خاص – باريس
أظهر التقرير السنوي الصادر عن مكتب حماية اللاجئين وعديمي الجنسية في فرنسا "OPFRA" لعام 2020 لطلبات اللجوء والحماية المقدَّمة أن فرنسا من الدول الثلاث الأولى لوجهة اللاجئين بعد ألمانيا، إذا بلغ عدد الطلبات المقدَّمة 96 ألف طلب مع ملاحظة انخفاض بنسبة 27% عن السنة الماضية نتيجة جائحة "كورونا" وإغلاق الحدود.
ويرصد التقرير بلد المنشأ للجنسيات المتقدِّمة للجوء إذ ما تزال طلبات اللجوء السورية في المرتبة الأولى أوروبيّاً، وتأتي ألمانيا في مقدِّمة الدول المستقبِلة لطلبات اللجوء تلك بنسبة 55%. بينما تكاد نسبة السوريين المتقدمين للحصول على حق اللجوء في فرنسا لا تُذكر إذا بلغ عدد الطلبات 2240 طلباً.
ولم يوضح التقرير سبب عزوف السوريين عن تقديم اللجوء إلى فرنسا، ولكنه يشرح السياق العامّ للجوء السوري.
وبحسب التقرير فإن "انعدام الأمن وتهديد الحياة وتفكك النسيج الاجتماعي وتدمير البنية التحتية" كلها عوامل تدفع السوريين للتقدم بطلبات لجوء.
ونوّه التقرير بأنه "من الصعب تأسيس طلبات لجوء السوريين على أساس واحد، بسبب تعدُّد قوى السيطرة العسكرية على الجغرافيا السورية، فطلبات اللجوء المقدَّمة من قِبل السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام في الغالب السبب وراء رفض الخدمة العسكرية لدى قوات النظام السوري، والتعرض للابتزاز من قِبل الميليشيات المتواجدة هناك، أما المناطق التي تخضع لسيطرة القوى الأخرى، فترتكز طلبات اللجوء على الاضطهاد العرقي والديني، في حين أن مناطق الإدارة الذاتية (قسد) ذات الغالبية الكردية الأكثر استفادة من حق الحماية في دول الاتحاد الأوروبي بسبب انعدام الجنسية لأغلب المواطنين المنتمين للقومية الكردية في دول المنشأ كما يُورِد التقرير.
وقال موظف سابق في إدارة الهجرة واللجوء وكان على صلة مباشرة بملف اللجوء: "بعد 2014 حذّر موظفو مكتب اللجوء والهجرة من اتجاه طلبات اللجوء السورية، نتيجة تعقيدات الوضع العسكري، وتعدد القوى المتداخلة على الجغرافيا السورية، ما يجعل إمكانية التحقق من المعلومات الواردة بطلب اللجوء شديدة الصعوبة، يضاف إلى ذلك أن في الفترة التي سيطرة فيها تنظيم داعش على مدن وبلدات سوريّة، وتورط عدد من المدنيين بالتعامل مع داعش نتيجة الوضع الذي فرضته داعش نفسها وهو ما يزيد من تعقيد الأمر على المحقق صاحب القرار بمنح حق اللجوء القرار، فمن جهة هو أمام حالة إنسانية يلتزم القانون الفرنسي بحمايتها وأمام مسؤولية أمنية تجاه وطنه فرنسا، من الضروري التذكير بتجارب اللجوء السابقة من دول مرت بظروف مشابهة لما تمرّ به سورية حالياً وكانت النتائج كارثية على المستوى الأمني، فالهجمات الإرهابية التي استهدفت أوروبا وفرنسا خاصة أدت إلى ارتفاع درجة الحذر والتشكيك في المعلومات على عكس التساهل الذي ساد سابقاً مع بداية الأزمة السورية، فأصبحنا نرى عدداً من طلبات اللجوء تحال إلى المحكمة لأخذ القرار بناءً على معلومات ومعطيات من جهات حكومة واستخباراتية لا تتوفر لمكتب اللجوء والهجرة، ولكن يجب التأكيد على أن التجاوب أخلاقياً مع المأساة الإنسانية والوضع الإنساني في سورية يحظى بتعاطف كبير في المجتمع الفرنسي".
وفي محاولة لاستطلاع رأي بعض اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا، للوقوف على نقاط أساسية لتصوُّر عامّ أوليّ عن موقف السوريين من اللجوء إلى فرنسا، يمكن التأكيد على أن السوريين لا يمتلكون رفاهية تحديد بلد اللجوء فأغلب المستطلَع آراؤهم قالوا إنهم مستعدون للجوء لأي بلد تؤمّن لهم ولعائلاتهم حياة كريمة وقبول اقتراحات المفوضية العليا للاجئين بحال الموافقة على طلبهم، أما ما يتعلق باللجوء إلى فرنسا فلا يبدو أن السوريين متحمسون بل يعتبرون أن من يُقبَل طلبه إلى فرنسا سيئ الحظ، ويعود ذلك إلى التخوف من وجود حالة عنصرية ضد العرب والمسلمين والتباس القانون الفرنسي المتعلق بلباس المرأة وغموض نظام الضمان الاجتماعي بالنسبة للاجئين وكلها أسباب تؤدي إلى تردد السوريين في القدوم إلى فرنسا أو السعي إلى الوصول إليها بتقديم طلب مباشر للسفارة أو وسائل أخرى يضاف إلى ذلك أن موجات اللجوء الأولى للاجئين السوريين وصلت إلى ألمانيا مما استبعد إجراءات لم الشمل وتمركز العدد الأكبر للاجئين في ألمانيا وتشكلت جالية سورية كبيرة يشعر السوري ضِمنها بالأمان.
وتعتدّ فرنسا بمنظومتها القانونية ويفاخر الإعلام الفرنسي بمنظومة الضمان الاجتماعي التي تضبط التفاوت الطبقي ضِمن المجتمع وتحدّ من تأثير الفقر والنظام الصحي الفرنسي يغطي كامل الاحتياجات العلاجية لمواطنيه والمقيمين على الأراضي الفرنسية.
واستطاع اللاجئون السوريون في فرنسا في فترة وجيزة "الاندماج" في المجتمع الفرنسي لحدّ ما، والقانون الفرنسي صارم تِجاه الأفعال العنصرية، لكن المتابع للإعلام الفرنسي يكاد لا يجد محاولة إعلامية أو حكومية تجاه اللاجئين تزيل الالتباس وترد على الدعاية السلبية ضد فرنسا.
وقال أحد الناشطين: كأن فرنسا مرتاحة للدعاية السلبية ضدها فكأنك تسمع صوتاً خافتاً يقول: "لا تأتوا".