحدود البولندية خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لإعادتهم.
وفي إفادة لأحد المهاجرين يقول التقرير إن الشاب روان أكرم، وهو شاب كردي من العراق يبلغ من العمر 23 عاماً أمضى 28 ليلة، كل ليلة أكثر برودة مما كانت عليه من قبل، يختنق بدخان نيران المخيم وبمشاعر يملؤها اليأس على عتبة أوروبا. لقد نجح في عبور الأسلاك الشائكة إلى بولندا ثلاث مرات، ليتم الإمساك به في الغابة وإجباره على العودة إلى بيلاروسيا. فقد انتهت تأشيرته إلى بيلاروسيا قبل 12 يوماً، مما جعله تحت رحمة دولة بوليسية قمعية.
ويؤكد التقرير أن روان أكرم بالإضافة إلى مئات غيره من المهاجرين اليائسين والغاضبين على نحو متزايد، تقطعت بهم السبل عند الحدود -قالوا إن مسؤولي الأمن البيلاروسيين قاموا بتحريضهم -ودُفعوا نحو نقطة تفتيش حدودية، وألقوا الحجارة والحطام على قوات الأمن البولندية المتجمعة على بُعد ياردات قليلة، فما قد بدأ في الظهيرة كمجرد محاولة أخرى لاختراق السياج الحدودي تحوّل إلى اشتباك خطير، فقد قام الضباط البولنديون بالرد بوابل من خراطيم المياه وأعيرة نارية من الغاز المسيل للدموع.
وقد انفجر روان أكرم غاضباً وقال: "أنا غاضب، الجميع غاضبون، هذا هو آخِر شيء يمكننا القيام به" وأضاف: "لا يوجد حل آخر إذا أردنا يوماً ما الوصول إلى أوروبا".
وفي تطور لافت تقول النيويورك تايمز إن حرس الحدود في بيلاروسيا بدأ بعد ساعات، وبشكل مفاجئ في نقل مئات المهاجرين من مخيماتهم المجمدة إلى ملجأ في مخزن قريب، ولم يتضح على الفور ما هي الخطط التي وضعتها السلطات لأولئك الذين سينقلونهم، لكن خشي الكثيرون أن يكون النقل مقدمة للترحيل، وليس مجرد لفتة إنسانية.
وقد سلطت المواجهة التي وقعت يوم الثلاثاء، وهي الأسوأ في طريق مسدود منذ شهور على الجانب الشرقي من الاتحاد الأوروبي، الضوء على مخاطر المواجهة بين بيلاروسيا، الحليف الوثيق لروسيا، وبولندا، العضو في الناتو والاتحاد الأوروبي، المصممين على عدم الانحناء، وقد قُتلَ ما لا يقل عن 11 شخصاً على الحدود في الأسابيع الأخيرة.
وقال السيد أكرم: "نحن مجرد عصا يضربون بعضهم بعضاً بها". "نحن عالقون وسط صراعاتهم."
وأكد أكرم أن ضباط الأمن البيلاروسيين حرضوا على المشاجرة من خلال إخبار المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في معسكرات قذرة وباردة على بعد أمتار قليلة من بولندا وأن الحكومة القومية المتشددة في وارسو لن تسمح لهم بالدخول إلا إذا تم إجبارها على ذلك.
لكنه ألقى باللوم أيضاً على بولندا لأنها مصممة على مقاومة الضغط من الزعيم الاستبدادي في بيلاروسيا، ألكسندر ج.لوكاشينكو، في مقابل حياة الأشخاص اليائسين.
وقال: "لا أحد يريد أن يبدو ضعيفاً". "لقد أصبحنا كرة في لعبتهم السياسية الكبيرة."
وقد وصف المسؤولون في الاتحاد الأوروبي الأزمة بأنها "حرب مختلطة" صممها السيد لوكاشينكو لمعاقبة بولندا لإيوائها بعض أكثر خصومه صراحة والضغط على الاتحاد لرفع العقوبات عن بلاده، وتصر بيلاروسيا، من جانبها، على أنها كارثة إنسانية نجمت عن رفض أوروبا الالتزام بالقانون الدولي ومنح الفارين من الحرب واليأس الحق في التقدم بطلب لجوء على الأقل.
ولإعطاء بعض المصداقية لروايتها الخاصة عن الأحداث، سمحت بيلاروسيا لعدد قليل من المؤسسات الإخبارية الأجنبية، بما في ذلك نيويورك تايمز، بزيارة الحدود ومشاهدة القذارة واليأس. غير أن بولندا، حريصة على إبقاء اليأس بعيداً عن أعين الجمهور، فقامت بإغلاق الحدود من جانبها، ومنعت عمال الإغاثة والصحفيين وحتى الأطباء من الاقتراب بأميال من مسرح اضطرابات يوم الثلاثاء.
