كتب شوغالي في رسالة إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" من كابول أن جميع الطرق مفتوحة للتعاون على نطاق واسع، و"هذا هو سبب وجودي هنا"، وقد أشار إلى أن الوضع كان ناضجاً لتطوير علاقة سياسية واقتصادية أوسعَ مع "طالبان".
من ليبيا إلى مدغشقر والآن أفغانستان، يقدم المسار الوظيفي غير المعتاد للسيد شوغالي نظرة ثاقبة حول كيفية سعي موسكو لتكوين صداقات والتأثير على الحكومات في الأماكن التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.
عادةً ما يُصنّف الرجل البالغ من العمر 55 عاماً نفسه كباحث ينشغل بأحداث خارجة عن إرادته. خلال إقامته، سُجن في طرابلس لأكثر من عام بتهمة التجسس وأصبح موضوعاً لفيلم أكشن بعنوان "شوغالي"، والذي عُرض لأول مرة على التلفزيون الروسي أثناء حبسه.
ومع ذلك، يعمل السيد شوغالي، الذي يحافظ على قصة شعر عسكرية قصيرة ويُفضّل القمصان ذات اللون الداكن، تحت الإشراف المباشر للسيد بريغوزين. وهما الشخصان اللذان يُعتبران معاً أحد أكثر العاملين المُستقلّين فعالية في تعزيز أهداف السياسة الخارجية الإستراتيجية لبوتين، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وغربيين آخرين.
وقد كان تحقيق مولر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 وجد أن السيد بريغوزين، صاحب مطعم سابق معروف باسم "بوتين كوك"/ "طبّاخ بوتين" حصل على مئات الملايين من الدولارات في عقود الحكومة الروسية، قد قام بتمويل مزرعة الـ "ترول" (متصيدو الإنترنت) في سانت بطرسبرغ، والتي حاولت تحريف نتيجة الانتخابات. وتقول وكالات المخابرات الأمريكية إنها تحافظ على علاقات وثيقة مع نظيراتها الروسية، وتقول أيضاً بأن الرافعة الأساسية للاستخبارات هي قوة فاغنر شبه العسكرية التي نشرت مرتزقة في سورية وليبيا وأوكرانيا، وفقاً لمسؤولين أمريكيين. وفرضت وزارة الخزانة عقوباتها على بريغوزين العام الماضي، قائلة إنه يُعتقد أنه المُمول لـ فاغنر، والتي وصفتها بأنها وكيلة وزارة الدفاع الروسية.
ويقول أشخاص مُقربون من فاغنر إن شركة فاغنر قامت مؤخراً بتوسيع عملياتها لتشمل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقال مسؤولون روس إن حكومة مالي أيضاً من بين الدول التي ستنتشر فيها فاغنر بينما تستعد فرنسا لخفض قواتها في منطقة الساحل.
وقال روس مقربون من وزارة الدفاع إن بريغوزين قام بتمويل وتنظيم المجموعة، رغم أنه ينفي أي صلات له بها.
كما يقول مسؤولو المخابرات والمحللون إن شوغالي، الذي يشغل الآن منصب رئيس مؤسسة بريغوزين للحفاظ على القيم الوطنية، قد ساعد في نشر القوة الناعمة الروسية التابعة للكرملين في الأماكن التي يتضاءل فيها نفوذ الولايات المتحدة.
وقال صمويل راماني، الزميل المشارك في معهد "رويال يونايتد للخدمات"، وهو مؤسسة فكرية مقرها المملكة المتحدة: "مكسيم شوغالي هو وكيل حرّ ومُيسِّر ومُسهّل لنشاط الدولة الروسية".
وقد تضمّنت زيارة السيد شوغالي التي استمرت أسبوعاً إلى أفغانستان أكثر من 100 مقابلة مع أفغان حول المواقف تجاه طالبان والحكومة المخلوعة المدعومة من الولايات المتحدة. كما التقى المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد وبدأ العمل على خطة بموافقة طالبان لفتح مكتب فرعي لمركز أبحاث السيد بريغوزين.
وقال السيد شوغالي: "كان من المهم بالنسبة لي أن أفهم ما إذا كانت هناك شروط مسبقة لطالبان لتشكيل دولة كاملة. يمكنني القول إن معظم الناس لديهم توقعات إيجابية."
وأشار السيد بريغوزين إلى محادثة أجراها مع السيد شوغالي، وصف فيها الباحث الحماس المتزايد في أفغانستان مع انسحاب طالبان.
وقال بريغوزين في بيان في شهر آب/ أغسطس: "لقد أطلقوا النار على الأمريكيين الملعونين، الذين يركضون مثل الفئران، مُعتقدين أن سفينتهم قد غرقت" وأضاف بريغوزين: "مكسيم يعقد اجتماعات ويستمتع بالسير في شوارع المدينة".
