”نداء بوست“ – المتابعة والتحقيقات – عمّان:
رصد ”نداء بوست“ انطلاق أُولى التحركات التي يمكن أن تندرج في إطار التنسيق “الأردني – السوري” المستجد، والتي يقودها جهاز الأمن العامّ الأردني وقيادة الأركان المشتركة للجيش.
ولا تنفصل التحركات الأردنية تجاه النظام السوري الذي تدعمه إيران بقوة، عن القلق الأردني من خطر إيراني محتمل، غير بعيد عن مسار العلاقات بين عمّان وطهران التي شهدت العديد من التقلبات في العقود الماضية، بعد سقوط نظام الشاه، ودعم الملك الراحل حسين بن طلال للعراق في الحرب العراقية الإيرانية، حينذاك تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا أن العلاقات استُؤنفت مجدداً بعد رحيل الخميني، وبعد أن قام الأردن بإغلاق مكتب حركة ”مجاهدي خلق“ الإيرانية المعارضة من أراضيه كبادرة حسن نية. وعاد التوتر من جديد ليخيّم على أجواء تلك العلاقات بعد تأييد الأردن لحقوق الإمارات في الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران وبعد غزو العراق وتداعيات الربيع العربي وموقف إيران في سورية واليمن.
اكتمال الهلال الشيعي
ومنذ أن كشفت ”الفاينانشيال تايمز“ صيف هذا العام عن اجتماعات عُقدت في التاسع من نيسان/ إبريل الماضي في بغداد جمعت مسؤولين أردنيين مع آخرين إيرانيين بهدف إحداث تقارُب مع إيران والأردن، إلى جانب مصر والسعودية. والجدل يدور حول الموقف الأردني المتخوّف من إيران إلى درجة الإسراع بالتقارب معها، ولو عَبْر مدّ اليد للنظام السوري، بدلاً من التصعيد، خاصة بعد أن أصبحت الميليشيات الإيرانية متمركزة على الحدود الأردنية الشمالية، بعد حصار درعا واتفاقيات التسوية التي تمت بإشراف الروس، وبعد أن بات التهديد أكثر من جدي، مع إعلان الملك الأردني عبدالله الثاني قبل شهرين، عن استهداف بلاده بطائرات مسيَّرة إيرانية، في مقابلة أجرتها معه شبكة “سن إن إن” الإخبارية الأمريكية. في تلك المقابلة أعاد العاهل الأردني التذكير بتحذير كان أطلقه في العام 2004 من خطر تشكُّل ”الهلال الشيعي“ إلا أنه بيّن طبيعة ذلك التهديد، قائلاً: “أودّ أن أوضح هنا أنني عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، قصدت الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية“.
وأضاف “نحن في الأردن ندعو للحوار والتقدم إلى الأمام دائماً، بدلاً من النظر للأمور بعين الريبة وخلق المزيد من التحديات“، معتبراً أن برنامج إيران النووي ”يؤثر على إسرائيل كما يؤثر على الخليج”.
واليوم وقد اكتملت مخاوف الأردن من نشوء الهلال الشيعي الإيراني، تختار عمّان على ما يبدو إستراتيجية مختلفة للتعامل معه، برفع التنسيق مع الجار السوري، فقد أفادت مصادر مطلعة لـ ”نداء بوست“ بأن تعليمات مشددة صدرت عن قيادة الأركان المشتركة في الجيش الأردني لقيادة عمليات لواء الشيخ محمد بن زايد التابعة لقيادة قوات التدخل السريع بالتحضير لاستحداث مراكز متابعة وإسناد تتبع قوات حرس الحدود مع النظام السوري.
تحسّباً لاحتمال اندفاع موجة جديدة من النزوح من قِبل أهالي محافظات جنوب سورية “منطقة درعا” الذين رفضوا الالتزام بالخطة الأمنية المقررة من قِبل قيادة الجيش السوري بإشراف روسي.
وقد شهد منتصف أيلول/ سبتمبر الجاري، وصول تعزيزات تابعة للواء الشيخ محمد بن زايد، إلى منطقة الرمثا الحدودية. للشروع بخطة انتشار واسعة للوحدات المكلفة بتعزيز مواقع حرس الحدود خلال فترة أقصاها أسبوع واحد من تاريخه.