وبدلاً من ذلك، تركت وارسو للمسؤولين الحكوميين مهمة وصف الأحداث وإلقاء اللوم على بيلاروسيا في كل المعاناة، وقالت السلطات البولندية، التي نشرت مقاطع فيديو للمواجهات، "يتم تنسيق السلوك العدواني بأكمله من قبل الدوائر البيلاروسية ومراقبته بواسطة طائرات بدون طيار".
وقالوا إن ضابط شرطة أصيب بجروح خطيرة وكان يعالج في المستشفى لما يعتقد أنه كسر في الجمجمة.
وقد فقد مهاجر من الجانب البيلاروسي وعيه، على ما يبدو، بعد تعرضه لصدمة من خراطيم المياه البولندية، التي تم نشر أربعة منها في نقطة تفتيش حدودية مغلقة مزينة بشعارات الاتحاد الأوروبي وبولندا.
وقد قال رئيس مكتب الأمن القومي في نهاية الأسبوع: إن موقف بولندا المتشدد -"نحن لا نتحدث عن أزمة إنسانية ولكن عن تهديد" -حصل على دعم قوي من حلفائها. فقد قرر الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين توسيع نطاق العقوبات المفروضة على بيلاروسيا في وقت سابق من هذا العام، بعد أن قام جيش السيد لوكاشينكو بإسقاط طائرة ركاب تقل منشقاً بارزاً.
كما لعب موقف وأرسو المتشدد دوراً في الداخل، لا سيما بين أنصار حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا. حيث أعلن البنك الوطني البولندي هذا الأسبوع أنه سيصدر عملات وأوراقاً نقدية تذكارية جديدة تكريماً لـ "الدفاع عن الحدود الشرقية البولندية".
ويقول التقرير: لكن الحكومة البولندية تعرضت لانتقادات من منظمات إنسانية بسبب التعديل القانوني الذي أقرته في تشرين الأول/ أكتوبر، والذي يسمح بإبعاد المهاجرين المتواجدين عند الحدود وتجاهل طلبات اللجوء التي قدمها أولئك الذين دخلوا بشكل غير قانوني.
وقد وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الثلاثاء، معاملة القوات البولندية للمهاجرين بأنها "غير مقبولة على الإطلاق"، وقال السيد لافروف في مؤتمر صحافي إن القوات "تنتهك كل القواعد التي يمكن تصورها في القانون الإنساني الدولي والاتفاقيات الأخرى للمجتمع الدولي".
وبعد أن أسكتت السلطات البيلاروسية جميع الأصوات المستقلة تقريباً منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها العام الماضي، والتي اعتُبرت مزورة على نطاق واسع أصبحوا الآن أكثر انفتاحاً للتدقيق على الحدود مع بولندا، كما أصبحوا بلداً ديمقراطياً يسمح لوسائل إعلام كثيرة بالاهتمام بالمنطقة الحدودية فقط.
وقال ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الناتو، يوم الثلاثاء: إن الحلف "يشعر بقلق عميق بشأن الطريقة التي يستخدم بها نظام لوكاشينكو المهاجرين المعرضين للخطر كتكتيك هجين ضد البلدان الأخرى، وهذا في الواقع يعرض حياة المهاجرين للخطر".
وقد توجه مئات المهاجرين إلى مأوى قدمته بيلاروسيا يوم الثلاثاء، لكن مئات آخرين ظلوا في مخيمات نتنة ومتجمدة بالقرب من الحدود.
ويضيف التقرير أنه ومع ذلك، هناك حدود للمدى الذي يمكن فيه للسيد لوكاشينكو تصعيد التوترات، وحتى بعض الإشارات التي تشير إلى أنه ربما يحاول التخلص منها، كما أن تدفق المهاجرين يتباطأ حيث أوقفت شركات الطيران الرحلات الجوية إلى العاصمة البيلاروسية مينسك أو حظرت المسافرين العراقيين والسوريين.
وفي مينسك في وقت مبكر من يوم الثلاثاء، كان عشرات المهاجرين لا يزالون يقيمون في فندق يوبيليني، الذي تديره إدارة الممتلكات التابعة للرئيس، لكن البعض قالوا إنهم أُجبروا على المغادرة ويخشون الطرد.
وقد نفت حكومة لوكاشينكو المزاعم، بما في ذلك تلك الصادرة من الولايات المتحدة، بأنها دبرت الأزمة وتوجه حركة المهاجرين.
