النظام يتجاوب في الشكل ويُفخِّخ المضمون والمعارضة تحاول أن تناور في هوامش محدودة، ففي الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، انطلقت الدورة السادسة من مباحثات اللجنة الدستورية السورية، بعد أن عمد النظام السوري لتعطيلها أكثر من تسعة أشهر. وتتناول الدورة موضوعات "الجيش والقوات المسلّحة والأمن والاستخبارات، وسيادة القانون، وسيادة الدولة، والإرهاب والتطرف".
ويُمكن القول: إنّ روسيا مارست ضغوطاً على النظام السوري للانخراط في جولة جديدة من مباحثات اللجنة الدستورية، بغرض إعطاء المزيد من التطمينات حول استمرار قدرتها على التأثير في العملية السياسية، بالتزامن مع الجهود التي تبذلها لاستكمال مَسار التطبيع العربي والدولي.
ورغم الانتقال إلى نقاش المضامين الدستورية، التي بدت وكأنها خطوة إلى الأمام، لكن من غير المتوقع حدوث اختراقات كبيرة في عملية كتابة الدستور، فلا توجد أيّة مؤشرات لتخلي النظام السوري عن سياسته في هدر الوقت، ما لم يضمن اقتصار عملية إصلاح الدستور على مجرّد تعديلات دستورية.
ويبدو أن النظام السوري يمارس في هذه الدورة ما مارسه في كل الدورات السابقة من سياسة إضاعة الوقت من خلال تفخيخ اللقاء بطرح القضايا التي يُدرك تماماً أن الطرف الآخر لا يمكنه الموافقة عليها. وقد استغلّ النظام حادث تفجير حافلة في دمشق بالأمس لممارسة هذه السياسة بشكل مكثَّف. حيث إن روسيا بدأت منذ عام 2017 بفرض رؤيتها على مَسار العملية السياسية، مستفيدة من تراجُع نفوذ المعارضة السورية في خارطة السيطرة والنفوذ لصالح النظام السوري، والذي تمت ترجمته بتقديم مناقشة سلة الدستور على الحكم والانتقال السياسي الذي كانت تتمسّك به المعارضة السورية سابقاً.
كما تعمل روسيا على اختزال مَسار الإصلاح الدستوري بمجرَّد تعديل على دستور عام 2012، يخلص إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما كانت التصورات الأولية للمسار تتحدث عن صياغة جديدة للدستور تُمهِّد للانتقال إلى مناقشة بقية القضايا وَفْق القرار 2254 (2015).
ختاماً يبدو من أداء وفد النظام في هذه الدورة والدورات السابقة أنه وحلفاءه يعملون على تفريغ المسار من محتواه، مع عدم الممانعة في تقديم تنازُلات في الشكل، بهدف منع توقُّف المسار بشكل نهائي، حيث إن بقاءه حياً -ولو بالحد الأدنى- يُساعد روسيا في ترويج ادعاءاتها عن وجود رغبة منها ومن النظام في التوصل إلى تسوية سياسية، في الوقت الذي تعمل على تمرير رؤيتها للحل من خلال مسارات أخرى موازية، بعضها ذو طابع دولي وإقليمي وآخر ذو طابع محلي.