وكانت معلومات جهاز الأمن العامّ بالأردن قد كشفت عن وجود شبكات تمويل غير معلنة لصالح جماعات تنشط داخل الأراضي السورية عَبْر اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن. وتأتي التعزيزات العسكرية تزامناً مع تحركات جهاز الأمن العامّ الأردني لتعزيز دور فِرَق المتابعة ولجان الارتباط بمخيمات اللجوء المخصصة للإقامة المؤقتة للاجئين السوريين، بهدف الكشف عن قنوات الاتصال التي يتم من خلالها إدارة وتمويل مجموعات تنشط ضِمن بادية التنف ومخيم ”الركبان“.
وكان النازحون السوريون في مخيم “الركبان” قد ناشدوا الأمم المتحدة مؤخراً، لترحيلهم إلى دول أوروبية، بدل العودة إلى مناطق سيطرة الأسد.
وأشار المجلس المحلي للمخيم في بيان، أن نازحي “الركبان” مخيّرون بين الجوع والفقر ونقص كامل في الخدمات الإنسانية والمعيشية من جهة، وخيارات الأمم المتحدة بنقلهم إلى مناطق نظام الأسد دون ضمانات لحمايتهم من جهة أخرى.
وفي وقت سابق طالب “مجلس عشائر تدمر والبادية السورية الأمم المتحدة بعدم استغلال حاجة نازحي مخيم “الركبان”، داعياً إياها لأداء “واجبها الإنساني” تجاه نازحي المخيم ومنطقة “55” على المثلث الحدودي.
البحث عن دور عربي
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، كان قد أشار الأسبوع الماضي إلى أن المقاربات السابقة حول سورية، لن تنجح بالتوصل إلى حل سياسي، وأضاف أنه لا بد من حوار بين الولايات المتحدة وروسيا لإيجاد حلّ.
وقال الصفدي: إنه “لا يمكن الاستمرار في مُقارَبات أثبتت عدم جدواها. فنحن في المنطقة مَن يدفع ثمن استمرار هذه الأزمة“.
وحول موقف بلاده من القضية السورية، أوضح الوزير الأردني أن العاهل الأردني الملك عبد الله أكد في عدة مناسبات أنه “علينا العمل جميعاً لحل هذه الأزمة التي تتطلب حواراً أمريكياً روسياً“، معتبراً أنه “من غير المعقول وغير المقبول ألا يكون هناك دور عربي جماعي، ففي البداية والنهاية، سورية دولة عربية، والدول العربية هي الأكثر تأثراً بما يجري في سورية، ونحن ندفع باتجاه إيجاد دور عربي في حلّ الأزمة السورية”.
من جانبها عبّرت قيادة العمليات المركزية للقوات الأمريكية في الأردن عن دعمها للتحركات الأخيرة للأردن على المستوى العسكري والأمني.
ومن المقرر أن يتم عقد اجتماع على مستوى قيادة الأركان المشتركة وقيادة العمليات المركزية للجيش الأمريكي في الأردن لمناقشة الإجراءات التقنية المتعلقة بالتنسيق “الروسي – الأردني” على الشريط الحدودي مع سورية وإمكانية توسيع التنسيق ليشمل الأراضي السورية على المستوى الاستخباراتي خلال المرحلة المقبلة.
مصادر ”نداء بوست“ أشارت إلى خطوات قادمة ستلي ما تم تنفيذه حتى الآن، من شأنها أن تؤدي إلى استحداث ”لجنة تنسيق دائمة“، عَبْر خط ساخن بين قيادة الجيش الأردني وقيادة العمليات الروسية في سورية بهدف تعزيز التنسيق بين الجانبين في المرحلة المقبلة.
وفي حال نجح الأردن في المسار الذي يمضي فيه اليوم، فإن نظاماً إقليمياً جديداً سينشأ من القوى الفاعلة الراغبة بتجفيف الأزمات في المنطقة.
لكن عوامل عديدة تقف عائقاً أمام مشروع كهذا، على رأسها الأوضاع الداخلية في كل من إيران والأردن، والموقف الشعبي المتجذِّر، وكذلك حذر إسرائيل من أن مشروعاً كهذا قد يعزّز الوجود الإيراني في المنطقة بدلاً من أن يحتويه.