"نداء بوست" – تحقيقات – عقبة محمد :
بعد أن أتم الثلاثين يوماً، لا يزال خليل الحراكي (اسم مستعار) عالقاً في مدينة "مينسك" البيلاروسية مع خمسة من أصدقائه، على أمل الدخول إلى أوروبا عبر بولندا، على الرغم من فشل محاولاته الثلاث.
غادر الحراكي (29 عاماً) من مدينته "الحراك" شرقي محافظة درعا إلى مطار دمشق الدولي بتاريخ 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، بهدف السفر إلى بيلاروسيا عبر الخطوط الجوية لشركة "أجنحة الشام"، بعد أن استخرج تأشيرة السفر عن طريق شخص تربطه علاقة بشركةٍ سياحية بيلاروسية كلّفته مبلغاً قدره 3500 دولار أمريكي، ووصل في اليوم ذاته حسب ما أفاد الشاب لـ "نداء بوست".
والحراكي كغيره من أبناء محافظة درعا، دفعهم سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاغتيالات والاقتياد للخدمة الإلزامية في جيش النظام السوري، إلى المغادرة خارج سورية، خصوصاً في مطلع العام الحالي، وذلك بعد بيع أشيائهم الثمينة لتغطية تكاليف السفر والتهريب إلى أوروبا.
وثبت أن لشركة أجنحة الشام دوراً منظّماً ومهماً في نقل المهاجرين من سورية إلى بيلاروسيا، حيث كشفت (منصة يديرها صحافيون سوريون متخصصة في التحقق من الأخبار)، من خلال تحقيق استقصائي نشرته على موقعها، عن دور شركة "أجنحة الشام" في نقل السوريين عبر رحلات جوية مباشرة من دمشق إلى "مينسك" عاصمة بيلاروسيا، مقابل مبالغ مالية طائلة.
ويذكر أن هذه الشركة مدرجةٌ على قائمة العقوبات الأمريكية منذ كانون الأول عام 2016 بسبب تقديمها الدعم المالي والتكنولوجي والخدمي إلى حكومة النظام السوري.
مخاطرة واستغلال
من خلال حديثه مع "نداء بوست"، بيّن الحراكي أنهم تعرضّوا لاستغلال مادي من قبل الشرطة البيلاروسية، وقال: "انطلقنا من مدينة مينسك إلى بريست بسيارة أجرة، حيث كانت المسافة قرابة 450 كيلومتراً، واستغرقت 6 ساعات من الوقت". وأضاف: " بينما نحن في الطريق أوقفتنا الشرطة البيلاروسية وأجبرتنا على دفع 100 دولار للشخص الواحد، كي يسمحوا لنا بإكمال الطريق نحو الغابة التي من المقرر أن ندخل منها إلى بولندا".
ويكمل الحراكي، أنه ومن معه وصلوا إلى الغابة بعد مشي ساعتين على الأقدام، ليلحق بهم عناصر من الجيش، كانوا يرتدون الزي العسكري الروسي ويحملون الأسلحة والهراوات كما يصف الشاب.
وأردف الحراكي " بسبب خوفنا، قمنا بالهرب وافترقنا في الغابة، كل شخصين منّا ذهبوا باتجاه، وأضعنا بعضنا البعض لمدة 7 ساعات تقريباً، ثم التقينا بواسطة GPS وطلبنا سيارة أجرة بواسطة برنامج "جوزلا"، وعدنا إلى مينسك.
نريد المحاولة مرة أخرى وكنّا ننسق مع أحد المهرّبين لكن لم نستمر في التنسيق معه، لأن المهربين تجار بشر بلا شرف ولا أخلاق".
الموت على الحدود
أحمد الحسن شاب سوري من مدينة حمص يبلغ من العمر 19 عاماً، فقد حياته نتيجة البرد القارس على حدود بولندا في الثالث عشر من الشهر الحالي، حيث تم دفنه ليلة يوم الثلاثاء 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، في قرية "بوهنيكي" بالقرب من المعبر الحدودي البولندي "كوزنيكا"، إذ تم ذلك بواسطة أقلية التتار المسلمة التي تعيش في المنطقة. فيما يرتفع عدد الضحايا المهاجرين إلى 11 شخصاً سوريين وجنسيات أخرى كذلك، وفقاً لصحيفة Publico الإسبانية.
وقالت الصحفية البيلاروسية Hanna Liubakova من خلال تغريدة نشرتها على حسابها تويتر: إن متطوعين من فريق الطوارئ الطبي البولندي أفادوا بوفاة طفل سوري يبلغ من العمر عاماً واحداً، كما أُصيب والداه بجروح بليغة أثناء بحثهما عن طفلهما في الغابة.
بينما تكتفي أوروبا بالتصريحات وتراشق التهم مع بيلاروسيا في ظل الأزمة الإنسانية الكارثية التي يعاني منها آلاف المهاجرين العالقين على حدودها منذ أكثر من شهر.
وكان وزراء أوروبيون عارضوا استقبال المهاجرين في بلادهم، مما ينبئ بعدم وجود أي تحرك فعلي من شأنه أن ينهي أو يخفف معاناة المهاجرين.
وينتظر الحراكي توقُّف تساقُط الثلوج في مدينة "مينسك" البيلاروسية، ليحاول الدخول إلى بولندا للمرة الرابعة كما يختم حديثه لـ "نداء بوست"، فهل ينجح بعد كل هذه المشقّة؟