نداء بوست – محمد الشيخ
مضى النظام السوري قدماً في إجراء انتخاباته الرئاسية رغم المعارضة التي أبدتها العديد من الدول الكبرى لها، ورفضها الاعتراف بنتائجها، فضلاً عن وجود قرابة ثلثي السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرته وفي دول اللجوء حول العالم.
عملية انتخابية وصفها الكثيرون بأنها مسرحية هزلية، محسومة النتائج لصالح “بشار الأسد”، الذي لم يتوانَ عن إضافة حملة انتخابية إلى حبكة هذه المسرحية، لإيهام الموالين قبل الفاعلين الخارجيين بوجود “ديمقراطية” ومنافسة في العملية التي تجري بإشراف وتنظيم من أفرعه الأمنية.
ويشير إصرار النظام ومن خلفه روسيا على إقامة هذه الانتخابات في موعدها، إلى تعثر الجهود التي بذلتها موسكو طيلة السنوات الماضية، في التوصل إلى حل مرضٍ لها ولبقية الدول الفاعلة في الملف السوري، بما في ذلك مجموعة “أستانا” التي طمحت في أن تكون بديلة عن “مسار جنيف” الدولي.
ويعزز هذه الفرضية، إصدار كل من وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بياناً مشتركاً عشية الانتخابات، استنكروا خلاله هذه العملية غير الشرعية، وأكدوا رفض بلادهم لأي انتخابات لا تجري وفقاً للقرار 2254.
وكانت تركيا -أحد الأطراف الرئيسية في مسار “أستانا”- أعلنت على لسان وزير خارجيتها “مولود جاويش أوغلو” أن انتخابات النظام تفتقد للشرعية، وتعبر عن رفضه للحل السياسي وتمسكه بالخيار العسكري، كما منعت إقامة هذه العملية في قنصلية النظام بـ”إسطنبول” في 20 أيار/ مايو الحالي.
على الجانب الآخر، التزمت العديد من الدول الفاعلة في الملف السوري الصمت إزاء هذه الانتخابات، وبشكل خاص الدول العربية، التي لم تصدر أي موقف علني من هذه العملية، باستثناء مصر التي اعتبرت على لسان وزير خارجيتها “سامح شكري” أنها “شأن داخلي ونأمل أن تكون معبرة عن الشعب السوري”.
ماذا يعني التجديد لـ”الأسد”؟
بالرغم من تقديم 51 شخصاً طلبات ترشح للانتخابات الرئاسية، ورفض برلمان النظام ملفات 48 منهم، والإبقاء على 3 من بينهم “بشار الأسد”، إلا أن جميع السوريين والمطلعين على الملف السوري يدركون أن الفوز سيكون من نصيب رئيس النظام، وهو ما بدى جلياً خلال “الحملة الانتخابية” حيث غابت الحملات المداهمة لباقي المرشحين، ونظمت الأفرع الأمنية مسيرات مؤيدة لـ”الأسد”.
ومع العلم المسبق بنتائج هذه الانتخابات التي هي أقرب ما تكون إلى منح “الأسد” ولاية رئاسية جديدة، إلا أنها تحمل في طياتها عدداً من الدلالات، بحسب ما يرى الباحث في الشأن الروسي “سامر إلياس”، الذي اعتبر أن الهدف الأول منها تعطيل تنفيذ الاستحقاقات التي ينص عليها القرار 2254، ومحاولة من روسيا إلى منح “الأسد” شيئاً من الشرعية تمهد لإعادة تسويقه عربياً ودولياً، بعد نجاحها في إعادة فرض سيطرته على جزء كبير من الأراضي السورية.
وأشار “إلياس” في حديث لموقع “نداء بوست” إلى أن هذه الانتخابات لجزء من الشعب السوري فقط، وتحديداً للقابعين تحت قبضته الأمنية، ولا تجري في إدلب ولا في مناطق الشمال الشرقي، ما يعني أن النظام وداعميه غير آبِهين في زيادة احتمالية تقسيم سوريا بين القوى المسيطرة على الأرض.
