"نداء بوست" – وجيه حداد – دمشق
إذا كنت سوريّاً، فستكفي معرفتك بالدستور السوري وحقوقك الواردة فيه، لترد دورية الأمن عن باب بيتك، ويكفي أن تطلب منهم الإذن القضائي لتردعهم وتمنع اعتقالك التعسفي، كل ما عليك هو أن تواجههم بالمواد التي نصت على حقوق المواطن السياسية والتعبيرية وحرمة المساكن، ولكن لتفعل ذلك عليك أولاً أن تتعلمها لتتحول إلى جزء من ثقافتك الاعتيادية، فالإشكالية الكبرى في سورية هي في انعدام الثقافة الحقوقية والإنسانية، والميل المفرط للعنف في ثقافة الأفراد، وليس في مكان آخر، كما يقول النظام.
وهنا يأتي دور مادة "التعليم الوجداني" التي أدرجها النظام بدءاً من هذا العام الدراسي، كمادة في المنهاج السوري في كل صفوف المرحلة ما قبل الجامعية من الصف الأول إلى الصف الثالث الثانوي لنزيح العقبة الثقافية ونضع الجيل السوري القادم في مهب التنوير والحداثة.
وتهدف مادة "التعليم الوجداني" بحسب وزير التربية السوري إلى تنمية الضمير والوجدان وقبول الآخر، وتعزيز القيم الإيجابية والتسامح ونبذ العنف وبناء الشخصية الحرة ذات التفكير النقدي، ولا ينسى الوزير دور الفن في صقل المشاعر وجعل الإنسان أكثر حساسية وتعاطفاً مع الآخرين، فيزداد تفهمه لقضايا الآخرين، ويرتفع ميله للحوار معهم بديلاً عن العنف.
وفيما ينسجم النظام السوري في طرحه لمادة "التعليم الوجداني" مع سياقه المعروف برفع الشعارات، وممارسة السلوكيات المناقضة لها، يؤكد من جهة ثانية، من خلال إدراجه لتلك المادة في النظام التعليمي، أن قيم التسامح وقبول الآخر هي معطيات شخصية وثقافية للفرد السوري، وليست نتاج نظام قمعي يستولد العنف في جميع دوائره وحلقاته المعروفة.
وتذهب مادة "التعليم الوجداني" إلى تعزيز نظرية النظام في النظر إلى الثورة بوصفها تطرفاً ناجماً عن خضوع المجتمع السوري لثقافات ماضوية، وهو ما أكده بشار الأسد شخصياً في مناسبات عدة، ونظر إلى قضايا مثل الأخلاق والفساد والعنف كقضايا مترتبة عن التربية المنزلية والاجتماعية، ودعا المؤسسة الدينية والأسرة إلى لعب دور أكبر في تعزيز القيم والأخلاق لمنع ظهور الانحرافات والفساد المستشري، ولتجنب البلاد دورة عنف قادمة.
وإذا تناسينا، بحسب رغبة النظام، أن "التعليم الوجداني" ليس مجرد نصائح وشعارات تقدم إلى الطالب وتضاف إلى التربية الوطنية والطلائع والشبيبة، وإنما هو نتاج سلوكيات وممارسات في مناخ من التعددية، تتعزز في إطارها ممارسة الحقوق والواجبات، وينبثق عنها تكريس القيم الإيجابية، يتلمسها الطالب ويعايشها فعلياً في المدرسة والمجتمع، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً، من هو الكادر التعليمي الذي سيشرف على تعليم المادة؟ ومن سيختاره؟
ولن تكون الإجابة على السؤال صعبة، سيكون الرفاق البعثيون الذين انضموا إلى اللجان الشعبية في بداية الثورة، وحملوا العصي والسلاح لتفريق المتظاهرين، كتجسيد للتسامح وقبول الآخر، في طليعة الكادر التدريسي المؤهل لتدرس مادة "التعليم الوجداني"، وربما لن يكون من المستبعد أيضاً أن يأتي زملاؤهم من خريجي الجامعات المسرحين بعد خدمة سنوات في الحواجز العسكرية، والأفرع الأمنية، للانضمام إليهم.
وبالطبع سيكون بمقدور هؤلاء نقل خبراتهم الشخصية في هذا المضمار، لطلابهم الصغار، سيكون بوسعهم التحدث مطولاً في مادة "التعليم الوجداني" عن حق الاختلاف وقبول التعايش معززين بالأدلة والوثائق، ومستشهدين بروائع الأدب الإنساني، وشرعة حقوق الإنسان.
سيكون بمقدورهم القول إن تقرير منظمة العفو الدولية الصادر بالتزامن مع إعلان وزير التربية السوري عن إدراج مادة "التعليم الوجداني" هو مزيف ولا أصل له، وإن ما جاء في صفحاته محض خيال مريض لمتآمرين غربيين يريدون النَّيْل من عزيمة الأمة.
سيقولون إن الانتهاكات الواردة في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر حديثاً، والحامل لعنوان "أنت عائد إلى موتك" مفبرك ومسيس ويهدف إلى منع اللاجئين السوريين الشرفاء من العودة إلى حضن الوطن الدافئ، وإذا صدف أن تم إثبات إحدى الحالات الواردة فيه، فسيتبرؤون من زميلهم السابق بالقول "هو تصرف فردي لا يعبر عن قيم الدولة وروحية مؤسساتها".
وبعيداً عن هذا السياق السريالي، فإن إدراج مادة "التعليم الوجداني" في المناهج السورية، على أهمية وجودها، في إطار وزمن مغايرين، وفي منحى مختلف، ما هو إلا مزيد من التغريب والانفصام عن الواقع الذي يعيشه الطلبة السوريون في مدارسهم، بين ما يقال، وما يحدث أمامهم ويعايشونه من عنف حقيقي على كل المستويات، من العنف الجسدي والفكري إلى العنف الاقتصادي المتمثل بالحرمان.