روى القرآن الكريم أنه لما سبق موسى -عليه السلام- قومه سأله الرب سبحانه: "وما أعجلك عن قومك يا موسى" فكان رد موسى أن "عجلت إليك ربي لترضى" فأبلغه الرب -سبحانه- بالفتنة التي تعرض لها قومه فعاد على الفور مستفسراً عما حصل من نائبه الذي فوضه بمهمة المتابعة والإدارة هارون -عليه السلام- فوجد أن المشكلة القائمة لوقت قصير كادت أن تهدم ما قام به من عمل في وقت طويل سابق، وكل ذلك حصل لاستعجاله اللقاء منفرداً ومستنداً إلى قدراته الكبيرة في التقدم تاركاً جماعته خلفه يتبعونه بحسب قدراتهم المتواضعة.
لقد شرح هارون -عليه السلام- وجهة نظره في الإدارة بأنه مال إلى عدم إحداث فُرقة في المؤسسة الاجتماعية فأدار الأزمة بشكل مؤقت بدل حل المشكلة من جذورها -ريثما يعود القائد صاحب الكاريزما- حيث فضل هارون الحفاظ على قيام المؤسسة نفسها على إيجاد حلول قد تساهم في تدميرها، هكذا عمد موسى إلى سبب المشكلة في القصة ألا وهو العجل فتخلص منه، ولفت نظر الجماعة إلى الهدف الأسمى للمؤسسة الاجتماعية وذكّرهم برسالتها ألا "إنما إلهكم الله"، لتعود المؤسسة الاجتماعية للاستقامة من جديد.
نلاحظ من القصة أن موسى –عليه السلام- اتبع إجرائية إدارية واضحة لحل المشكلة التي حصلت، حيث عمد إلى فهم المشكلة أولاً وناقشها مع نائبه مطولاً ثم تخلص من سبب المشكلة وتعامل مع الشخص الذي صنع الأزمة وأعاد تركيز المؤسسة الاجتماعية نحو هدفها الإستراتيجي لتعود للعمل من جديد.
فهم المشكلة التي حصلت في المؤسسة يعد هو المسألة الأساس في حل المشكلات، حيث إن نقاشها مع كبار الموظفين ومع أطراف المشكلة الرئيسيين سيسمح لقائد المؤسسة أن يكوّن صورة شاملة عما حصل، حتى لو كان لديه فرضية سابقة حول تصورها فإن نقاشها سيجعله يدرك أبعاد المسألة وأسبابها الدقيقة ، وبهذا يستطيع القائد أن يبدأ الخطوة التالية في ضوء معلومات متوفرة، فتوصيف المشكلة بشكل دقيق هو نصف الحل.
رغم أن المشكلة التي تحصل في المؤسسة قد تساهم في حرف معظم أداء المؤسسة وقد تساهم في إعادة تشكيلها في غير ما هو مرسوم لها فإن حل المشكلة لا يكون بعقاب كل من شارك فيها بل بعلاج جذور المشكلة، فعادة ما يكون في الشركات رؤساء ومرؤوسون، فالرئيس المفوض هو الذي يتحمل الجزء الأكبر مما حصل، وكذلك أصحاب الشخصيات الكارزمية والمؤثرون والمتسببون الرئيسيون هم من يتم متابعتهم، بهذا يأتي حل المشكلة بالتعامل مع أصلها، وقد تنتهي بفصل موظف بعينه أو بتغيير الإجرائيات التي تسببت بالمشكلة أو إعادة كتابة جزء من النظام الداخلي لم يكن واضحاً أو مفهوماً للمرؤوسين، كل هذا يحصل من غير أن يعفي القائد نفسه من المسؤولية في ما حدث فالمراجعة الشفافة لتصحيح الوضع تقتضي التعامل مع المشكلة بما يخدم مصلحة المؤسسة نفسها وليس مصلحة القائد أو قسم بعينه.
كما أن التركيز على الأهداف الإستراتيجية ومراجعتها هو الدليل الرئيس في حالة وقوع المشاكل، فلا يمكن للنظام الداخلي أن يذكر كل شيء ولا يمكن للإجرائيات الإدارية مهما توسعت أن تشمل كامل التصرفات للعاملين وهنا يأتي السؤال أنه كيف إذاً يتم التعامل في الحالات الضبابية وغير المعروفة أو غير المسبوقة؟ ويأتي الجواب بالتركيز على الأهداف الغائية للمؤسسة فالأهداف البعيدة هي الأضواء التي ترسم طريق المؤسسة والعاملين فيها وفي وقت تسود فيه الضبابية تشكل البوصلة لإعادة توجيه أداء العاملين.
إذاً فإن فهم المشكلة وتوصيفها بشكل دقيق، ثم التعامل مع المشكلة بحيادية وشفافية والتخلص من مسبباتها، وإعادة توجيه دفة المؤسسة نحو الأهداف الإستراتيجية هو ما يُشكِّل إجرائية بسيطة وواضحة لحل المشاكل في المؤسسات الكبيرة والمتوسطة.