من جانبها، رأت الأكاديمية السورية والمستشارة في السياسات الدولية “مرح البقاعي”، أن التجديد لـ”بشار الأسد” يعني المزيد من التعطيل لعملية الانتقال السياسي وفقاً لما نصت عليه القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 2254، والمزيد من الحصار والعزل على النظام السوري عن محيطه العربي والإقليمي، إضافة إلى إطلاق يد الميليشيات الإيرانية في سوريا، وتمكينها من زعزعة استقرار المنطقة.
واستبعدت “البقاعي” في حديثها لموقع “نداء بوست” أن تمنح هذه الانتخابات “الوهمية” أي شرعية للنظام ورئيسه، مشيرة إلى أن الموقف الأمريكي كان واضحاً في هذا الخصوص، وهو رفض الاعتراف بها وبنتائجها.
تحديات تواجه “الأسد” بعد “الفوز”
يواجه النظام السوري جملة من التحديات الداخلية والخارجية، التي تشكل عائقاً كبيراً أمامه وأمام الدول الداعمة له في إعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية، واستعادة الشرعية والعلاقات مع الدول العربية والغربية، والتي افتقدها مع الأيام الأولى للحراك الشعبي واستخدام القوة المفرطة ضده.
ويأتي انتشار عدد من الجيوش الأجنبية على الأراضي السورية في مقدمة تلك التحديات، حيث تتواجد القوات الأمريكية والتحالف الدولي في منطقة “التنف” وفي الشمال الشرقي، والجيش التركي في الشمال الغربي، في حين تعتبر روسيا وإيران أصحاب النفوذ الحقيقي في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
ويضاف إلى ذلك التحديات الأمنية، المتمثلة في انتشار الميليشيات والسلاح في المناطق الواقعة تحت سيطرته، وعجز الأفرع الأمنية عن ضبطها، والنشاط المتزايد لـ”تنظيم الدولة” في منطقة البادية، إضافة إلى إمكانية انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب وما يترتب عليه من احتمالية تقدم للفصائل المعارضة على حساب قوات النظام، فضلاً عن الغارات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية في سوريا، بما في ذلك في محيط العاصمة دمشق ومطارها الدولي، وصولاً إلى حلب ودير الزور.
ومن أبرز التحديات التي تواجه النظام أيضاً، الواقع الاقتصادي المتدهور وأزمات الوقود والخبز المتكررة وانهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية بشكل كبير وغير مسبوق، وعدم سيطرته على معظم حقول النفط والغاز في سوريا، واستمرار قانون “قيصر” الأمريكي، الذي يحرمه من الدعم الخارجي ويمنع التعامل معه اقتصادياً أو الاستثمار في المناطق الواقعة تحت سيطرته.
وإضافة إلى ما سبق، فإن “الأسد” يواجه عزلة دولية، حيث فشلت جميع الجهود الروسية السابقة في إحداث خرق في موقف الدول العربية بالتطبيع مع النظام وإعادته إلى مجلس الجامعة العربية، ورفض الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إعادة العلاقات معه قبل الانخراط في العملية السياسية المحددة في القرار 2254.
وتبقى مشكلة اللاجئين السوريين عقبة أساسية في طريق إعادة تأهيل النظام، حيث ترفض الدول الأوروبية إعادتهم إلى بلادهم قبل توفر البيئة الآمنة، والتي تبدأ بوقف العمليات العسكرية، وتوفير ضمانات للعائدين بعدم الملاحقة والاعتقال.
السيناريوهات المحتملة
تمثل هذه الانتخابات إعلاناً روسياً صريحاً باستعداد موسكو لتقديم مزيد من الدعم لـ”بشار الأسد” ونظامه، الذي يعاني من مجموعة من الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية، وتكريس حكمه “الشكلي” على مناطق سيطرته التي يتقاسم الروس والإيرانيون النفوذ فيها.
إلا أنه وفي الوقت ذاته، تأمل روسيا من وراء تنظيم الانتخابات إلى إحداث انعطافة في الملف السوري، وبشكل خاص فيما يتعلق بتعويم النظام وإقناع الدول العربية بإعادة تطبيع العلاقات معه، ومحاولة جعلها منطلقاً لفتح باب الاستثمارات الخارجية في سوريا والبدء بعملية إعادة الإعمار.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في الشأن الروسي “سامر إلياس” إن موسكو تراهن على منح “الأسد” شرعية إضافية من خلال الانتخابات، وتصوير الأوضاع في سوريا أنها باتت مستقرة، وأن النظام تمكن من فرض سيطرته، مشيراً إلى أن روسيا أعلنت منذ البداية دعمها لهذه العملية، ورفضت ربطها بملف اللجنة الدستورية السورية.