وعن بداية الأزمة يؤكد التقرير بأن البداية كانت عندما بدأ عدد متزايد من المهاجرين الفارين من الفقر، والحرب المحاولة لدخول دول الاتحاد الأوروبي مثل بولندا وليتوانيا عبر بيلاروسيا خلال الأشهر القليلة الماضية، وقد تم الكشف عن ارتفاع حاد في الصراع بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بيلاروسيا في أيار/ مايو.
وقد تزايدت الاتهامات من دول الاتحاد الأوربي لبيلاروسيا حيث يزعم القادة أن ألكسندر لوكاشينكو، الزعيم الاستبدادي لبيلاروسيا، دبر الأزمة لمعاقبة الدول الأوروبية لإيوائها خصومه وفرض عقوبات.
وقد اشتعلت المواجهة بعد المحاولات القوية من الحكومة البولندية لإبعاد الناس، حيث أرسلت آلاف الجنود إلى المنطقة الحدودية. وقد لعبت السياسة المتشددة دوراً جيداً مع القوميين اليمنيين في بولندا.
ويوجد هناك الكثير من المخاوف من حدوث أزمة إنسانية. فالمهاجرون تقطعت بهم السبل في الغابات الكثيفة التي تمتد عبر الحدود، ويواجهون البرد القارس والشتاء على الأبواب، إنهم غير قادرين على دخول الاتحاد الأوروبي أو العودة إلى بيلاروسيا، وتوفي العديد بالفعل نتيجة انخفاض حرارة أجسامهم.
وعن دور روسيا تقول الصحيفة إنه قد برز من خلال تدخُّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره الداعم الأكثر أهمية لبيلاروسيا، وألقت روسيا باللوم على الغرب في تأجيج أزمة الهجرة ووافقت على نشر قاذفات نووية للقيام بدوريات في المنطقة الحدودية.
ونقلت وكالة الأنباء الحكومية عن السيد لوكاشينكو قوله في اجتماع حكومي يوم الثلاثاء "لا يمكننا أن ندع هذه المشكلة تؤدي إلى مواجهة ساخنة".
وأضاف أن "الهدف الرئيسي الآن هو حماية بلدنا وشعبنا وعدم السماح بالاشتباكات"، وقالت بيلاروسيا إنها تحقق في تصرفات حرس الحدود البولنديين لكنها تجنبت حديثها الحربي السابق عن هجوم وشيك من جانب الناتو.
وعن الإجراءات المتخذة لإنهاء الأزمة تقول الصحيفة إن الحكومة العراقية قامت برحلة إجلاء في وقت لاحق من هذا الأسبوع من مينسك إلى العراق.
وقال ريكار حامد، وهو كردي عراقي يبلغ من العمر 32 عاماً، أنفق حوالي 10000 دولار لإيصال نفسه وزوجته وابنه البالغ من العمر عامين إلى حافة الهاوية: "أفضل الموت هنا في البرد على العودة إلى العراق". فهو لا يزال يأمل في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن أصبح على بُعد ياردات قليلة، فهو ينام في خيمة خضراء واهية بجانب الطريق المؤدية إلى الحاجز الحدودي، وخلفه ينتشر مشهد مرعب لنيران المخيمات ويرتجف الناس بملابس قذرة.
ويقدر حرس الحدود في بيلاروسيا أن هناك ما لا يقل عن 2000 شخص تقطعت بهم السبل في منطقة بروزجي.
وقد يشير قرار إيواء بعض المهاجرين في مخزن يوم الثلاثاء، إلى أن بيلاروسيا تريد تخفيف التوترات الحدودية، وقد بدا أن بعض أولئك الذين ساروا إلى المخزن -عبر ممر ضيق يحرسه جنود بيلاروسيا بأسلحة آلية- قد استسلموا.
وقال بلال، 23 عاماً، وهو مهاجر من العراق لم يذكر سوى اسمه الأول: "من المستحيل جداً الوصول إلى أوروبا، نحن نريد العودة إلى ديارنا".
وقال السيد أكرم أيضاً إنه كان لديه ما يكفي، على الرغم من إنفاقه 4700 دولار للوصول إلى مسافة ياردات من هدفه، مع انخفاض درجات الحرارة في الليل إلى ما دون درجة التجمد، قال إنه لا يستطيع أن يواجه أي أيام أخرى من الاستيقاظ وكأنه مومياء محاصرة في كيس نوم متصلب بالثلج. وقال "لقد انتهى كل شيء".
لكن مع حلول الليل، كان من الممكن رؤية مئات آخرين في العراء بالقرب من المعبر الحدودي، وهم يجرون جذوعاً خشبية وقشاً بينما يستعدون لقضاء ليلة أخرى شديدة البرودة.