تتبع مهمة السيد شوغالي في أفغانستان نمطاً تم تحديده في عام 2018، عندما بدأ العمل مع السيد بريغوزين.
ويقول مسؤولون ومحللون أمريكيون إنه تمّ إرساله إلى إفريقيا في إطار محاولة لتعزيز مصالح روسيا ومواجهة نفوذ الولايات المتحدة وفرنسا. وكشف فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية في مدغشقر من خلال عرض حقائب مليئة بالنقود لشراء ولاء المرشحين السياسيين. ويقول السيد شوغالي إنه كان هناك لمراقبة انتخابات البلاد.
وقد ظهر الرجل مرة أخرى في دائرة الضوء عندما تم اعتقاله هو ومترجمه في ليبيا في مايو 2019.
هذه المرة تم اتهامه بعرض مساعدة سيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الراحل معمر القذافي، لعودته إلى الواجهة السياسية.
وقال مسؤولون ليبيون إن السيد شوغالي أجرى استطلاعاً للرأي لتقييم الدعم الشعبي للقذافي الشاب في أن يكون رئيساً، والذي كان جزءاً من جهد روسي أوسع لبناء دعم سياسي في ليبيا الغنية بالنفط، حيث أنفقت موسكو مليارات الدولارات وتم توقيع الصفقات بالأموال التي ضاعت عندما تمت الإطاحة بالقذافي.
ووفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي اطلع عليها المسؤولون الليبيون، قدّم السيد شوغالي تقارير مباشرة إلى منظمة السيد بريغوزين أثناء وجوده في ليبيا. وقال مسؤولون إنه اعترف خلال الاستجواب بدخوله البلاد بذريعة كاذبة والتخطيط للتدخل في الانتخابات المقرر إجراؤها في كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام. وقال شوغالي إن اجتماعاته مع القذافي كانت لأغراض بحثية بحتة.
وقال أيضاً: "الجميع يخشى أنه إذا وصل القذافي الابن إلى السلطة فإنه سينتقم بسبب ما حدث لوالده وعائلته".
وخلال عام ونصف في سجنه في طرابلس، سمع السيد شوغالي انفجارات في مكان قريب مثل قتال بين الحكومة المعترف بها دولياً وقوات المعارضة المدعومة من روسيا في العاصمة. وانتهت الحرب بوقف إطلاق النار في منتصف عام 2020، وبعد ضغط من الحكومة الروسية، تم إطلاق سراح السيد شوغالي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
لقد قام فيلم الأكشن "شوغالي" بتسليط الضوء على استجوابه وعلى مترجمه، في كثير من الأحيان بتفاصيل تصويرية. كما أطلقت وكالة أبحاث الإنترنت التابعة للسيد بريغوزين حملة لتأمين استقلالية السيد شوغالي، وحصلت في وقت ما على دعم تشارلي شين وممثلين آخرين على منصة فيديو المشاهير كاميو.
وقال شوغالي إن بريغوزين أعطاه في وقت لاحق 18 مليون روبل، أو حوالي 250 ألف دولار، عند عودته إلى روسيا قبل أن يدفع السيد بريغوزين المبلغ المتفق عليه العام الماضي.
في غضون أشهر، عاد السيد شوغالي إلى التنقل، متوجهاً إلى السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث يدعم مئات المرتزقة الروس الحكومة في قتالها ضد قوات المتمردين. واتهم محققو الأمم المتحدة الجيش الروسي بممارسة التعذيب والإعدام والنهب بإجراءات موجزة.
وقد أجرى السيد شوغالي استطلاعات رأي لتقييم المواقف تجاه روسيا وفرنسا، ونظّم مؤتمرات صحافية وعروض أفلام، حيث قام بأحد تلك العروض في الملعب، في محاولة لتحسين صورة الجيش الروسي.
وقال: "بعض الصحافة الغربية تصور المستشارين الروس على أنهم شياطين".
ومنذ ذلك الحين، واصل السيد شوغالي رحلته، على الرغم من العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على المؤسسة التي يعمل بها. وكانت الولايات المتحدة قد عاقبت في وقت سابق السيد بريغوزين وشخصاً آخر مرتبطاً بالمؤسسة، ألكسندر مالكيفيتش، لدورهم في التلاعب بالانتخابات والدعاية الانتخابية المُضللة. لكن السيد شوغالي كان قادراً على الاستمرار في العمل بحرية وفي كثير من الأحيان في زوايا من العالم يصعب الوصول إليها من قِبل الولايات المتحدة.
وفي النهاية قال السيد شوغالي: “لحسن الحظ لم تتم معاقبتي، على الأقل حتى الآن”.
المصدر: وول ستريت جورنال/ ترجمة: عبد الحميد فحام