وتسعى السياسة الروسية في سوريا إلى حل سياسي يضمن عدم غوصها في “مستنقع” جديد، وضمان الحفاظ على مكتسباتها السياسية والاقتصادية، وبحسب “إلياس” فإن موسكو ستستثمر فترة ما بعد الانتخابات بدعوة القوى الإقليمية والدولية إلى ضخ الاستثمارات لإعادة الإعمار في سوريا، وإعادة بناء الاقتصاد في مناطق سيطرة النظام، وستجدد مساعي فك الحصار عنه عبر القول إنه جدد شرعيته بانتخابات تعددية بمشاركة كثير من السوريين في الداخل والخارج.
واستدرك “إلياس” بالقول إن هذه الانتخابات لن تحدث تغيراً كبيراً على أرض الواقع، كما أنها لن تؤدي إلى حدوث اختراق فعلي في الموقف العربي من عودة النظام إلى الجامعة العربية، خاصة مع تولي قطر لرئاسة المجلس، واستمرار الموقف الأمريكي الرافض للتطبيع مع “الأسد” ونظامه.
من جانبها، أكدت “البقاعي” أن روسيا ستسعى لحشد الدعم الدولي والعربي للبدء بعملية إعادة الإعمار في سوريا، إلا أنها ستصطدم بالموقف الأمريكي والأوروبي الواضح من هذا الملف، والرافض للمشاركة في هكذا عملية قبل تحقيق انتقال سياسي.
ورأت “البقاعي” أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عائدة بقوة إلى الملف السوري، وتعكف الآن على وضع إستراتيجيات واضحة جداً لكيفية إدارة الملف، ودورها في دفع العملية السياسية ودعم الشعب السوري في عملية التغيير السلمي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي.
بدوره، يرى الدبلوماسي السوري السابق “بسام بربندي” المقيم في الولايات المتحدة، أن اهتمام الإدارة الأمريكية بالملف السوري بات محصوراً بالملف الإنساني والإغاثي فقط، وليس بحل القضية ككل، مشيراً إلى أن معظم تصريحات المسؤولين الأمريكيين باتت تتحدث عن ضرورة تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، وأن الوجود الأمريكي في سوريا هدفه محاربة “تنظيم الدولة”.
وفي ذات الوقت، فإن الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بموقفها السياسي من النظام السوري، وعدم شرعيته، ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات التي ينظمها، وتطالب بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، وذلك وفقاً لما أفاد “بربندي” لموقع “نداء بوست”.
واعتبر محدثنا أن الإدارة الأمريكية ترى أنه في ظل غياب موقف دولي جاد وحقيقي في إيجاد حل سياسي في سوريا، فإنها غير مستعدة لبذل الجهد والوقت في سبيل ذلك، وأنها ستركز بدلاً عنه في حل الأزمة الإنسانية لحين التوافق على حل وفقاً للقرار 2254.
البراغماتية الفرنسية
أثار الموقف الفرنسي المتباين من انتخابات النظام السوري موجة من الجدل، حيث أكدت باريس في بيان مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، عدم اعترافها بنتائج هذه العملية وأي انتخابات أخرى لا تجري وفقاً للقرار 2254، في حين سمحت بافتتاح مراكز اقتراع على أراضيها.
وعلى النقيض من الموقف الذي اتخذته باريس في عام 2014، حيث منعت معظم دول الاتحاد الأوروبي، النظام السوري من فتح مراكز انتخابية على أراضيها، وافقت على إقامة 5 مراكز اقتراع إحداها في العاصمة، وهو ما فتح باب التساؤل حول حدوث تغير في الموقف الفرنسي تجاه الملف السوري، والنهاية المتوقعة لهذا التغير إن كان قد حدث بالفعل.
وحول أسباب سماح فرنسا للنظام بإقامة مراكز اقتراع على أراضيها، قال الصحفي السوري المقيم في باريس “زيد العظم” إن الإدارة الفرنسية الحالية برئاسة “إيمانويل ماكرون” تعتبر أقل تصلباً وأكثر ليونة تجاه الملف السوري من إدارة “فرانسوا هولاند” السابقة، التي كانت تتخذ موقفاً حازماً يقوم على دعم الثورة السورية، ويطالب بتنحي “الأسد” باستمرار.
