نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
على درب رشيد طليع السوريِّ اللبنانيِّ العروبيِّ الرشيد، أسهم السوريّ الحمصيّ مظهر رسلان (1886-1948)، في رسم معالم بدايات الدولة الأردنية الحديثة.
وُلد مظهر بن مصطفى رسلان في مدينة حمص سنة 1886 ميلادية، وتخرَّج من الكلية الملكية في إسطنبول.
عمل في مناصب إدارية عديدة في الدولة العثمانية. وفي عهد الحكومة الفيصلية (1918-1920) عُين متصرفاً للواء البلقاء في الأردن ومركزه "السلط". بعد أن استولى الفرنسيون على سورية، بقي رسلان في "السلط" وترأَّس الحكومة المحلية. وعند وصول الأمير عبد الله إلى "معان" نهايات عام 1920، ذهب مظهر رسلان لمقابلة الأمير هناك، ودعوته إلى الانتقال من "معان" (التي كانت أيامها مدينة حجازية وليست أردنية) إلى عمّان التي كانت تتهيأ لتكون عاصمة كيانٍ أردنيٍّ يتحضّر على نار توافُقات قومية بريطانية متقلّبة. كما كان رسلان واحداً من مرافقي الأمير عبد الله إلى القدس عندما ذهب للتباحث مع ونستون تشرشل (1874-1965) وزير المستعمرات البريطانية آنذاك. اشترك في أول وزارة أردنية، ثم ترأس الوزارة مرّتين (1921-1923) كما تولَّى منصب وزير الداخلية في حكومة علي رضا الركابي الأردنية الأولى.
بعد تأسيس الإمارة الأردنية شكّل مظهر رسلان حكومة برئاسته في 15 آب/ أغسطس 1921، وأخرى في 1 ـ 2 ـ 1923.
وبعد استقالته من الحكومة عاد إلى مدينته ومسقط رأسه حمص، وانضم هناك إلى الكتلة الوطنية التي كانت تتزعم حركة النضال ضد الانتداب الفرنسي، فاعتُقِل في جزيرة "أرواد"، ثم انتخب نائباً في عدة دورات. في عام 1932 تولّى وزارتَي المعارف والعدلية، ثم تولى مناصب وزارية أخرى. كما شغل منصبَيْ وزير الأشغال والتموين في حكومة الزعيم السوري سعد الله الجابري المُـشكَّلة في 19 ـ 8 ـ 1943 م.
وفي عام 1948 عُيّن وزيراً مفوضاً لسورية في مصر، وهناك لم يمهله الأجل المحتوم، حيث انتقل إلى رحمته تعالى يوم 28 أيار/ مايو 1948، أثناء وجوده في القاهرة. وهو الرحيل الذي جاء بعد أيام قليلة من إعلان قيام دولة إسرائيل بتاريخ 15 أيار/ مايو 1948، فهل لهذا الحدث الذي حطّم أحلام القوميين العرب وأبناء حزب الاستقلال العربي، الذين حملوا حلم الملك فيصل بمملكة عربية مستقلة عن الدولة العليّة، علاقة برحيل مظهر رسلان المفاجئ ولم يكن يعاني من مرض ما، بل على العكس كان جرى تعيينه قبل رحيله بشهريْن أو ثلاثة، وزيراً مفوَّضاً في مصر، ولم يكن قد تجاوز وقتها الواحدة والستين من عمره، وهو العمر نفسه الذي رحل عن الدنيا ولم يتجاوزه.
مواقفه القومية
لا يختلف مظهر رسلان في انحيازاته القومية، عن رفاقه من أعضاء حزب الاستقلال العربي، ومن الثائرين السوريين والعرب أجمعين، ممن واجهوا بدايةً السلطات العثمانية، وتحديداً الانقلابيين العسكريين في خريف الإمبراطورية. ثم واجهوا الاستعمار الأوروبي: الفرنسي في سورية ولبنان، والبريطاني في فلسطين وجنوب سورية (الأردن) والعراق ومصر.
وهو مع رفيقيْهِ في الحزب والنضال: رشيد طليع السوري من أصل لبناني، وعلي رضا الركابي السوري من أصل عراقي، تناوبوا على تشكيل حكومات إمارة شرق الأردن، منذ الحكومة الأولى في نيسان/ إبريل 1921، وحتى حزيران/ يونيو 1926، وبمعدل حكومتيْن لكلّ واحدٍ منهم.
على أن رسلان كان على تماسّ أكثر منهما مع الشأن الأردني، بحكم توليه منصب قائمقام (متصرف) "لواء السلط" قبل تأسيس الإمارة، وقبل انطلاق مسيرة الدولة الأردنية الحديثة، بتكليف من الملك فيصل شقيق الأمير عبد الله، الذي لم يصبح ملكاً إلا في عام 1946، عام إعلان استقلال الأردن بتاريخ 25 أيار/ مايو مملكةً أردنيةً هاشميةً، وأول ملوكها عبد الله الأول بن الحسين بن علي.
رسلان لم يشارك الأردنيين نضالاتهم ضد الوجود البريطاني، وضد المعاهدة بين البريطانيين وبين الأمير في عام 1928، وهي التي فُرضت في نهاية المطاف فرضاً، رغم المعارضة القوية والعنيفة لها في مختلف المدن الأردنية؛ من "الرمثا" شمالاً وحتى "الكرك" و"معان" جنوباً، إضافة إلى "عمّان" و"السلط" في الوسط. وسبب عدم مشاركته، إدراكه المبكِّر أن ما خرجوا يناضلون من أجله، جرت خيانته بِلَيْلٍ. وأن محاولة المُقارَبة بين عناوين العروبة؛ تلك الصادحة في الشام، والأخرى الصادحة في الحجاز، اصطدمت بنزعةٍ ميكافيليةٍ ذرائعية، خضعت لمعايير "المحتل/ المستعمر/ المنتدَب" الأجنبي، تحت ذرائع مفرطةٍ في واقعيّتها، مُستلَبةٍ في أعماق حقيقتها، لِمن يدفع ويحدّد النغمة.
وهو كان يُؤْثر، بعد مغادرته الأردن عام 1924، أن يظل معتكفاً في حمص مدينة قلبه، لولا أن هَوَس السياسة لا يُبقي ولا يَذَر. وقد جرّه إليه مرّة ثانية شخص يثق به رسلان، إنه سعد الله الجابري (1892-1947) رفيقه في النضال القومي وفي سجن "أرواد" وفي جمعية "العربية الفتاة"، وفي مختلف مراحل الحلم القومي العربي الذي كان الجابري من أول الداعين خلاله إلى سورية الطبيعية، قبل ميشيل عفلق وقبل أنطون سعادة. الجابري صديق إبراهيم هنانو -وحده وليس غيره- مَن يستطيع إقناع رسلان بالعودة للسياسة، فكانت عودة مظهر في شهر آب/ أغسطس من عام 1943، عندما تولَّى الجابري منصب رئيس الوزراء في واحدة من الحكومات التي كانت تتقلّب، وتتغيّر بسرعة عجيبة، أيام الانتداب الفرنسي.
بِأَسًى رحل مظهر رسلان، بمرارة حُلم لم يتحقق كما ينبغي، برؤيته رأي العين والقلب الدامي ضياع فلسطين، بقليل من فرح الاستقلال الثاني (الاستقلال الأول في الثامن من آذار/ مارس 1920) الذي انتزعته بلده سورية في 17 نيسان/ إبريل 1946 (عيد الجلاء) بعدما طردت باقي فلول الفرنساويين، قبل رحيله بعاميْن اثنيْنِ.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية