المصدر: رسبونسيبل ستايت كرافت
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: دانيال برومبرج: محلل وكاتب صحفي
أصر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق مؤخراً على أن روسيا تشارك إسرائيل موقفها بأن إيران "قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط". فإذا كان هذا التأكيد يهدف إلى الضغط على موسكو (أو طهران)، فمن المُرجّح أنه لم يحقق هدفه. ربما يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن سلوك إيران الإشكالي غير مُهمّ، بل على الأرجح، مفيد من الناحية الإستراتيجية.
إن الهدف الأساسي لروسيا هو الدفاع عن مصالحها الأمنية، ولهذا الغرض لديها علاقات دبلوماسية مع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، وجميعهم بارعون في إحداث مشاكل جيوستراتيجية.
إذا كان الحفاظ على هذه العلاقات يمثل تحدياً، فإن الأحداث الأخيرة في الجوار المباشر لروسيا قد عقّدت دبلوماسيتها في الشرق الأوسط. وفي التسلسل الهرمي لمصالحها الأمنية، تتمثل الأولوية القصوى لموسكو في ضمان ألا تشكل السياسات الداخلية للدول الـ 14 التي تشترك معها في حدودها تهديداً لروسيا، وربما الأهم من ذلك كله، ألا تشكل تهديداً على حكم بوتين. وبالتالي، فإن الصراع المُستمر مع الولايات المتحدة حول أوكرانيا، واحتجاجات أوائل كانون الثاني/ يناير في كازاخستان، هي التي تستحوذ الآن على اهتمام موسكو.
لقد وصلت الهزات التي أحدثتها هذه الأحداث إلى الشرق الأوسط وجميع الدول الرئيسية تُدرك ذلك. إن كلاً من إيران وسورية وإسرائيل وتركيا، وكذلك دول الخليج العربية، يشتركون في شيء واحد: أنهم يريدون الحفاظ على العلاقات مع موسكو بطرق تعزز نفوذهم الدبلوماسي أو العسكري، وإذا كانت الصراعات الإقليمية المتصاعدة (خاصة بين إسرائيل وإيران) قد زعزعت هذا التوازن، فإن القنبلة الموقوتة الجيوستراتيجية الكبيرة التي تدق لحظات موعد انفجارها في أوكرانيا، والقنبلة الأصغر التي انفجرت بالفعل في كازاخستان، تختبر بالتأكيد قدرة روسيا وأصدقائها على العمل معاً. في حين أن هذا الموقف يمثل اختباراً لبوتين، لا ينبغي أبداً التقليل من قدرته على التوفيق بين عدة قضايا ذات حساسية.
غير قادرين على أن نكون على وفاق؟
في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2021، أعادت موسكو طرح اقتراح بشأن "مفهوم الأمن الجماعي لمنطقة الخليج العربي" الذي كانت قد اقترحته بالفعل ثلاث مرات، كان آخرها في عام 2019. وفي تلك المرحلة، كانت الصراعات المتصاعدة في المنطقة -التي أثارها الرئيس دونالد ترامب إن رفض خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وحملته "الضغط الأقصى" ضد طهران -ضمنا أن يسقط الاقتراح الروسي سقوطاً مدوّياً. لكن انتخاب الرئيس جو بايدن وفّر حافزاً لموسكو ليس فقط لإعادة إطلاق مقترحاتها الأمنية ولكن أيضاً لعرض خدماتها كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران (وضمنياً، بين إسرائيل وإيران). وقد أصرّ فيتالي نومكين، الباحث البارز الذي ساعد على ما يبدو في صياغة مفهوم موسكو لأمن الخليج الجماعي، على أن المنطقة "سئمت مما يحدث" ووصلت إلى "نوع من الجمود" الذي قد يفتح الباب أمام الدبلوماسية. وتم تصميم ثنائه في التوقيت المناسب على "قيادة الرئيس بايدن" للإشارة إلى البيت الأبيض، كما قال نومكين لمجلة نيوزويك، "لدينا تهديد مشترك واحد، وهو التهديد بالحرب".
إن جدّية روسيا في كل وقت بشأن اقتراحها المتعلق بأمن الخليج هي أمر غير مُهم مقارنة بالمنطق الجغرافي الإستراتيجي الذي يحركها. فتعتمد قدرة موسكو في ممارسة نفوذها جزئياً على قدرتها في استعراض عضلاتها العسكرية أثناء استخدام علاقاتها مع دول متعددة للعب دور صانع السلام الطموح. ولأن هذا الدور يمنح روسيا نفوذاً لا يمكن لواشنطن أن تضاهيه، فإن لدى موسكو الكثير لتكسبه من ضمان ألا يحدّ أي من أصدقائها من مجال مناوراتها على المسرح الدبلوماسي.
وهكذا، خلال محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا، دعمت روسيا إيران بينما أعربت عن رغبتها في أن تبدي طهران بعض المرونة. وأثار هذا الجهد انتقادات عدد من النقاد المتشددين في إيران، وقد زعم أحدهم بأن صورة روبرت مالي، كبير المفاوضين الأمريكيين، وهو يتحدث مع نظيره الروسي، ميخائيل أوليانوف، دليل على "مؤامرة" أمريكية روسية تقوض المصالح الإيرانية.
وبالمثل، ففي الشرق الأوسط نفسه، كانت روسيا حريصة على ضمان احتفاظ إيران بقوتها النارية -وبالتالي قدرتها على الضرب بشكل مباشر أو من خلال وكلاء لها في الولايات المتحدة وإسرائيل- حتى في الوقت الذي حافظت فيه على تفاهم مع إسرائيل يسمح باستخدام الفضاء الدبلوماسي الإسرائيلي، وكذلك المجال الجوي، لضرب أعدائهم في سورية عندما يشكلون تهديداً وفرصة ناشئة. وهكذا في 28 كانون الأول/ ديسمبر، عندما قصفت القاذفات الإسرائيلية مجمع حاويات في ميناء اللاذقية (حيث توجد لروسيا قاعدة بحرية)، لم تنتقد موسكو إسرائيل علانية على الرغم من التهديد المحتمل الذي شكله الهجوم للقوات الروسية. ربما لم يكن من قبيل المصادفة أن بوتين والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تحدثا عبر الهاتف قبل أيام قليلة من الحادثة، وقد تطرّق حديثهما بالتأكيد إلى آلية تفادي التضارب التي صاغتها روسيا وإسرائيل في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وهو ترتيب تم تجديده عندما التقى رئيس الوزراء نفتالي بينيت ببوتين في سوتشي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2021.
لا بد أن القادة الإيرانيين، الذين بذلوا جهودهم لشراء نظام الصواريخ الروسي S-400 (الذي تجاهلته موسكو مراراً وتكراراً)، قد شعروا بالفزع ولكنهم لم يُفاجَؤوا تماماً بصمت موسكو في أعقاب الهجوم الإسرائيلي في 28 كانون الأول/ ديسمبر. في الواقع، يدرك جميع الفاعلين الرئيسيين في المنطقة جيداً أن بوتين يريد إظهار القسوة مع إظهار أنه زعيم مؤثر يريد فقط منافسيه في الشرق الأوسط أن ينسجموا (بمساعدة بسيطة من صديقهم في موسكو). فالتحدي الإستراتيجي الآن هو أن نأخذ في الحسبان هدفَيْ بوتين المتلازمين بطرق لا تتعارض مع مصالح إيران وإسرائيل وتركيا.
التوترات الأمريكية الروسية بشأن مياه الشرق الأوسط الموحلة في أوكرانيا
يبدو أن نجاح موسكو وشركائها في الشرق الأوسط في تحقيق التوازن بين مصالحهم المتضاربة المحتملة يتوقف جزئياً على قدرة روسيا على الحفاظ على شيء من جدار النار بين التهديدات الجيوستراتيجية التي تندلع في ساحاتها الخلفية العديدة والصراعات المتقاطعة في منطقة تتمتع فيها بمصالح أمنية حيوية. لكن في الواقع، فإن جدار النار هذا مساميّ للغاية لأن روسيا تعتبر وجودها في الشرق الأوسط -وفي سورية على وجه الخصوص- أمراً حيوياً لمصالحها الجيوستراتيجية الأوسع.
في الواقع، بصرف النظر عن تمكين موسكو من إرسال قاذفاتها إلى ليبيا، وبالتالي إظهار نفوذها في مسرح البحر الأبيض المتوسط، يبدو أن أحد أهداف القواعد الجوية التي تحتفظ بها روسيا في حميميم وطرطوس في سورية هو توجيه خنجر إستراتيجي نحو الخاصرة الجنوبية للناتو. وهكذا، لم تنشر روسيا فقط قاذفات طويلة المدى من طراز Tu-22M3 وصواريخ اعتراضية من طراز MiG-31K مع صواريخ تفوق سرعة الصوت في قاعدة الحميميم الجوية، ولكن في 25 كانون الأول/ ديسمبر، نقلت موسكو أكثر من 20 طائرة وحوامة هليكوبتر من تلك القاعدة إلى المطارات في الحسكة ودير الزور في الشرق.
تخدم هذه الخطوة الغرض المزدوج المتمثل في دعم نظام الرئيس بشار الأسد مع إرسال رسالة تشير إلى قدرة روسيا على جعل الحياة صعبة بالنسبة للناتو، لا سيما بالنظر إلى مخاوف موسكو العامة بشأن التوسع المحتمل لحلف شمال الأطلسي في دول أخرى -وفي مقدمتها أوكرانيا. ومع اشتداد الصراع الأمريكي الروسي، أصبحت جهود أصدقاء روسيا المتنافسين في الشرق الأوسط لاحتواء حريق محتمل في أوكرانيا من الوصول إليهم أكثر صعوبة. في الواقع، تقدم تركيا وإسرائيل أمثلة معبرة عن مدى صعوبة هذا الوضع.
المعادلة "الإسرائيلية – الروسية – السورية – الإيرانية"
تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية وثيقة مع أوكرانيا، وقد تم الاحتفال بهذه العلاقة الرسمية التي استمرت 30 عاماً خلال الاجتماع السنوي الثالث "للمنتدى اليهودي في كييف"، والذي عُقد عبر الإنترنت في الفترة من 15 إلى 16 كانون الأول/ ديسمبر من عام 2021. وكان على رأس الاجتماع، الذي حضره حوالَيْ 83000 مشاهد عبر الإنترنت في عام 2021، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ. ولم يكن مدحهم للعلاقات الأوكرانية الإسرائيلية مجرد وسيلة لتوطيد العلاقات عامة. فقد وقّع البلدان اتفاقية تجارية رئيسية في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2019. وتفيد التقارير أيضاً أن علاقاتهما العسكرية قد تطورت وأن زيلينسكي أبدى اهتماماً بشراء نظام صاروخ القبة الحديدية الإسرائيلي. وتحفّظ المسؤولون الإسرائيليون في الحديث عن تفاصيل محددة لتجنب استعداء موسكو.
ومع ذلك، تم التأكيد على أهمية العلاقات الأوكرانية -الإسرائيلية من خلال زيارة وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إلى إسرائيل في أوائل شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2021. وبينما لم يتم الإبلاغ عن تفاصيل مناقشاتهما، لاحظت موسكو بالتأكيد الاجتماع وربما تراقب علاقة إسرائيل-أوكرانيا الوثيقة. في الواقع، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن إسرائيل وروسيا لديهما تفاهُم على أن إسرائيل لن تقوم بتحسين روابطها الدفاعية مع أوكرانيا. وفي المقابل، ستحدّ روسيا من مبيعاتها من الأسلحة لإيران. وفي أواخر عام 2019، أكد مستشار لنتنياهو أن روسيا ألغت صفقة بيع صاروخية مقترحة لإيران، وأن إسرائيل ردت بالمثل بوعدها مرتين بعدم بيع أسلحة لأوكرانيا.
الهجوم الإسرائيلي المذكور أعلاه في 28 كانون الأول/ ديسمبر في سورية، والصمت اللاحق من موسكو، يشير على الأرجح إلى أن كِلا البلدين ما زالا يرغبان في احترام هذه الخطوط الحمراء. وبالتالي، من المتوقع أن تتجنب الحكومة الإسرائيلية الحالية أي خطوات علنية قد توحي بتحسين كبير لعلاقاتها العسكرية مع كييف. ومع ذلك، في عام 2019، ورد أن حكومة نتنياهو عرضت العمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا.
إن الصراع الأمريكي الروسي المتصاعد حول أوكرانيا -ناهيك عن جهود رئيس الوزراء بينيت لتحسين العلاقات الأمريكية الإسرائيلية – يجعل من غير المحتمل أن تحاول حكومة بينيت تجديد اقتراح نتنياهو الفخم. لكن إذا فشلت روسيا وإدارة بايدن في الاتفاق على أوكرانيا، فقد تجد موسكو نفسها فجأة أقل ميلاً لكبح جماح إيران في سورية، أو لدفع طهران لتقديم تنازلات في محادثات فيينا. بطريقة أو بأخرى، فإن الأزمة الأوكرانية تُعقّد العلاقة الثلاثية بين روسيا وإسرائيل وإيران.
تركيا – روسيا – سورية – إيران
على الرغم من التعقيد نفسه، فإن الرقصة التي محورها تركيا وروسيا وسورية وإيران هي أيضاً دالة على المصالح الإستراتيجية المحددة لتركيا في سورية وخارجها، والتي ولّدت جميعها بالفعل احتكاكات بين أنقرة وموسكو وطهران -حتى مع استمرار الثلاثة أطراف مواصلة عملية أستانا بقيادة روسيا للعمل على وضع دستور لسورية. يتصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستقبلاً يكون فيه للمواطنين السوريين نوع من التمثيل، وهذا يعني خلق مساحة للقادة الإسلاميين في محادثات الأمم المتحدة الجارية – وغير المثمرة حتى الآن – حول تسوية سياسية بشأن سورية. هذا ليس هدفاً تشترك فيه موسكو وطهران، لا سيما إذا- كما يخشى القادة الإيرانيون – سيفتح الباب أمام القوات الجهادية. ويتمحور وقف إطلاق النار الهش للغاية في محافظة إدلب بشكل غير مستقر حول الجهود المبذولة لاحتواء هذه الأهداف المتضاربة، وهو الآن تحت الضغط بينما يحاول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إعادة تأكيد نفوذه.
ويؤكد قصف روسيا في الثاني من كانون الثاني/ يناير على أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية بالقرب من إدلب، في شمال غرب سورية، احتمال إشعال الصراع بين موسكو وأنقرة، وهو ما قد يحدث إذا استجمع التنظيم قوة جديدة.
سوف تتفاقم هذه التوترات بسبب خلافات أنقرة المفتوحة مع موسكو على عدة جبهات. ولقد دعمت مطالبة أوكرانيا بشبه جزيرة القرم، وبالتالي عارضت ضم روسيا لتلك المنطقة وشعبها في عام 2014. الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لموسكو، أن تركيا -العضو في الناتو- تدعم عضوية أوكرانيا في الحلف. وأثارت حقيقة قيام تركيا ببيع طائرات بدون طيار TB2 لأوكرانيا غضب موسكو، التي تعرف بالتأكيد أن الطائرات بدون طيار ساعدت أذربيجان على الانتصار على القوات الأرمينية في حرب ناغورنو كاراباخ العام الماضي.