ورأى “العظم” في حديث لموقع “نداء بوست” أن فرنسا قد تكون غضت الطرف عن إقامة مراكز انتخابية للنظام على أراضيها، لأهداف تتعلق بدعم المبادرة التي قدمتها العام الماضي لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان، لأنها تدرك أن نجاح مبادرتها بحاجة إلى نوع من الدعم من قبل النظام السوري.
ورفض “العظم” اعتبار الخطوة الفرنسية تلك على أنها نوع من التقارب “الفرنسي – الروسي” أو التماهي معه، مستبعداً أن تقوم باريس أو أي دولة أوروبية أخرى بالتطبيع مع النظام بعد الانتخابات، بعد ضربه عرض الحائط بالقرارات والدعوات الدولية التي تطالب بإجراء انتقال سياسي وفقاً للقرارات الأممية ذات الصلة.
واعتبر محدثنا أن سماح فرنسا لسفارة النظام بالقيام بإجراء التصويت، لايعني أبداً الاعتراف بقانونية هذه الانتخابات، مشيراً إلى أنه على العكس من ذلك جاء تصريح المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية “آنييس فون دير مول”، التي أكدت خلالها أن هذه العملية “باطلة وغير شرعية، وتفتقر للمعايير اللازمة، ولا تسمح بالخروج من الأزمة”.
ووصف “العظم” القرار الذي اتخذته تركيا وألمانيا بمنع الانتخابات على أراضيهما بـ”الموقف الشجاع والجريء”، مضيفاً أن الدولتين عالجتا هذه المسألة من منظور القرار الدولي 2254 الذي لايشرعن أي عملية انتخابية إلا بعد تطبيق الانتقال السياسي.
ومضى بالقول: “نعم تباينت الدول في ترتيب أولويات القوانين والقرارات الدولية، لكنها اتفقت وبحزم على اعتبار الانتخابات الحالية غير قانونية وغير شرعية، فلا شرعنة لأي انتخابات إلا بتطبيق كامل للقرار الدولي 2254”.
مصير العملية السياسية في سوريا
أكد عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “عبد المجيد بركات” أن العملية السياسية المنصوص عليها في القرار 2254 تنص على أنها عملية متكاملة تبدأ بهيئة حكم انتقالي وبيئة آمنة ودستور جديد وانتخابات، وأي إجراء أحادي يعتبر خرقاً للقرار، التي بدأت منذ عدم تنفيذ القرار في إطاره الزمني المحدد.
واعتبر “بركات” في حديث لموقع “نداء بوست” أن العملية السياسية في سوريا بما في ذلك اللجنة الدستورية ستكون بعد هذه الانتخابات في خطر، وقد تدخل في حالة “موت سريري” في ظل غياب أدوات تنفيذ جدية وحقيقية من قبل المجتمع الدولي، واستغلال النظام لهذا الأمر.
وأشار “بركات” إلى أن المجتمع الدولي فشل حتى الآن في الضغط لتطبيق سلة واحدة من سلال القرار 2245 وهي اللجنة الدستورية، مؤكداً أن بقاءها على شكلها الحالي دون أن يكون هناك آليات عمل واضحة وضوابط زمنية لعملها، فلن يكون لها أي جدوى.
وحول خيارات المعارضة في حال استمرار العطالة السياسية هذه، قال “بركات” إن أدوات الضغط والتأثير التي تمتلكها المعارضة محدودة يعود بعضها لأسباب ذاتية، وأخرى مرتبطة ببيئة دولية غير جادة في إيجاد حل للقضية السورية، مقابل دعم روسي وإيراني كبير وجاد للنظام.
تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات التي نظمها النظام تزامنت مع خروج مظاهرات شعبية كبيرة في إدلب ودرعا وريف حلب، تنديداً بهذه العملية وإعلان رفضها، كما أصدرت كل من الخارجية الأمريكية والتركية بيانين منفصلين جددتا خلالهما التأكيد على عدم شرعية هذه الانتخابات ونتائجها.