ينطلق بعض المحللين للموقف الروسي من القضية السورية من فرضيات هشة تحاول أن تبني من الوهم موقفاً متفائلاً من حقيقة الرؤية الروسية للحل في سورية، وقد يكون للخطاب الروسي المراوغ الذي هو جزء من الاستراتيجية الروسية في الإعلان عن أهداف وهمية لتدخلها في سورية وإخفاء الأهداف الحقيقة دوراً في ترسيخ هذه الأوهام في أذهان بعض من التبس عليهم الموقف الروسي فقرأوه من التصريحات وليس من أصوات المدافع والطائرات التي كانت تدك المشافي والمدراس والأسواق من أجل إعادة سلطة الأسد.
من هذه الفرضيات أنه ثمة خلاف روسي إيراني على الحل السياسي وأن روسيا تختلف في رؤيتها عن إيران التي تتمسك ببقاء الأسد بينما تستعد روسيا للتخلي عن الأسد في حال حصلت على الثمن المطلوب من الجيب الأمريكي.
وفرضية أن مشكلة روسيا هي مع المعارضة السياسية المحسوبة على الغرب والتي لا تثق روسيا بها كثيراً ويمكن لروسيا أن تعدل موقفها من نظام الأسد في حال تم تقديم معارضة معتدلة تقف على مسافة الحياد أو تكون أكثر التصاقاً بالمصالح الروسية.
ومن هذه الفرضيات أن التدخل الروسي في سورية هو للضغط على الغرب من أجل تقديم تنازلات استراتيجية في أوكرانيا في حال قدم الغرب هذا التنازل للروس.
لكن الحقيقة التي لا تخطؤها العين والتي باتت كل المؤشرات المادية والذهنية تؤكد حقيقتها أنه ثمة موقف روسي واضح لا يمكن أن يتخلى عن نظام الأسد، قد نختلف بتوصيف الأسد هل مجرد أداة أم لا لكنه بالتأكيد لازال الأداة الأكثر فاعلية وتلبية لمصالح روسيا من جميع الأطراف المحلية.
وهو ما عبر عنه المبعوث الروسي لافرنتييف في مقابلته مع وكالة تاس الروسية،
إن "إنشاء الدستور السوري الجديد يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في ذلك البلد.
في الدستور الجديد ممنوع تغيير صلاحيات بشار الأسد لا حاجة لأي تغييرات حالية لأن بشار الأسد باقي بالسلطة لن نمدد آلية دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى في مجلس الأمن بهذه اللاءات الثلاثة عبر لافرنتيف عن حقيقة الموقف الروسي بوضوح بعد أن كان يتمتم به المسؤولون الروس بغموض لاينطلي إلا على من يعاند حقائق الأرض و التي تعبر موقف الروس الحقيقي بعد تدخلهم عسكريا لإنقاذ النظام في عام 2015 وتجريبهم لأكثر من ٢٥٠ سلاح على المدنيين في سورية وفتح خطوط المصالحات القسرية عسكرياً وسياسيا في الغوطة ودرعا وريف حمص الشمالي وتدمير حلب الشرقية على رؤوس ساكنيها واستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لأكثر من ١٥ مرة لحماية النظام ومنع أي قرار دولي لإدانته ومساعدة النظام السوري بتخليصه من الاستهداف العسكري بعد استخدامه للسلاح الكيماوي بحق المدنيين وتعطيل العملية السياسية لسنوات في جنيف، ثم يأتي لافرنتيف في جولة أستانا 17 ليتهم وفد المعارضة في اللجنة الدستورية بالتعطيل واشتراط الشروط التعجيزية واتهام وفد المعارضة في أستانا أنه يقدم أرقام غير معقولة عن عدد المعتقلين في سجون النظام وكأن روسيا عندما رأت صور قيصر أقرت بها واعترفت بوجود معتقلين في سجون النظام ولم تسلك سياسة التكذيب والإنكار والدفاع عن النظام.
إلى درجة أن هذه التصريحات الفجة من المبعوث الروسي أثارت غضب رئيس منصة موسكو المحسوب على روسيا قدري جميل واصفاً إياها " بالمجافية للحقيقة والمحابية للنظام واللا موضوعية في عرضها لحقيقة الأمور…. وأنها تضع الأساس والمبررات لإفشال الجولة السابعة التي أعلن السيد غير بيدرسون عزمه على عقدها قريباً. إن تصريح لافرنتييف تدحض بما لا يدع مجالاً للشك فرضية اختلاف الموقف الروسي عن الموقف الإيران من نظام الأسد وتنفي فرضية أن روسيا ستتخلى عن الأسد في حال حصلت على الثمن وتثبت ان روسيا متمسكة بالنظام ولو كلفها ذلك المزيد من ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري.
فما الذي تغير الآن في الحقيقة لم يتغير شيء فكل ما في الأمر أن ما كانت تمارسه روسيا من عملية التفكيك المستمر للعملية السياسية منذ تدخلها العسكري في سورية بالتعاون مع بعض الدول العربية وإفراغ القرارات الأممية من مضمونها، فلم يكن مسار استانا بالنسبة لها إلا المدخل للتأثير في العملية السياسية التي تريد إعادة تعريفها بعد إتمام تفكيكها واستبدالها بمسار دمشق الذي يقوم على التسوية والمصالحة والرضى بما تقسمه روسيا للمعارضة من حقوق وما يقبل ان يجود به عطف النظام وليس التفاوض على أساس بيان جنييف والقرارات الأممية التي صارت بالنسبة لروسيا شيئاً من الماضي وباتت العملية السياسية كما يصرح المسؤولون الروس هي رهن معادلة القوة والاستحواذ على الأرض.
حتى خطة الخطوة مقابل خطوة التي جاءت بناء على الاتفاق الروسي الأمريكي بعد لقاء بوتين – بايدن لتقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة "افتراضياً "وبمثابة مختبر للثقة والجدية الروسية في لجم النفوذ الإيراني والضغط على النظام لتحقيق التقدم في العملية السياسية ، تحاول روسيا تفريغها من مضمونها وذلك بالضغط على المعارضة لتقديم خطوات استراتيجية للتنازل في ملفات حساسة تتعلق بملف المعتقلين والمساعدات الإنسانية وعمل اللجنة الدستورية وتجاوز باقي السلال المتعلقة بالحكم الانتقالي والعدالة الانتقالية وتخفيف الحصار على النظام والمساعدة في عملية التعافي المبكر، مقابل دفع النظام لتقديم خطوات جوفاء هي أشبه ما تكون بالمناورة للتملص من كل استحقاقات العملية السياسية بحيث تنتهي محصلة المعارضة من كل هذه الخطوات إلى الصفر وخسارة ما تبقى من رصيدها السياسي ومحصلة النظام هي إعادة التأهيل كسلطة شرعية و فتح أبواب التطبيع العربي معه وإعادته إلى مقعده في الجامعة العربية.