وبالنظر إلى هذه المخاوف، فإن الطلب الذي قدمه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في شهر كانون الأول/ ديسمبر بأن تتخذ روسيا نهجاً أكثر اعتدالًا تجاه النزاع الأوكراني لا بد أنه أثار قلق موسكو. ربما كان تحذيره مؤلماً: "لكي يتم قبول أي اقتراح، يجب أن يكون مقبولاً من كلا الجانبين. وقدمت روسيا بعض الاقتراحات. لكن ربما يسعى الناتو للحصول على نفس النوع من الضمانات من روسيا ". وأضاف أنه "إذا كان لدى روسيا أي توقعات أو قضية معينة من تركيا فيما يتعلق بتخفيف التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، فإن تركيا ستُقيّم الوضع".
وقد جاء تبادُل الآراء هذا بعد حوالَيْ أسبوعين من إجراء محادثة هاتفية بين بوتين وأردوغان، والتي، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية تاس، سبقتها وعود من متحدث باسم الكرملين بأن الوساطة التركية قد تكون مفيدة، ولكن فقط في ظل ظروف معينة. وذكر أنه "إذا كان السيد أردوغان قادراً على استخدام نفوذه لتشجيع كييف على البدء في الامتثال لالتزاماتها بموجب حزمة تدابير مينسك واتفاقيات باريس وما إلى ذلك، فسيتم الترحيب بذلك فقط". باختصار، رسالة موسكو هي أنه ما لم تدعم أنقرة موقفها، فإن أي عرض تقدمه تركيا للوساطة سيتم رفضه بشكل قاطع، إذا كان دبلوماسياً. بين المطرقة والسندان، من غير المرجح أن يتخذ أردوغان -الذي يتعرض لضغوط هائلة في الداخل في أعقاب الانكماش الاقتصادي المتصاعد -خطوات من شأنها إثارة عداوة موسكو. ولكن كما هو الحال مع إسرائيل، جعلت الأحداث في أوكرانيا علاقة تركيا مع روسيا (وضمنياً مع إيران) أكثر صعوبة.
تحديد مسار المحادثات الأمريكية الروسية
قد تعتمد جهود تركيا وإسرائيل وإيران لإدارة العلاقات مع موسكو (والعكس صحيح) في النهاية على المحادثات الجارية بشأن أوكرانيا بين البيت الأبيض والكرملين، إن مطالبة روسيا بأن تتخلى إدارة بايدن عن أي خطة لعضوية أوكرانيا في الناتو سيعقّد أي محاولة للتوصل إلى حل وسط، وهي نقطة أكّدها تصريح وزير الخارجية أنتوني بلينكين الأخير بأن طلب موسكو غير مقبول للولايات المتحدة وشركائها في الناتو. كان بلينكين محقاً عندما أشار إلى أن موسكو يجب أن تعلم أنه لا يمكن لمثل هذا الطلب أن يوفر طريقاً للمضي قدماً. لكن مخرج الطريق المؤدي إلى تصادم أمريكي روسي أكثر خطورة أمرٌ بعيد المنال في الوقت الحاضر.
في غضون ذلك، سيكون للصراع الأوكراني آثار متتالية في الشرق الأوسط وفي فيينا. يمكن لموسكو أن تستنتج أن مخاطر الفشل في فيينا كبيرة للغاية، وبالتالي ستواصل محاولة إقناع طهران بالتراجع عن بعض مطالبها. ولكن إذا أصبح الوضع في أوكرانيا أكثر سخونة، فقد تكون روسيا غير راغبة في دفع إيران نحو حل وسط. موسكو، التي تصورت نفسها منذ وقت ليس ببعيد على أنها صانع سلام في الشرق الأوسط، لديها الآن مساحة أقل بكثير للاستفادة من علاقاتها مع خصومها في المنطقة. يبدو أن الدرس هو أنه حتى لو لم تعد الولايات المتحدة تمتلك النفوذ الذي كانت تتمتع به ذات يوم في المنطقة، فإن مسار العلاقات الأمريكية الروسية يظل حيوياً لآفاق صنع السلام في الشرق الأوسط والمناطق المضطربة الأخرى من العالم.