ترجمة – الشرق الأوسط
تمكّن "ألكسندر زورين" وهو ضابط روسي من إقامة علاقات مع مختلف الأطراف المتحاربة على الأرض السورية.
"زورين" المعروف بالرجل الذي يلجأ إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأداء مهام صعبة وهو مبعوثه، كان يقدّم وجهاً إنسانياً للروس، ويشارك في عمليات المصالحة، بالتزامن مع استخدام القوات الجوية الروسية وقوات النظام السوري قوتها الجوية لفرض تسويات في مناطق مختلفة من سورية.
في كثير من الأحيان، كان "زورين" يتبنّى خطاب المعارضة، الأمر الذي يُفاجئ السياسيين وشخصيات المجتمع المدني. وفي وقت سابق، وافق هذا الرجل على مقترحات تشكيل مجلس مشترك بين الجيش السوري والفصائل والأكراد والمنشقين.
أما على الصعيد السياسي، كان من بين "مهندسي" مؤتمر الحوار الوطني في 2018 ورتب لسفر شخصيات معارضة على متن طائرة عسكرية من جنيف إلى سوتشي.
خلف الأبواب المغلقة كثيراً ما يشكو "زورين" من مواقف النظام وعناده ويشرح الموقف الروسي بانفتاح، بينما يقدم أيضاً صورة أكثر ملاءمة لموسكو.
وقبل سنوات، أبلغ النظام السوري، موسكو أنه لم يعد قادراً على "حماية" زورين وهو يتنقل في سورية، محذّراً من أن "حياته كانت في خطر" (مما يصفهم النظام بالإرهابيين).
وبالتالي أعادت وزارة الدفاع الروسية "زورين" إلى مركز القيادة في موسكو حيث تمت ترقيته للإشراف على الملف السوري نيابة عن وزير الدفاع سيرغي شويغو.
وقبل أيام فقط، وصل "زورين" إلى دمشق في مهمة جديدة حيث رتّب زيارة قصيرة إلى مقر اللواء الثامن بالفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة في بصرى الشام بريف درعا.
ويعود الفضل لـ "عودة" في تسهيل تنفيذ اتفاق 2018 بشأن جنوب سوريا حيث دعت الاتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن وإسرائيل إلى عودة القوات الحكومية إلى الجنوب ونشر الدوريات الروسية وتخلي واشنطن عن الفصائل التي طالبت بإلقاء أسلحتها الثقيلة. بالمقابل تنسحب الميليشيات الإيرانية من الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان.
وكان عودة قد أرسل قافلة عسكرية إلى دمشق لنقل "صديقه" إلى بصرى الشام.
وأبلغ زورين مضيفه أن دمشق لا تستمع لنصيحة روسيا بشأن ضرورة التوصل لتسوية والتخلي عن الحل العسكري لدخول درعا البلد معقل المعارضة الرئيسي في المدينة.
وأبلغ عودة أن روسيا لن ترسل طائراتها لدعم أي عملية للنظام في المنطقة التي تضم أيضا 50 ألف مدني.
يتماشى موقف "زورين" مع رئيسه "شويغو" الذي يعتقد أن حل الصراع في سورية يكمن في تعزيز مناطق النفوذ بترتيبات عسكرية.
ويتناقض هذا الرأي مع وجهة نظر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي لا يزال يؤمن بإمكانية توحيد البلاد من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بحسب تفسير روسيا.
ترى وجهة النظر العسكرية الروسية حالياً أن قوات النظام السوري غير قادرة على السيطرة على جميع أنحاء البلاد، بحجة نقص الموارد البشرية والأزمات الاقتصادية وتدخل الجيوش الأجنبية.
لذلك فإن "الحل المؤقت" يكمن في مناطق النفوذ: التوصل إلى اتفاق مع تركيا حول الشمال الغربي، واتفاق مع الولايات المتحدة على الشمال الشرقي، واتفاق مع مقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر على الجنوب الغربي واتفاق آخر بين القوات الحكومية وروسيا وإيران على المناطق الغربية الوسطى.
الحديث هنا يدور حول أربع مناطق نفوذ، وليس ثلاثة كما كان الحال. لكن لدى النظام السوري حسابات مختلفة. النظام السوري راضٍ عن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في المناطق التي تسيطر عليها. كما استوعبت تصريحات لمسؤولين أردنيين وقرارهم فتح الحدود مع سورية فور عودة الملك عبد الله الثاني من زيارة لواشنطن.
ولاحظت أيضاً بوادر انفتاح عربي لتطبيع العلاقات مع النظام السوري. الذي يسعى الآن لتحقيق "النصر" بعد الانتخابات ومن غير المرجح أن يحدث هذا لأن الوضع في الشمال الغربي لا يزال شائكاً بسبب التفاهم بين أنقرة وموسكو.
لذا، فإن النظام السوري وضع أنظاره على "مهد الثورة" – درعا. إنه يسعى لإقناع موسكو بدعم موقفه وبالفعل بدأت الفرقة الرابعة، يوم الخميس، قصف درعا البلد قبيل اقتحامها.
إيران، التي اتُهمت بتجنيد مقاتلين محليين للتعويض عن انسحابها في 2018 وتحليق طائرات بدون طيار فوق الأردن المجاور، لم تكن تقاتل بشكل علني في الهجوم. ومع ذلك ، يُعتقد أنها موجودة على الأرض نظراً لعدم وجود غطاء جوي روسي.
المفاجأة جاءت من سكان درعا وفصائلها فقد وسّع الفيلق الخامس انتشاره في ريف درعا الشرقي بعد زيارة زورين.
وفي الريف الغربي، استولى مقاتلو المعارضة على حواجز أمنية للنظام واعتقلوا نحو 500 عنصر من الموالين للنظام السوري وقد وردت أنباء عن "انشقاقات جديدة" بين الجنود كانوا قد التحقوا بالجيش وقوات الأمن عقب اتفاق 2018.
بعد يوم دموي، تدخل الروس ورتبوا لقاءات بين ممثلين عن درعا والجيش بحثًا عن تسوية جديدة.
ويدعو الاتفاق الجديد إلى إبعاد بعض المقاتلين عن المنطقة وحل موضوع الأسلحة الخفيفة وإقامة نقاط تفتيش وفتح طريق عمان دمشق السريع وسيلعب الفيلق الخامس دوره في الاتفاق حيث تنتظر جميع الأطراف جولة جديدة من الاقتتال بين فصائل المعارضة التي تريد الحفاظ على حرية درعا والنظام الذي يريد النصر العسكري.